آراءسياسة

كيف جعل عقيلة والمشري القاعدة الدستورية مادة للبقاء في السلطة؟

في أول تجربة انتخابية في ليبيا بعد الثورة صعد الأستاذ خالد المشري القادم من تصحر سياسي وأفكار حماسية تنشد المستقبل المشرق رغما عنه ودون أي دراسة لعوامل النجاح، وما إن وجد نفسه نائبا منتخبا في أول سلطة تشريعية في البلاد حتى اقتحم مراكز المسؤولية مستعينا بعنفوان انتصار الثورة الذي يمنحك مساحة لا حدود لها تسمح بارتكاب أي موبقة سياسية وتحميل الأزلام المسؤولية بكل سهولة.

المشري نائبا ثم عضوا بلجنة الأمن القومي والمالية بالمؤتمر الوطني العام ثم عضوا بالمجلس الأعلى للدولة بعد اتفاق الصخيرات لاحقا عقب تفكك المؤتمر نتيجة الصراع السياسي على خلفية تعثر عملية التسلم والتسليم بين المؤتمر الوطني العام ومجلس النواب المنتخب حديثا حينئذ وحكم الدائرة الدستورية، ثم رئيسا للمجلس مدى الحياة تقريبا.

وهذا هو موضوع حديثنا غير الشيق بالتأكيد عن الرجلين لكن قبل الحديث عن علاقتهما الوطيدة والمثيرة للجدل وغير الحميمة كما يظهر دائما، لابد من لمحة بسيطة عن بدايات المستشار عقيلة قبل أن يجثم على رئاسة مجلس النواب هو الآخر.

يتفوق على ما يبدو عقيلة على المشري في الماضي السياسي، حيث ظهر في الكثير من الفيديوهات قبل الثورة وهو يتلو بيانات حماسية تظهر الولاء المطلق والأبدي للراحل “الأخ القائد” قبل أن يقسم أغلظ الأيمان بحماية أهداف ثورة فبراير عقب انتخابات مجلس النواب التي ظفر فيها بـ 900 صوت من عشيرته وبعض الأصدقاء السابقين من باب البراغماتية، على اعتبار ذلك من ضرورات الحصول على المنصب في أي إدارة ليبية تطلب ذلك.

لا سبيل للتغير إلا داخل غرف المجلسين

وعلى الرغم من التعريف غير المحايد بلا شك الذي يظهر الشيخين قد جاءا إلى السلطة في الظلام والناس نيام ودون سابق معرفة إلا أن المسيرة السياسية لهما أظهرت في السنوات الخمس الأخيرة بأنهما من أبرع ساسة ليبيا في التاريخ الحديث عندما يتعلق الأمر بإدارة الخلاف وأدوات اللعبة السياسية محليا، حيث يشهران ببراعة منقطعة النظير في وجه الشعب التعيس أنهما من مخرجات الديمقراطية والانتخابات ولا يحق لأحد تجاوزهما محليا ولا دوليا وهما قدر ليبيا السياسي وصمام أمانها أمام المؤامرات الكونية المحدقة.

تحويل المجلسين إلى شركات سياسية لخدمة مسودة البقاء

لقد وصل” الشيخان” ذروة عطائهما السياسي في السنوات الأخيرة، خصوصا فيما يتعلق بالمسار الدستوري، ولم يتركا عاصمة قريبة ولا بعيدة إلا واجتمعا فيهما باستثناء عاصمة بلادهما بحثا عن الحل الذي اختفى يوم أكل الثورة الأبيض بل والأحمر.

الشركات السياسية عوامل البقاء

ومن أكثر الأسس المتفق عليها بين المشري وعقيلة الصالح نصب فخ الترتيبات المؤقتة للبعثات الأممية التي تعاقبت على ليبيا منذ نحو عقد ممن الزمان وحصر خيارات مقاربة الحل في البلاد في الذهاب للمراحل الانتقالية في كل انسداد سياسي يحدث للبلاد ونجاح استمرار شراكتهما السياسية “النواب والدولة” في إدارة المشهد وبمجرد ظهور أي نقاش محلي دولي حول إدارة مرحلة انتقالية مؤقتة يتحمس الرجلان ويحشدان شراكتهما السياسية، خصوصا الصقور منها لحشد الحجج العقلية والأدلة الحسية التي تؤكد أهمية الدخول في مرحلة انتقالية جديدة “بكقرابجها” والنتيجة خلق ثنائيات جديدة ومبررات تستبعد حتى التفكير في أي خيار للتغيير السياسي.

تطور العلاقات الطردية بين المجلسين بسبب المهددات خلافا للسنوات الماضية شكل العام 2021و 2022 منعطفا كبيرا في مستوى التفاهمات بين عقيلة والمشري وتجاوز الاتفاق على بعض مبادئ مقاربة الحل السياسي في ليبيا إلى الاتفاق على جل الكليات وحصر الخلاف الظاهر على نقاط معينة فيما بقيت مسألة الجنسية وترشح العسكريين الجوكر الذي يضع الحد لأي تفاؤل بقرب انجاز القاعدة الدستورية التي بقيت كلمة السر في كل مباحثات الشيخان على مدى العامين المنصرمين

ماذا يحمل العام الجديد..؟ وهل يطيح المجتمع الدولي بثنائي عقيلة – المشري هذا.؟

بعد التلويح غير المسبوق للدول الفاعلة في المجتمع الدولي ومعها الأمم المتحدة بضرورة تجاوز ثنائية عقيلة والمشري هذه التي فرضت نفسها كخيار لا بديل عنه للحل في البلاد.. أستهل زعيما الشرق والغرب العام الجديد باجتماع مفاجئ في القاهرة العاصمة العربية الوحيدة التي تهتم بشكل جدي بتفاصيل أي آلية دستورية حتى آخر بند لضمان انتقال سياسي ديمقراطي وفق مقترحات عباس كامل.

ولم ينته المؤتمر الصحفي في القاهرة حتى نشر الشيخان بيان مشترك يؤكد الاتفاق للمرة 17 ونص على مقترحات المسودة الدستورية وترحيل الفشل في عدم انجازها لاحقا إلى اللجان المشتركة بين المجلسين

هل يمكن أن تؤدي هذه العلاقة إلى ولادة القاعدة الدستورية والانتخابات.؟

ليس هناك أي جديد في هذه المباحثات يختلف عن سابقاتها اتفاق سريع على اشياء متفق عليها سابقا وترحيل ما يصفانه بنقاط الخلاف الجوهرية إلى اللجان المشتركة كالعادة لتوزيع الهوة فيها وإعلان عدم التوصل إلى أي نتيجة لاحقا بعد مضي وقت طويل ليعود الشيخان إلى شد الرحال إلى عاصمة أخرى أو نفسها للحديث عن التوافقات الجديدة غير المسبوقة بشرط ألا تكون قابلة للتطبيق وهكذا يمضي الوقت ويتم إلهاء الشعب التعيش لعام آخر بين حكومة جديدة وأخرى جديدة وكلها ضمن اللعب على شروط الشيخان السعيدان والباقيان في المشهد حتى الموت.

https://anbaaexpress.ma/72xks

موسى حسن تيهوساي

كاتب صحفي ليبي وباحث في الشؤون الأفريقية .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى