مع ابتعاد تونس عن الديمقراطية في ظل حكم قيس سعيد تجنب الناخبون الانتخابات، إذ أعلنت الهيئة المستقلة للانتخابات، أن نسبة المشاركة النهائية في الدورة الأولى من الانتخابات النيابية كانت في حدود 11,22%، وهو أضعف رقم يسجل منذ أن انطلق مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد إثر ثورة 2011 التي أطاحت بنظام الرئيس زين العابدين بن علي.
وقد جرت الانتخابات في سياق سياسي مشحون وفي ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية فوفقا للمعهد الوطني للإحصاء في البلاد ، يقترب التضخم حاليا من 10٪ ، وهو رقم قياسي.
أدت جائحة كوفيد-19 وعواقب حرب روسيا في أوكرانيا إلى زيادات هائلة في أسعار القمح والواردات الأخرى.
في أول انتخابات منذ أن نظم الرئيس قيس سعيد عملية استيلاء كاسحة على السلطة في عام 2021، وتبعات ذلك من تعليق البرلمان وتهميش الأحزاب السياسية.
في الوقت الذي تنجرف فيه تونس أكثر فأكثر من تجربتها التي دامت عقدا من الزمن مع الديمقراطية، يقول المعارضون إن الرئيس يعتمد الآن على الانتخابات فقط لإضافة بريق من الشرعية إلى أفعاله.
وجاءت الانتخابات بعد أيام فقط من القمة الأفريقية-الأمريكية حيث استضاف الرئيس بايدن قادة من جميع أنحاء أفريقيا في واشنطن لإعلان التزام الولايات المتحدة تجاه القارة والتعبير عن دعمه للديمقراطية.
حضر قيس سعيد القمة ورفض بشدة الانتقادات الأمريكية لاستيلائه على السلطة في اجتماع مع هيئة تحرير صحيفة واشنطن بوست. وألقى باللوم على “الأخبار المزيفة” في خلق شعور بأنه مستبد واتهم “قوى أجنبية” مجهولة الهوية بدعم خصومه السياسيين.
غير أن نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية في 17 ديسمبر، أثبت عكس ذلك إذ سجلت إقبالا هزيلا على التصويت، ويمثل فشلا ذريعا لخطة قيس سعيّد السياسية والمؤسساتية، لا سيما وأن هذا الاستحقاق يعتبر الخطوة الأخيرة من أجل إرساء ما يسميه بالـ”جمهورية الجديدة”.لكن في نهاية الأسبوع المنصرم ، بعث التونسيون برسالة واضحة إلى سعيد ، أنهم لم يعودوا مستعدين لمساعدته في إضفاء الشرعية على نظامه الاستبدادي.
من جهتها، دعت قوى معارضة على غرار “جبهة الخلاص الوطني” والحزب الدستوري الحر قيس سعيّد للاستقالة وإلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة.
فقد أدى تواضع عدد المرشحين وغياب القوائم الحزبية عن السباق، وترشح شخصيات مغمورة لم يعرف عنها أي انخراط في العمل السياسي والشأن العام، إلى غياب تام للتجمعات والمهرجانات الانتخابية التي اعتاد التونسيون عليها في كل الاستحقاقات الانتخابية منذ الثورة ، وإلى الاقتصار على عدد محدود من الملصقات الدعائية وعلى كلمات المرشحين التي بثها التلفزيون الرسمي.
لا شك أن هذا التراجع لتونس في مسألة الديمقراطية يعود إلى ما أقدم عليه الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو من تقويض للمؤسسات المنتخبة، والاستيلاء على كل السلطات والصلاحيات بين يديه ، وإدارة البلاد عبر المراسيم، وتكريس لنظام رئاسي مطلق الصلاحيات. في سابقة لم تحدث في تونس منذ حصولها على الاستقلال.
كانت الانتخابات هي الخطوة الأولى في إعادة البرلمان، ولكن مع سلطات مخفضة بشكل كبير من شأنها أن تحوله أساسا إلى هيئة استشارية، لا يمكنها إقالة الحكومة أو إقالة الرئيس، ومشاريع القوانين التي يقدمها سعيد ستكون لها الأولوية على تلك التي يقترحها المشرعون.
لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن ينظر إلى رفض معظم التونسيين المشاركة في الانتخابات على أنه لامبالاة من الناخبين. فلم يكن لديهم حماس لهذا التصويت لأنهم كانوا يعرفون منذ البداية أن نتائجه لن تساعد في تحسين الظروف الاقتصادية والاجتماعية الخطيرة التي يعيشون فيها.ولأن الانتخابات لن تؤدي لنزع فتيل التوترات التي من المرجح أن تؤدي إلى سقوط نظام الرئيس قيس سعيد.
تعليق واحد