أفريقيادوليسياسة

إدانة البرلمان الأوروبي للوضع الحقوقي في المغرب.. عندما تتقدم المصلحة عن المبدأ

لا أحد ينكر أن تركيبة النظام الغربي لافتة، خصوصاً في جانب تكريسها لمبدأ الفصل بين السلطات بكل ما يقتضيه من توزيع للسلطة على هيئات متعددة لحماية الحريات ومنع الاستبداد، إلا أن هذا التميّز الذي يعيشه الغرب يشعِره بالفوقية، وتحديداً في جانبه الحقوقي والإعلامي، وظهر ذلك جليا في تدخله في الشؤون الداخلية للدول النامية وتبريره ذلك بحجة الدفاع عن حقوق الإنسان ومحاربة الإستبداد ونشر الديمقراطية.

الفلسفة الغربية لفكرة حقوق الإنسان تقوم على مسؤولية الدولة عن الوفاء بشروط معينة عند تعاملها مع شعوبها، وأن حالات الفشل الفعلية أو المتوقعة عن تحقيق ذلك يمكن أن تبرّر شكلاً من أشكال التدخل من جانب المجتمع العالمي أو الهيئات الدولية.

ولعل إدانة البرلمان الأوروبي للوضع الحقوقي في المغرب ما هو إلا شكل من أشكال التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب، وهو ما يترجم الإرتباك السياسي الذي تعيشه بنية المؤسسة الأوروبية وتركيبتها التنظيمية، حيث إن الحركية غير الصحية التي طغت في الآونة الأخيرة داخل المؤسسات الأوروبية، بفعل ضعف تأثيرها بشكل ما في الأوضاع الإقليمية والدولية، التي يعيشها العالم خاصة ملف الأزمة الأوكرانية وتراجع نفوذ الأوروبي في إفريقيا وآسيا.

في مقابل ذلك تشهد المغرب دينامية في علاقتها مع عدد من حلفاؤها خاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وترجم ذلك باعتراف واشنطن بمغربية الصحراء، وما خلف هذا الاعتراف من إتفاقيات تعاون بين البلدين في مجالات متعددة وهو إنجاز جيوسياسي استراتيجي للمغرب، يغيض به أعداء الوحدة الترابية ودول أوروبية ترى من هذه العلاقات تهديدا مباشرا لمصالحها في إفريقيا.

كل هذا يجعل من الإدانة الأوروبية للوضع الحقوقي في المغرب مجرد حملة تستهدف المغرب، لاسيما تفادي البرلمان الأوروبي إدانة الجزائر رغم مناقشة سجلها المليء بخروقات حقوق الإنسان وحرية التعبير، كما أن الإدانة جاءت متجاهلة لتقارير ومواقف المنظمات الحقوقية والهيئات المغربية، وهو ما يسيء إلى الصورة السياسية والمصداقية الدبلوماسية لأوروبا.

و السبب يلخصه “تيري مارياني” النائب الأوروبي عن حزب مارين لوبان الفرنسي في الغاز و إستفادة نواب اليسار الأوروبي من أموال عائداته.

وقال ثيري مارياني في مرافعة قوية أمام أعضاء البرلمان الأوروبي: “أود أن أستهل هذا الخطاب بالقول إننا نجتمع لإدانة ممارسات بلد يخرق حقوق الإنسان ويقمع الأصوات المحتجة ويشارك في زعزعة إستقرار إفريقيا، هذا يعني أننا نتحدث عن الجزائر”، مستنكرا كون “اليسار الأوروبي لا يدين قط الجزائر والإتحاد الأوروبي يمنحها كل شيء مقابل الغاز.. وعوض ذلك نناقش المغرب الذي يشكل أحد دعامات شراكتنا الإستراتيجية مع إفريقيا”.

عموما هذه الإدانة لا قيمة لها، لأن الجميع يعرف النفاق الأوروبي وإزدواجية المعايير الغربية اتجاه قضايا تعتبرها إنسانية، إذ تُّقدم غالبا مصلحتها عن المبدأ الذي تتبناه ويكون حماية حقوق الإنسان مجرد الية سياسية لا إنسانية، ويذهب البعض للقول أنه عندما يختفي مئات من اللاجئين و المهاجرين في قاع البحر، و يتمُ إغراقهم عمدا قبل وصولهم إلى اليابسة الأوروبية، فلا يحق للأوروبيين أن يعطوننا دروسا في حقوق الإنسان وحرية التعبير.

https://anbaaexpress.ma/y6hmy

محسن المساوي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى