آراءسياسة

الخطاب السياسي الغربي.. ودوره في تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا

على إمتداد سنوات طويلة يشن الغرب حربا بكل معنى الكلمة على الإسلام والمسلمين إذ يشكل هذا العداء للإسلام مشكلة اجتماعية كبرى في أوروبا، وقد أعاد السياسي السويدي، المتطرف راسموس بالودان، عبر إقدامه على حرق نسخة من القرآن الكريم، أمام السفارة التركية، بالعاصمة السويدية ستوكهولم، قضية “الإسلاموفوبيا” في أوروبا، إلى الواجهة، ويجدد بذلك مخاوف الجاليات المسلمة، المقيمة في السويد، وفي أوروبا بشكل عام من تنامي هذه الظاهرة.

الحملات الغربية المنظمة والموجهة ضد الإسلام كدين وعلى معتنقيه، كان لها دور كبير في إنتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا، وما لها من جذور ممتدة في تاريخ وثقافة المجتمعات الأوروبية المرتبطة أساسا بالظروف السياسية والاجتماعية السائدة في الغرب، وبخيارات ورهانات النخب الأوروبية التي لم تحسن تقدير المخاطر المترتبة على ما تمارسه من تلاعب بمشاعر مواطنيها لتحقيق مكاسب سياسية ظرفية.

ولأن استغلال مشاعر الكراهية بدا ذا مردود سياسي سريع تم توجيه الأنظار نحو الإسلام باعتباره عدوا أزليا لأوروبا وخطرا داهما يتعين صهر طاقات الجميع للتصدي له مما دافع بالعديد من الفاعليين السياسيين يبنون من ظاهرة الإسلاموفوبيا مصالحهم، فالدفاع عن المسلمين في نظرهم لا يأتي بأي منفعة على الصعيد السياسي، بل الأدهى من ذلك، وكما نرى في الانتخابات التي شهدتها دول غربية ترتكز بالأساس على قناعة مشتركة بين المرشحين، وهي أن الهجوم على المسلمين أمر جيد لحشد التأييد الانتخابي.

تختلف المذاهب بشأن تفسير ظاهرة العداء للإسلام في أوروبا، بين من يرى فيها تجليا لصراع ديني وثقافي ممتد عبر العصور، ومن يعتبرها أحد مظاهر الاستهداف السياسي والإعلامي الذي يتعرض له العالم الإسلامي خدمة لمصالح إسرائيل وقوى الاستعمار الغربي.

لعل أحد المداخل الأساسية لفهم المجتمعات الأوروبية هو إدراك التناقض الذي تعيشه على مستويات متعددة بين وعيها لذاتها من جهة ، وتطلعها إلى دور متقدم على المسرح العالمي من جهة أخرى.

فالمجتمعات الأوروبية لا تستطيع تصور هويتها إلا في مقابل “آخر” مختلف عنها ومتناقض معها، وهي في نفس الوقت شديدة النزوع نحو التوسع وبسط نفوذها الرمزي والمادي خارج مجالها الطبيعي، تحت لافتة ما تسميه مشروع الحداثة المستنيرة الذي حاولت بواسطته عولمة قيمها الخاصة وإخضاع بقية الأمم والشعوب لنموذجها الثقافي.

غير أن هذا المشروع الحداثي الذي تسعى الدول الغربية إلى نشره، تعرض لانتكاسة واضحة خلال العقود الأخيرة بفعل عدة عوامل، حين بدا جليا أن المجتمعات الأوروبية التي تباهت دوما بشعارات الديمقراطية والتسامح والانفتاح لم تكن في الواقع مهيأة بما فيه الكفاية للتفاعل الإيجابي مع مقتضيات العولمة، وخصوصا ما يتعلق بمستويات التنوع والاختلاف مما يجعل من العنصرية في الغرب مشكلة تتجاوز المسلمين، وهي متأصلة ومتجذرة هناك، لكن المسلمين هم الضحايا الأبرز في الوقت الحالي.

فالإسلاموفبيا ظاهرة قائمة بالأساس على موقف السياسيون الغربيون بتقيّدهم لعدد من القوانين والحريات الدينية للمسلمين، مثل حظر الذبح الحلال أو حظر ختان الذكور منع الحجاب .. ، كما يتجلى التمييز ضدّ المسلمين في الحياة المهنية أو التعليمية، لهذه الأسباب تتخذ العنصرية أشكالاً مؤسسية، فالسياسة الحالية والواقع السياسي يهدّدان أمن المسلمين ومصالحهم، كما ينتج عن ذلك أعمال عنف وهجمات إرهابية ضدّ المسلمين ومقدساتهم.

الاسلاموفوبيا بكل أبعادها العنصرية القبيحة يكرسها باستمرار ويفاقمها الخطاب السياسي الرسمي للحكومات الأوروبية والخطاب الإعلامي في هذه الدول وكذلك السياسات الرسمية المتبعة.

فوسائل الإعلام الغربية إستغلت بشكل كبير الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها بعض العواصم الأوروبية لاستهداف المسلمين، بالزعم أن الإسلام دين يشجع على الإرهاب وأن المسلمين عموما متطرفون ولديهم إستعداد لممارسة الإرهاب بحكم العقيدة، وتعريفهم الإسلام بأنه دين متخلف لا يتماشى مع العصر ولا يتوافق مع قيم الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

هكذا تحولت أوروبا القوية الواثقة من نفسها المتطلعة إلى القيادة والمولعة بلعب دور الواعظ الأخلاقي والسياسي إزاء الأمم الأخرى، إلى كيانات مرعوبة منطوية على نفسها قلقة على هويتها، تضيق ذرعا بكل تعبير عن الاختلاف، ولا تكاد تطيق تحمل أي مظهر من مظاهر التعددية والتنوع، بل تذهب أبعد من ذلك في فتح مجالها أمام المتطرفين لمهاجمة كل ما هو إسلامي أو له علاقة بالدين الإسلام.

وليست المعلومات التي توفرت حول قناعات ودوافع عداء السياسي السويدي ، المتطرف راسموس بالودان للإسلام إلا جزءا من مؤشرات عديدة تدق أجراس الخطر حول دور العداء للإسلام في خلق الظروف الملائمة لميلاد نمط جديد من العنف، قد يكون أكثر إيلاما لأوروبا من كل مظاهر العنف التي عانت أو خشيت منها حتى الآن.

https://anbaaexpress.ma/li3tk

محسن المساوي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى