أفريقياثقافة

صالون العلوم الاجتماعية بوهران في طبعته الأولى (1)

التاريخ النقدي للعلوم الاجتماعية بالمغرب الكبير

صالون علمي هو الأول من نوعه في الجزائر حول العلوم الاجتماعية، جمع العشرات من الناشرين والمؤلفين والباحثين الجامعيين. هذا الصالون الذي عرف ثراء في المداخلات والنقاشات، شهد مشاركة أكبر الأسماء في هذا المجال وجذب جمهورًا كبيرًا، من متخصصين وشغوفين.

كانت مناسبة نادرة التقى فيها الوسط الثقافي والأكاديمي الوهراني بألمع أسماء العلوم الاجتماعية، وكانت فرصة للتزود بعدد من الإصدارات العلمية والأدبية، التي أتاحها معرض الكتاب الذي شاركت فيه حوالي خمسة عشر دار نشر.

بالكومبيس الجامعي “مراد سليم طالب” بوهران، وعلى مدى ثلاثة أيام (من 19 الى 21 نوفمبر 2022)، تم تنظيم الصالون الأول للعلوم الاجتماعية.

وتعاون على تنظيم هذا الصالون كل من وحدة البحث في العلوم الاجتماعية والصحة ومركز البحث في الدراسات المغاربية ومركز البحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية، وأشرفت عليه لجنة علمية مكوّنة من أساتذة وباحثين من مختلف التخصّصات على رأسها البروفيسور محمد مبتول المنسق العلمي للصّالون وصاحب فكرة تنظيمه.

البرنامج، الذي ساهمت في تنظّيمه عدّة مراكز بحثية وجامعية بوهران، افتتح أشغاله صبيحة السبت عبر جلسة عامّة تناولت “تاريخ نقد علم الاجتماع في البلدان المغاربية”، وتطرّق المشاركون إلى ميلاد السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا في المغرب العربي وإلى بعض الأسماء البارزة التي مثلت هذا الحقل العلمي.وتناوب الباحثون/الباحثات والأساتذة على الجلسات العلمية في قاعتين طيلة الأيام الثلاثة، تناولوا فيها أهم الموضوعات السوسيولوجية والسيكولوجية ذات الصلة بالمجتمع وبالدولة، كما طرحوا أهم الإشكاليات والأسئلة حول العلوم الاجتماعية وتخصصاتها في البلدان المغاربية.

ومن مخرجات هذا الصالون عدة توصيات: إصدار الأعمال العلمية التي احتضنها الصالون؛ أن تكون طبعات أخرى للصالون في ولايات أخرى؛ العمل على توسيع معرض الكتاب ليضم أكبر عدد ممكن من دور النشر؛ استثمار أعمال الصالون في إنجاز مشاريع بحثية ولاسيما في المجال الفني وفق مقاربات سوسيولوجية وأنثربولوجية تولي أهمية لكل ما هو محلي والاهتمام بدراسة الظواهر الاجتماعية المستجدة والانفتاح أكثر على المجتمع.

في اليوم الأول، وبعد الجلسة الافتتاحية،  جاءت الجلسة الأولى تحت عنوان (التاريخ النقدي للعلوم الاجتماعية بالمغرب الكبير). أطّر المداخلة الأولى أحد أبرز  الأنتروبولوجيين المغاربيين، ندير معروف في موضوع “العلوم الاجتماعية بالمغرب الكبير منذ منتصف القرن العشرين، مسارات مؤسساتية، بيداغوجية وعلمية”.

حول الإرث الكولونيالي، وإخفاق العلوم الاجتماعية في البلدان المغاربية في العثور على مسار يجمع بين الخصوصيات المعاصرة والنزعة المذهبية المَسْتُوفَة في البراديغمات الغربية، حيث انتهى الطريقان إلى حلقة منذ النصف الثاني من القرن العشرين؛ استهل المحاضر مداخلته، بنظرة إلى الخلف، وبنبذة كرونولوجية ذات صلة بالسياق السوسيو-سياسي الإقليمي، خلال النصف الثاني من القرن العشرين الذي كانت فيه العلوم الاجتماعية في المغرب الكبير قليلة التمثيل من حقل المعارف إلى جانب التخصصات العلمية، وكذلك التخصصات الأكثر شهرة: التخصصات القانونية والطبية.

حول الجزائر، أشار المحاضر إلى الاستثناءات النادرة التي دشنها الأسلاف الفرنكوفونيون: محمد أركون، مالك بن نبي، عبد الملك صياد، مولود معمري، محفوظ قداش، كمال مالطي إلخ. ثم انتقل إلى الحديث عن الهياكل،  بدء بكلية الآداب في الجزائر العاصمة التي ضمت جميع التخصصات باستثناء العلوم الفيزيائية والكيميائية والعلوم الطبية الحيوية التي كانت لها كلياتها الخاصة، إلى جانب كلية القانون والاقتصاد، وعدد من المدارس العليا في الهندسة المعمارية والزراعة والفنون التطبيقية.

حول حقل العلوم الاجتماعية تحدث عن عدة مراكز من ضمنها مركز (CRAPE) وهو المركز الذي كرس رسالته الأولية في البحث في عصور ما قبل التاريخ و الأنثروبولوجيا والاثنوغرافيا، وقد أصبح بعد الإصلاحات يحمل اسم (CNRPAH)، وكذلك مركز آخر مخصص للتاريخ (CNEH)، وكذلك الديوان الوطني للبحث العلمي (ONRS)، ومركز (CNEH) للدراسات التاريخية.

ثم أعطى نبذة عن التعليم العلمي العالي في المغرب منذ عام 1940، ونشأة كلية العلوم عام 1957، وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، حيث كان حقل العلوم الاجتماعية مدمجا في العلوم المعيارية للقانون والاقتصاد، ومركز جاك بيرك.

في تونس، نشأ معهد البحوث حول المغرب العربي المعاصر (IRMC)، وقد نشأ تنظيم التعليم العالي والبحث في تونس، في إطار نفس الأجهزة التي كانت معروفة في الجزائر منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.

وفي قراءة مقارنة في التجارب المغاربية خلال الاستقلال، أشار المحاضر إلى بروز سوسيولوجيين مغاربة وتونسيين أولوا أهمية كبيرة إلى شعار الهوية، في سياق السنوات الأولى المؤسسة للدولة المستقلة.

كان هذا الاهتمام السوسيولوجي، في المغرب، مصحوبًا بتجديد أيديولوجي لصالح القيم الآمنة التي تعتمد على إعادة تأهيل الموارد التراثية سواء من العروبة أو من المزوغة أو ( نادرًا) من الهوية المغاربية … لكن مثل هذه المواقف لم تؤثر بأي شكل من الأشكال على استخدام لسان القوة الاستعمارية، وبالتحديد اللسان الفرنسي، لأنه كان من الضروري، للأكاديميين الناطقين بهذا اللسان، استكشاف المستودع الاجتماعي المنهجي والمفاهيمي، ولم تكن الفرانكوفونية، يقول المحاضر، متعارضة مع إيمانهم بالقيم القومية (Nationaliste)، حتى لو كان تيار المعرّبين أكثر انتشارا في وسط المؤرخين والأدباء، مع الإشارة إلى سهولة التعاون بين الفرنكوفونيين والعربوفونيين. وهو نفس التعايش بين علماء الاجتماع التونسيين في أوائل الستينيات، فضلا عن ثنائية اللسان لدى عدد من الأكاديميين.

في ضوء تجربته، تحدث عن كلية الآداب بوهران، التي لم يكن يتوفر، فيها، قسم العلوم الاجتماعية على أي بنية فوقية بحثية. كانت البداية بإنشاء وحدات بحثية وميلاد (URASC) نهاية عام 1983، والذي أصبح حاليا يحمل اسم (CRASC)، مركز الأبحاث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية عام 1992. وألقى الضوء، وفق التسلسل الزمني، على البنيات التي تم إنشاؤها بدء بمركز التوثيق والبحوث  (CDR)، وقد تم استبداله بمركز التوثيق والعلوم الإنسانية (CDSH)، ثم حمل اسم مركز البحث للإعلام والتوثيق في العلوم الإنسانية (CRIDISCH) تحت قيادة الراحل عبد القادر جغلول.

المداخلة الثانية، أطرها الدكتور دحو جربال تحت عنوان: (التعليم والبحث في التاريخ بجامعة العاصمة الجزائرية ما بعد الاستقلال. تشابك البراديغمات). في سياق حديثه عن تجربة مجلة “نقد”، أعطى المحاضر نبذة عن أجيال السوسيولوجيا، حيث تناول موضوع التعليم والبحث في التاريخ في جامعة الجزائر في حقبة ما بعد الاستقلال.

مع صدور العدد 40 “الفساد كنسق للحكم”، بتاريخ ربيع وصيف 2022، يكون قد مر على وجود مجلة نقد للدراسات والنقد الاجتماعي  30 عامًا.

وكما دأبت منذ إصدارها الأول الذي يرجع تاريخه إلى ديسمبر 1991، سعى فريق تحرير المجلة إلى الرد على أسئلة المجتمع من خلال تفكيك الخطابات الدوغمائية ومن خلال النظرة الناقدة إلى كل شيء سعى إلى طمس الضمائر ومنع الولوج إلى المعرفة.

جمعت المجلة، يقول الأستاذ جربال، المؤرخين وعلماء الاجتماع والاقتصاديين والفلاسفة والأنثروبولوجيين واللغويين وعلماء النفس والأطباء وعلماء السياسة وعلماء الديموغرافيا… يواجهون أبحاثهم بالتجارب الفكرية التي تجري على النطاق المغاربي والعربي والإفريقي وأمريكا اللاتينية وبالجنوب بشكل عام. هذه هي الطريقة التي أعطى بها هؤلاء الأكاديميون الحياة للمجلة، التي تضع نفسها بحزم في إطار من التأملات النقدية والتحليلات الملموسة، والصرامة العلمية والالتزام الفكري بفك الرموز، في التطبيق الاجتماعي وفي ما ينشأ مرة أخرى ، فرص مجتمع ديمقراطي.

المداخلة الثالثة، أطرها الباحث محمد نحاس محيي الدين في موضوع: (تطور مفهوم القانون “Droit” في الجزائر، منذ منتصف القرن التاسع عشر وتأثيراته على تهيئة المعايير القانونية).

في مقاربة كرونولوجية مختصرة قدم المحاضر قراءة للوضع التشريعي في الجزائر منذ الحقبة الماقبل-كولونيالية إلى اليوم، مرورا بالعهد الفرنسي.

وأبرز المحاضر في مداخلته التدبير القانوني الديني للمجتمع الجزائري في العهد العثماني وحدود التمايز والتداخل بين الفقه والأعراف. وبعد أن بسطت فرنسا نفوذها على الجزائر تعهدت باحترام الدين الإسلامي، غير أن هذا البند خلق مشكلا على مستوى التأويل من حيث أن الدين في الثقافة الجزائرية هو القانون نفسه ولاسيما في الأحوال المدنية، أي في المجال الأسري المرتبط بالمرأة من زواج وطلاق وإرث.

وخلص الأستاذ محيي الدين إلى أن الجزائر المستقلة تبنت القانون الفرنسي ونجحت، أكثر من فرنسا، في تطبيعه داخل الوسط الجزائري بالرغم من مقاومة الإسلاميين ضد القانون المدني المتعلق بقانون الأسرة.

أما المداخلتين الرابعة والخامسة فقد أطرها على التوالي الأستاذ محمد كروّ (من تونس) جاءت حول عدم التواصل المغاربي  في مجال كتابة المذكرات واليوميات (Journal)، وسرد نماذج من اليوميات من ضمنها كتاب آني آرنو الفائزة مؤخرا بجائزة نوبل، يتعلق الأمر بكتاب (Journal du dehors)، حيث أن مثل هذه الأعمال، كما هو حال آني آرنو تتسم بمنحى منهجي سوسيولوجي يحاول العثور على ذاكرة الذاكرة الجماعية في ذاكرة فردية، وهو ما نفتقده في الوسط المغاربي. بينما أطّر عالم الاقتصاد أحمد بويعقوب مداخلة تحت عنوان: (العلوم الاقتصادية: أي تطور في التعليم وفي البحث؟) تطرق خلالها إلى المفاهيم ذات الصلة بالاقتصاد (العلوم الاقتصادية، التسيير، المالية والمحاسبة…)، وإلى الإكراهات وحالة القصور التي يعاني منها الوسط الأكاديمي السوسيولوجي.

https://anbaaexpress.ma/4tep0

سعيد هادف

شاعر جزائري وباحث في الشأن المغاربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى