
تعتبر الرياضة من أهم المجالات التي تُعدّ الإنسان صحياً واجتماعياً وعقلياً وبدنياً وخلقياً، حيث تعمل على تهذيب الميول والرغبات والإتجاهات العدوانية للفرد، كما أنه من الممكن أن تساعد الثقافة الرياضية على تحقيق السلام الإجتماعي وتحقيق الصداقة بين الدول.
وإيماناً منها بدور الرياضة في تنمية القيم الأخلاقية تسعى النظم السياسية في العالم للتحكم بشكل واضح وكبير في كيفية ممارسة الرياضة، وذلك لأن الرياضة بمختلف أنشطتها، أصبحت وسيلة إيجابية، بإعتبار الفعاليات الرياضية بغض النظر عن طبيعتها تعمل على دعم روح العمل الجماعي.
غير أن تدخل هذه الأنظمة السياسية بشكل واضح في أنشطة الرياضة يؤدي أحيانا إلى إنهيار الرياضة حيث يجعلها مجال ضعيف ويؤدي إلى عدم وجود فعالية في أنشطتها، وهي من الأسباب التي دفعت الهيئات الرياضية الدولية بسن قوانين رياضية دولية تمنع تسييس وإقحام الصراعات الحزبية عليها واستخدام منصاتها لدعايات عنصرية.
كما أكد الكثير من الخبراء في المجال الرياضي أن الرياضة عبارة عن واحدة من الحروب الباردة في العصر الحديث، وأنها عبارة عن حروب ذات صفة محدودة تتم داخل الملعب، لتحقيق النصر المعنوي أو تحقيق الهزيمة الساحقة، حيث أنها عبارة عن صورة لواقع يظهر كردة فعل لما تحمله بعض الدول من عداءات ومشكلات سياسية أو مشكلات حدودية أو مشكلات عرقية أو مشكلات فكرية.
وهذا ما جسدته الجزائر في تنظيماها الأخير لكأس أمم الأفريقية للمحليين “الشان”، بإستغلالها للمنافسة الرياضية لأغراض سياسية بما يشمل الترويج لدعاية جبهة بوليساريو الإنفصالية، والتعبير عن هوس استثنائي من جانب السلطة الجزائرية لإثارة التوترات مع المغرب.
وتحول افتتاح البطولة إلى منصة لتمرير رسائل سياسية، في تحد وصف بـ”الصارخ” للقوانين والأعراف الرياضية، الأمر الذي دفع الإتحاد الأفريقي لكرة القدم (كاف) إلى التحرك وفتح تحقيق.
وكان الإتحاد المغربي اعتبر ذلك “خرقا سافرا للقوانين المنظمة للتظاهرات الكروية التي تقام تحت لواء الإتحاد الإفريقي لكرة القدم”، وراسل الإتحاد الإفريقي “لتحمل كامل مسؤولياته أمام هذه الخروقات السافرة”.
وأكد الكاف في بيان الأحد أن تلك التصريحات السياسية التي أطلقت “لا تخص الكاف ولا تعكس وجهات نظر أو آراء الكاف كمنظمة محايدة سياسيا”.
وأفاد بيان للإتحاد الأفريقي لكرة القدم الأحد بأنه “سيحقق وينظر في التصريحات السياسية والأحداث التي جرت خلال حفل افتتاح بطولة أمم أفريقيا للمحليين 2022 بالجزائر”.
وتشكل قضية الصحراء المغربية أحد الأسباب الرئيسية في التوتر بين المغرب والجزائر التي تدعم جبهة بوليساريو، بالإضافة إلى دور زيادة التأييد الدولي والأوروبي والعربي لموقف المغرب من قضيّة الصحراء.
فقد كان الموقف الأميركي القاضي بالإعتراف بأن “الصحراء مغربيّة” نقطة تحوّل على الصعيد العالمي وجاء في وقت لم يعد خافيا أن المغرب حقّق اختراقات في هذا المجال دوليا وعربيّا وأفريقيا، مما دفع النظام الجزائري لقطع جميع العلاقات مع الرباط، وإغلاق مجالها الجوي أمام جميع الطائرات المدنية والعسكرية المغربية، الأمر الذي حال دون مشاركة منتخب المغرب في البطولة الحالية، على الرغم من كونه حامل لقبي النسختين الأخيرتين.
ليضرب بذلك النظام الجزائري قيم وقواعد المنظومة الرياضية عرض الحائط، ومن هذه الزاوية حولت الجزائر المنافسة الرياضية، التي من المفترض أن يكون الهدف منها التقريب بين ثقافات البلدان الإفريقية والتشبث بالوحدة الإفريقية، إلى الدعوة بتقسيم البلدان الإفريقية.
وهذا ما يجعل الإتحاد الإفريقي لكرة القدم أمام اختبار حقيقي في تنزيل العقوبات بحق الجزائر بسبب إقحامها قضايا وخلافات سياسية في المجال الرياضي.
فالرياضة ليست ديانة ولا مذهب سياسي ولا نظام إجتماعي أو إقتصادي كما يتصور البعض، فهي قيم أخلاقية ورؤية إنسانية يتشارك فيها الناس بإختلاف أجناسهم وأديانهم، لتحقيق إنجاز معين يعكس لنا صورة تقدم هذه الدولة عن الأخرى، بإنجازاتها وكيفية إعدادها للأطفال، والرياضة لم تكن في يوم من الأيام مفسدة للسياسة أبداً، العكس هو الصحيح.