آراءسياسة

جحا في عالم السياسة..

إدعى جحا يوما الولاية فسأله السامعون عن كرامته؟ فقال كرامتي أني أعلم ما في قلوبكم؟ وعندما سألوه عما في قلوبهم قال: كلكم يعلم أني كذاب.

وهذه النكتة تصلح لعالم السياسة اليوم وما يصرح به السياسيون، فالأمريكيون بحثوا عن أسلحة الدمار الشامل في العراق وهم يعلمون علم اليقين أنها كذبة بحجم جبل مايوازي حجم أمريكا.

ومارتن أنديك صرح في مؤتمر دولي بأن هدف أمريكا هو بناء الديموقراطية في العراق، والعراق انزلق كل يوم أكثر باتجاه الفوضى، والهدم أسهل من البناء بما لا يقارن، ولبرما وصل العراق الآن إلى قريب ما حل بالصومال بعد موت التعيس زياد بري، وهو أمر تنبأ به سياسي أمريكي قبل حدوثه فقال بأن الأمريكيين قد يستقبلون بالترحاب أولاً وقد يستمر هذا 48 ساعة أو 48 يوما ولكن بعد انقضاء الأجل سوف يحيي العراقيون الأمريكيين بالرصاص.

وإذا كانت الفترة بين دخول البريطانيين بغداد عام 1917 أخذت ثلاث سنوات قبل انفجار ثورة عام 1920 فكانت في العراق أقصر. ولكن مشكلة العراق أنه لم يتحرر، بل أضاف فوق المرض مرضا وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم، مثل مريض السرطان الذي أضاف فوق المريض الخبيث  التهاب رئة حاد.

ومن يظن أن صدام أصبح للذكرى السيئة فهو لم يخرج بعد من قلوب العراقيين كما حدث مع بني إسرائيل الذين أشربوا في قلوبهم العجل.

وكما نعلم فقد استمر حمل الجثث الأمريكية في نعوش لتنسحب أمريكا ويتناحر العراقيون عشرين سنة أخرى حتى لا يبق حجر على حجر، وكما بدأنا أول خلق نعيده.

وكما بني العراق كله خطأ فوق الخطأ فسوف يعاد ترميمه حجرا حجرا عندما  يمل العراقيون من الاقتتال، وربما يبدأوون بعد ثلاثين سنة في بناء بلدهم.

واليوم في أفغانستان طار قرضاي من الأنقاض والحجارة وشيئ من سدر قليل، ولكن كما يقول المثل البدوي يا حبذا الإمارة ولو على الحجارة، ولربما كان يحلم أن يورث الملك من بعده لابنه، لا ندري فهي فرصته وقد شق الطريق إلى ذلك الثوريون في العالم العربي فلماذا يحرم نفسه من هذه العبقرية العربية.

وفي اللقاء السياسي الذي حضره جهابذة السياسة  وبثته محطة بي بي سي البريطانية، تأملت أقوال الحضور وليس من عادتي الإصغاء للسياسيين فلا جدوى من حديثهم، ولكنني تذكرت جحا فالرجل كان نصف أبله نصف حكيم يعتلي ظهر حماره وفوق رأسه عمامة كبيرة، يقول ما لا يعنيه ويعني ما لا يقول كان في الواقع يقوم بتوزيع منشورات سرية خطيرة ويقول للسياسيين أنا الكذاب وليس أنتم؟.

وعندما أسمع من السياسيين أن دولة فلسطينية ديموقراطية سوف تقام أضحك، وعندما أسمع أن أمريكا سوف ترسي دعائم الديموقراطية في الشرق الأوسط، أضحك في الوقت الذي أسمع أخبار الاعتقالات في الأنظمة الثورية بتوصية من أمريكا، وإغلاق آخر صحيفة تنطق نصف الحقيقة على خوف من فرعون وملئه كانت تغرغر في سكرات الموت والمخابرات باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم؟  وكما قال بعض الحاضرين في المؤتمر لقد أصبحت دعوى محاربة الإرهاب فرصة جيدة لفرض الإرهاب.

وعندما سئل مسؤولاً مهما عن جامعة الدول العربية هل ستأخذ الدول العربية بالتوصية في تبني الديموقراطية، قال نعم لأن الوضع خطير ولا يتحمل أكثر؟ وأنا أضحك لجهل السياسيين بأبسط  قوانين علم الاجتماع، ويعجبني  إبن خلدون فالرجل كان ينظر ليس بشكل طوباوي بل إلى القوانين المحركة في علم الاجتماع.

والديموقراطية رصيدها وعي الناس أكثر من صناديق الانتخابات، واليوم تجرى إنتخابات في العالم العربي بصناديق وهمية والكل يصوِّت بنعم، وهو يعرف أنها مسرحية للكذابين.

وصدام نال في انتخابات الخريف عام 2002م مائة بالمائة في نكتة تثير القرف، في عالم ينهدم تدريجيا وينحدر إلى الظلمات حتى إنتهى بالصدمة والمشنقة؟.

إنه لا يمكن لأي قوة في العالم أن تزرع الديموقراطية ما لم توجد التربة لذلك، وهي فكرة إنقلابية في علم الاجتماع تشبه انقلابية فكرة كوبرنيكوس حول دوران الشمس والأرض.

فالكل يعتقد جازما أن الحكومة تفعل كل شيء بما يعطيها صفة إلهية والقرآن يفيد عكس ذلك أن التغيير بيد البشر قبل الله، وإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.

وهو تصور يصيب الإنسان بالدوار بأن الحكومة لا تزيد عن كوكب يدور حول شمس الأمة، وأن الكارثة ثقافية وأن أصل الاستبداد ديني فمن يناقش أي قضية يجب عليه مواجهة الله شخصياً.

وفي يوم كان المشركون يرددون نفس المقولة: لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا؟ إن تتبعون إلا الظن وإن أنتم إلا تخرصون؟.

وتخرصون تعني تكذبون أشد الكذب بأشد من كذبة جحا في إدعائه الولاية؟.

https://anbaaexpress.ma/mlztt

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى