بقلم: بيدرو ألتاميرانو/ خبير سياسي إسباني
هناك شخصيتان في التاريخ الحديث للمملكة المغربية، لابد من تسليط الضوء عليهما، وذلك لوضوح أفكارهما المتعلقة بالإستقلال وإعادة توحيد الأراضي المغربية، بما فيها الصحراء المغربية، والأهم من ذلك إعادة توحيد جميع المغاربة.
أنا أشير إلى سيدي محمد بن يوسف، سلطان المغرب من عام 1927 إلى عام 1953، وبعد ذلك من عام 1955 إلى عام 1957، ثم توج ملكًا على المغرب بإسم محمد الخامس من عام 1957 إلى عام 1961.
والآخر هو الزعيم الوطني المغربي علال الفاسي، السياسي والكاتب ومؤسس حزب الإستقلال، وعضو في أكاديميات اللغة العربية في دمشق والقاهرة، و أحد أبرز منظّري الإسلام السياسي في القرن العشرين.
شخصيتان، كانتا عدائيتين في مناسبات عديدة، وحدتهما القضية المشتركة لإستقلال المغرب وكرامته كأمة، كل من خلال خطابهما الواضح، في إصلاح المؤسسات الإجتماعية والسياسية من أجل تحديث الإسلام، من أجل تحقيق السيادة الكاملة للمغرب في إطار مستقل، دولة خالية من الإستعمار، هذه الرؤية هي التي أرست دعائم المغرب الحديث.
من ناحية أخرى، محمد الخامس، رجل معتدل وذي عقل لبيب، وشجاع كما أظهر أمام حكومة فيشي النازية بفرنسا وكلفه ذلك الموقف المنفى، ولكن عندما عاد إلى وطنه، فعل ذلك بعزم للحصول على الإستقلال، و بالتعاون مع علال الفاسي إتخذوا أولى الخطوات الحازمة نحو مستقبل المملكة.
علال الفاسي يقبل يد الملك الراحل محمد الخامس
بالنسبة للإسبان، فإن “حرب إستقلال” إسبانيا من الإحتلال النابليوني يحتفل به كل سنة في 2 ماي.
إذا أمكن فهم ذلك، فمن السهل جدًا أن نفهم أن المملكة المغربية لن تتخلى أبدًا عن إلتزامها باستقلالها الإستعماري الكامل وإعادة توحيد ترابها، بغض النظر عن طبيعة الإستعمار سواء كان سياسيًا أو ثقافيًا أو اقتصاديًا.
إذا كان هناك شيء ضروري للشخصية المغربية، فهو التاج والإستقلال، لأنهما يسيران معا دائمًا.
لهذا السبب اليوم، لم تعد القضية الوطنية الأولى هي إستعادة أراضي الأقاليم الجنوبية، وهي حقيقة لا جدال فيها في غياب الأراضي التي ما زالت محتلة من قبل العصابات المسلحة الإنفصالية المدعومة من قبل النظام العسكري الجزائري الشمولي، بعد وقف إطلاق النار عام 1991.
لقد أوضح الملك محمد السادس، على أن أي شخص يريد الحفاظ على علاقات طبيعية مع المملكة أن يمر عبر الإعتراف بالسيادة الوطنية على الأقاليم الجنوبية.
تنبع هذه العزيمة والقوة من واقع تاريخي ينكره فقط أولئك الذين يجهلون تمامًا التاريخ الحديث، لقد إحتل الاستعمار الأوروبي بشكل غير قانوني المغرب الكبير حسب توصيف علال الفاسي، مستغلاً لحظات ضعف المغرب وإمتداده الإفريقي، كما هو موضح في جميع المعاهدات الدولية التي تم فيها التوقيع على الإستعمار المذكور، خاصة في معاهدة الجزيرة الخضراء حيث من الواضح جدًا أن أرضًا كانت محتلة لدرجة أنهم شعروا بالخجل من تسميتها مستعمرة وأطلقوا عليها إسم “محمية“.
في الواقع، كانت ألمانيا راضية عن الحفاظ على “وحدة أراضي الدولة المغربية” و إسبانيا بإعادة الدخول في سياق القوى المتوسطية، وإن كانت تابعة لفرنسا والتي سيتم تقسيم الدولة المغربية معها في عام 1912.
وحدة أراضي الدولة المغربية، عندما إحتلت إسبانيا الأقاليم الجنوبية في الصحراء المغربية، يوضح أن الأقاليم كانت تابعة للمملكة المغربية في المعاهدات المذكورة آنفا.
من الضروري فقط قراءة محضر إتفاق الجزيرة الخضراء للتحقق من أن وجود الدولة المغربية كان محترمًا دائمًا، مع العلم أن الدولة القائمة كانت محتلة يجب “حمايتها” في جميع مجالاتها، ولكن قبل كل شيء في مجالها، التنظيم كدولة، وهيكل سلطتها وسلامتها الإقليمية.
في وقت “إنهاء الاستعمار”، من الغريب أن هذا المصطلح، الذي لم يستخدم أبدًا في المعاهدات، تم استخدامه بدلاً من نهاية المحمية أو( فترة الحماية )، فقد تم إحترام الوحدة الترابية والوطنية لشمال المملكة ووسطها ولكن لم يتم إحترامها في الأقاليم الجنوبية.
لابد من الإشارة، إلى أن الإستعمار الفرنسي الذي منع عام 1958 العودة المنطقية والقانونية للأقاليم الجنوبية إلى المملكة المغربية ،فيما أسميه “مؤامرة لاس بالماس“.
الأمر الذي أدى إلى قيام عملية “Ecouvillón” الإسبانية الفرنسية، المستوحاة من فرنسا، والتي إنتهت في ذلك الوقت بأحلام إنهاء إعادة توحيد المملكة بشكل قانوني وسلمي، ولقي العديد من المغاربة مصرعهم في تلك العملية بمن فيهم العديد من الصحراويين المغاربة، ولا توجد قبيلة مغربية صحراوية واحدة لا تتذكر شهدائها من أجل المغرب في هذا الكفاح من أجل الاستقلال.
لذلك ليس من الصعب أن نفهم أن المملكة المغربية لم تتنازل أبدًا، كما قلنا، ليس فقط عن وحدة سلامتها الإقليمية لأراضيها، ولكن عن الإعتراف الدولي بها كذلك، قبل ذلك دافع عنها بدماء أبنائه، واليوم يدافع عنها بقوة في مقر الأمم المتحدة في عمل دؤوب ومضني للإعتراف بوحدته، وبدأ هذا العمل الديبوماسي يعطي نتائجه المرجوة وسيصل قريبًا إلى النتيجة التي ستنصف حقيقة المغرب.
من الملك الراحل محمد الخامس وعلال الفاسي، والملك الراحل الحسن الثاني باني المغرب الحديث، والملك محمد السادس، مع كل واحد من أبناء وبنات المغرب، يعملون معًا من أجل أقاليمهم الجنوبية.
من هذا الإتحاد تولدت القوة والتصميم، على مثل هذه الغاية التي ليست سوى الواقع الذي لا جدال فيه، وغير القابل للتصرف، في الصحراء المغربية.
2 تعليقات