الشرق الأوسطسياسة

تحليل.. التقارب السعودي الصيني نحو عهد جديد من التحالفات

تجسّد زيارة الرئيس الصيني شي جينبينغ للمملكة السعودية  خارطة تعاون أوسع ومنعطفا تاريخيا للمنطقة، وملامح تحالف تكسر التحالف التقليدي السعودي الأميركي لكنها لن تشكل بالضرورة قطيعة بين الرياض والولايات المتحدة الأمريكية، رغم حالة التوتر التي تشوب العلاقة بين البلدين بشأن قضايا تتراوح من سياسة الطاقة إلى الأمن الإقليمي وحقوق الإنسان.

وتأتي الزيارة في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم كله إلى المنطقة، لما تمثله من أهمية استراتيجية آخذة في الازدياد، وخاصة بعد الحرب الأوكرانية وازدياد حاجة العالم إلى نفط المنطقة.

تسعى السعودية الاستفادة من التغير الحاصل في العلاقات الدولية ، للفوز بتسليح ودعم أمن المملكة ، وتنويع الشركاء الدوليين بما يخدم تلك المصالح خاصة بعد أن أظهرت الولايات المتحدة استجابة ضعيفة لاحتياجات السعودية الأمنية والعسكرية في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها، الأمر الذي سيفتح الباب أمام الصين وروسيا لنشر ثقلهما في المنطقة وتنسيق مواقفهما ضد واشنطن، ما سيجعل أميركا لاعبا غير مؤثر أو خارج لعبة الشرق الأوسط.

غير أن الولايات المتحدة “لن تتخلى” عن الشرق الأوسط، حيث تلعب منذ عقود دوراً سياسياً وعسكرياً محورياً، ولن تسمح بوجود فراغ تملأه قوى أخرى، مثل الصين وروسيا وإيران.

وتنظر السعودية إلى زيارة الرئيس الصيني للمملكة فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية وأمنية، في خضم خطة يقودها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تأخذ في الاعتبار مبدأ تعزيز المصالح وتوسيع تحالفاتها الدولية بما يتجاوز شراكتها القائمة منذ فترة طويلة مع الغرب. وتشكل بكين أهمية استراتيجية لتحقيق ذلك إذ اعتبرها ولي العهد السعودي شريكا مهما في أجندة رؤيته الشاملة “رؤية 2030″، حيث يسعى إلى مشاركة الشركات الصينية في مشاريع طموحة عملاقة تهدف إلى تنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط.

بكين تدرك أهمية التعاون مع دول المنطقة خاصة السعودية، والفرص الاقتصادية والاستثمارية الموجودة فيها، لكنها تدرك أيضاً حجم المخاطر والتحديات الموجودة في تلك المنطقة (المخاوف الأمنية بشأن إيران).

وهي لن تتردد في لعب دور الوساطة وتقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع في المنطقة إذا ما طلب منها ذلك، وطالما أن ذلك هو المعيار الوحيد الكفيل بخلق بيئة استثمارية آمنة.

مما يعني انخراط الصين في عدد من القضايا التي تمسّ أمن المنطقة، والتي يمكن لبكين لعب دور بارز فيها، خاصة وأنها الدولة الأكثر قبولاً ربما من قبل جميع الأطراف

من هنا، فإن بكين وبالرغم من تركيزها على الجانبين الاقتصادي والتجاري، ومع عدم رغبتها في الخوض في الملفات الخلافية لدول المنطقة، لكنها باتت مضطرة إلى فعل ذلك حماية لمصالحها التجارية والاقتصادية، التي ستبقى مهددة إذا لم تكن هناك مظلة سياسية وأمنية وعسكرية تحميها.

بكين تحرص على التأكيد دوماً أنها لا تسعى لأخذ مكان أحد، ولا تريد أخذ دور الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، ولديها حساسية كبيرة من موضوع التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وهو ما لا تقبله بالنسبة إلى وضعها الداخلي، كما تركز عليه وتنتهجه في سياستها الخارجية.

لذا، فإن هذا الأمر سيشكل عامل طمأنينة لدول المنطقة التي باتت تدرك المكانة المستقبلية للصين، وضرورة التعاون معها.

https://anbaaexpress.ma/bnsb1

محسن المساوي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى