آراءثقافة

غربلة التراث..

أرسل لي أخ فاضل عن إدعاء كشف خطير، يشكل إعجازا علميا جديدا للسنة، من حديث الحمير والديكة، كيف تقشع الحمير الشياطين، وكيف تبصر الديكة الملائكة؟

قال الرجل لقد كشف العلم الحديث أن عيون الحمير فيها من عصيات الشبكية ما ترى فيه الأشعة تحت الحمراء، وإذ كانت الشياطين المردة من مارج من نار؛ فإن قدرة الشبكية في عيون الحمير الظريفة تدرك فورا أن شيطانا مرّ لتوه بجنبها فتبدأ في النهيق فورا؟ ونحن نعلم أن شبكية العين فيها ثلاثة ملايين مخروط و200 مليون عصية تدرك الألوان والرؤية في الظلام ولكن الطب لم يفدنا شيئا عن أبطال الإعجاز العلمي وترهاتهم؟

يقول هؤلاء أن الديكة الظريفين، ونظرا لامتلاء شبكية العين عندهم بمزية إدراك الأشعة مافوق البنفجسية فإن مرور الملائكة أمامهم يجعلهم يبدئون فورا بالصياح على الفلاح، ولم نعرف تماما عن مواعيد مرور الشياطين والملائكة، ذلك أن الديكة تبدأ في الإزعاج قبل الفجر ولها نشاطات غير محددة إلا طبعا بمرور الملائكة أمامها كما يدعون وتسكت معظم النهار لاختفاء الملائكة التي تداوم في الليل على مايبدو؟ أما الحمير فمزاجية، وإن أنكر الأصوات لصوت الحمير!!

الشاهد في كل هذه القصة هي موضة الإعجاز العلمي، وقد كان علماؤنا فيما سبق جدا حكماء، حين قسموا الحديث إلى نوعين من ناحية الصحة، فقالوا بمصطلح علم الحديث رواية، وعلم الحديث دراية، أي تتبع صحة الحديث من مسلكين هل هو عقلاني معقول؟ أم أنه ضد العقل والعقلانية، وليس فقط أن سنده ذهبي أو فضي أو من تنك وخارصين؟ أو بتعبير ابن خلدون ضد سنن الاجتماع، فالرجل أي ابن خلدون وضع قواعد صارمة من ست زوايا لمسك الخبر المنقول، وجاء إلى التاريخ فوضع ستة روايات لأئمة النقل حسب تعبيره ففندها، مثل رواية جيش موسى البالغ 600 ألف عسكري؟ فنده بقوانين لوجستية بحتة.

أو قصة بناء الأهرامات من أقوام يبلغ طولهم مائة متر من العمالقة؟ ففندها وأعادها إلى قدرة الحضارات وجبروتها.

كذلك قصص من اليمن والعباسة أخت الرشيد أنها كانت (جيرل فرند Girl Friend) للبرمكي وما شابه، فأرجعها إلى قرب العباسيين من البداوة التي تأبى اخلاق القصور وتحلل الإخلاق فيها.

والخلاصة فإن ابن خلدون لم نستفيد منه بشيء ومن (اكتشف) ابن خلدون من تراثنا فعرفناه، كانت من كشوفات تراث ميت، على يد مؤرخين غربيين عاشوا الحداثة ونظروا إلى التراث نظرة تاريخية، وهو ماحدا بمحمد عبده أن يتعمد تدريس المقدمة للطلبة في الأزهر..

ونرجع إلى قصة الدراية والرواية، فلإن الفكر الإسلامي تحنط على شاطيء النقل، فقد قتل العقل، ومع قتل العقل إنهارت الحضارة الإسلامية مثل سفينة التيتانيك وما زالت باتجاه القاع..

ولذا ـ وهي فكرة انفجارية ـ اعتماد عقلية جديدة لإعادة تكرير التراث مثل تكرار السكر الخام والبترول والكحول والزيوت، من أجل الوصول إلى الأفكار الإيجابية، ومنه أيضا فهم القرآن من خلال اعتماد العلوم الإنسانية المساعدة، فلا يعقل أن نفهم مصدر الطاقة اللانهائي (القرآن) من خلال تفسير ابن كثير الذي كتب قبل 800 سنة في ظروف الانحطاط، وهي جيدة يستأنس بها لفهم عصر الانحطاط؟ أما استعماله الحديث فهو يشبه الدخول على جمجمة مريض باستعمال أدوات الجراحة من أيام الرازي وابن سينا أو أيام الفرعون بيبي الثاني وحتشبسوت التي أصبحت في متحف التاريخ..

إنها أفكار جدا خطيرة .. جدا انفجارية.. جدا تصحيحية ولكن لابد منها ، فلا يعقل أن يتم تبادل مثل هذا الغثاء في النت فنسمم عقول الملايين من الشباب بالترهات والخرافات..

حسنا إن أمكن الوصول إلى المصادر العلمية الموثقة فيمكن حينها النظر بمعيار الحكمة كما يقول ابن خلدون، وهنا تبدأ مرحلة ولادة العقل الإسلامي الحديث..

https://anbaaexpress.ma/mcx1h

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى