عقدت إدارة بايدن قمة أمريكية أفريقية في واشنطن في الفترة ما بين 13 إلى 15 ديسمبر 2022 وبمشاركة القادة الأفارقة، وتعد هذه القمة هي الثانية من نوعها بعد ثماني سنوات من القمة الأولى التي عُقدت في عام 2014.
التدافع الجديد على أفريقيا هو جزء من جهود الرئيس جو بايدن لتعزيز النفوذ الأمريكي المتضائل في أجزاء مختلفة من العالم حيث تحقق قوى أخرى ، ولا سيما عدوها، الصين وروسيا نجاحات كبيرة، اقتصاديا واستراتيجيا.
اليوم في ظل التحولات الجيوستراتيجية التي يشهدها النظام الدولي ولاسيما بعد الحرب الأوكرانية، يعمل الأفارقة بنشاط على تنويع شركائهم الاستراتيجيين، وبينما وجهت واشنطن طاقتها نحو روسيا، تدخلت بكين في إفريقيا لملء الفراغ بمشاريع البنية التحتية الكبيرة والمساعدات السخية للدول الإفريقية كما حرصت على عقد منتديات وقمم مشتركة بشكل منتظم مع الدول الإفريقية.
كان نجاح بكين في أفريقيا مصدر إزعاج خاص لواشنطن ، على مدار سنوات، إذ نمّت نفوذ الصين في القارة على حساب جميع القوى الغربية بما في ذلك القوى الاستعمارية السابقة، بريطانيا وفرنسا.
كما عانى مشروع Françafrique الاستعماري الجديد من نكسات في السنوات الأخيرة في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى بسبب تعزيز روسيا لوجودها، واختارت دول أخرى مثل توغو والجابون ورواندا التي كانت ذات يوم جزءا من مجال النفوذ الفرنسي أن تتحالف أكثر مع بريطانيا أو الصين في السنوات الأخيرة، وينظر كثير من الأفارقة إلى مبادرات الصين العالمية للتنمية والأمن على أنها مساهمات إيجابية في استقرار وتحسين النظام العالمي.
إن مشاركة الصين المباشرة في أفريقيا، من خلال القروض ومشاريع البنية التحتية والتكنولوجية الضخمة من الموانئ إلى محطات الطاقة ، جعلت من الرغبة الأمريكية لاستعادة نفوذها في أفريقا ضرورة ملحَّة.
بكين لديها حساسية كبيرة من موضوع التدخل في الشؤون الداخلية للدول ، وهو ما لا تقبله بالنسبة إلى وضعها الداخلي، كما تركز عليه وتنتهجه في سياستها الخارجية، ولتحقيق تقدم ، أعطت الأولوية للتنمية على الديمقراطية وحقوق الإنسان، التي تناسب الأنظمة الاستبدادية لذا، فإن هذا الأمر شكل عامل طمأنينة لدول الإفريقية التي باتت تدرك المكانة المستقبلية للصين، وضرورة التعاون معها.
مما دفع بإدارة بايدن إلى إستئناف عمل إدارة أوباما، التي عقدت أول قمة أمريكية أفريقية، من خلال إتباع أجندة أفريقية قائمة على المصلحة المتبادلة والاحترام المتبادل.
وتتعهد واشنطن بالاستماع إلى شركائها الأفارقة بدلا من إلقاء المحاضرات عليهم وإتباع سياسات مستدامة تصب في مصلحة القارة.
فالقمة الأفريقية – الأمريكية جاءت من أجل ابتكار حلول إبداعية لترميم العلاقات بين الطرفين من جهة واللحاق بركب القوى الدولية الصاعدة والمؤثرة في الساحة الأفريقية من جهة أخرى، وفي ظرفية فشلت فيها الولايات المتحدة، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، في حشد دعم الدول الأفريقية في الأمم المتحدة، حيث تمثل أكثر من ربع أعضاء الجمعية العامة.
وفي ظل الصراعات الأكثر أهمية، حيث يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دورا أكبر، فشلت الدبلوماسية الأميركية ويعد صراع تيغراي في إثيوبيا علامة منبهة على تعثر نفوذ الولايات المتحدة في إفريقيا.
وكثيرا ما اعتبرت الولايات المتحدة حكومة أبي أحمد الإثيوبية حليفا مهما. ومع ذلك في الوقت الذي تفرض فيه عقوبات على أديس أبابا بسبب دورها المزعوم في صراع تيغراي، فشلت واشنطن في توفير الدبلوماسية الكافية لإنهاء الصراع على الرغم من نفوذها في المنطقة.
وبعد محادثات سلام بشأن الصراع في أكتوبر، منعت روسيا والصين بيانا لمجلس الأمن الدولي لإدانة العمليات الحالية لأديس أبابا في إقليم تيغراي، مما يظهر كيف عمقت موسكو وبكين على وجه الخصوص نفوذهما في المنطقة وسط نفوذ واشنطن المتعثر.
ولكي تكون الولايات المتحدة شريكا فعليا لإفريقيا، يتعين عليها أولا ضرورة استعادة الثقة والمصداقية المفقودة و أن تلتزم بالعلاقة على الأقل كما فعل الصينيون.
إذن بعد سنوات من الإهمال، تقول إدارة بايدن الآن إنها تريد المساعدة في مواجهة التحديات المتصاعدة في إفريقيا ولهذا السبب يجب على واشنطن اتخاذ تدابير ملموسة، مثل زيادة الاستثمارات في القطاعين الخاص والعام، ودعم انضمام الاتحاد الأفريقي إلى مجموعة العشرين، والالتزام بعقد قمة أخرى بين الولايات المتحدة وأفريقيا في العامين المقبلين، لمتابعة مخرجات هذه القمة.
وسوف يكون لزاما على الولايات المتحدة أن تتصالح مع حقيقة مفادها أن الصين وجدت لتبقى في أفريقيا ، وبالرغم من سعيها إلى الحفاظ على نظام عالمي أحادي الجانب منذ سقوط الاتحاد السوفييتي في عام 1991، فقد يستغرق الأمر بعض الوقت قبل أن تتقبل الولايات المتحدة حقيقة مفادها أنها لم تعد قادرة على إتخاذ القرارات دون قيود أو شروط.