آراءرياضة

المغرب ونسخة مونديال قطر 22: عبر ودروس

بقلم : عبد المجيد بن شاوية/ كاتب مغربي

بداية، لا أخفي موقفا حقيقة كنت أقفه في شقه العام حين تجرى أي مقابلة كروية سابقا تخص أطوار الكرة المستديرة في قسم كبير من مجرياتها على أرض الملاعب، هنا وهناك، تأسيسا على خلفية متشابكة في معطياتها.

أما في شقه الخاص، فقد كنت أمتعض من تقاسم الجماهير الكروية المغربية وغيرها من بني جلدتنا مشاهدة فرق يملأ صخبها بنجومها فضاءات عمومية وخاصة، وحضورها المكثف على ألسنة الجماهير، فرادى وجماعات، كما هو الحال للفرق الكروية الإسبانية وغيرها.

وحال لساني ينطق بما يجب أن يكون على أرضنا بملاعبنا نحن بدل التعلق بتلك الصور الفر جوية الجميلة التي تذهل في كيفيات لعبها وفرجويتها الممتعة وبحضور جماهيرها بشكل منظم ومحكم، إلى حد الاستلاب بكل أشكاله، حيث يجب المطالبة بإلحاح بإيجادها على ساحات عشبنا بداخل هذا الوطن، والسير قدما في مجال سياساتنا الرياضية على اختلاف خاناتها، ولنقف عند حدود الموقف مع التأمل والدروس والعبر المستخلصة في هذه الورقة المتواضعة، من وراء إنجازات منتخبنا الوطني المغربي في نسخة قطر 22.

موقف وتأمل وأسئلة:

حدث أن شاهدت أولى المقابلات الكروية لمنتخبنا الوطني المغربي بمونديال قطر 22 ضد منتخب كرواتيا وصيف النسخة السابقة 2018، والإجماع القائم هو أن منتخب المغرب وجد في مجموعة الموت كما يشار إلى وضعية وجود المنتخبات في المنافسات الكروية الدولية ضمن المجموعات القوية.

وذلك لعدة اعتبارات تتعلق بالعديد من المعطيات الممكن توفرها لدى منتخب ما مقارنة بمنتخبات أخرى، لأقف على مشاهد غير التي كانت بمخيلتي سابقا، شعرت حينها أن المغرب لديه منتخب من طراز رفيع المستوى، له من الإمكانيات والجاهزية والقدرات التي تضاهي كبار المنتخبات العالمية.

وبالفعل حصل ما حصل، فأصبح منتخب المغرب في هذه النسخة حديث القاصي والداني، حتى كبار المتخصصين في المجال والمهتمين لا تمر لحظة إلا وذكر منتخب المغرب على ألسنتهم بمختلف اللغات بما لم يكن معهودا في تاريخ الكرة المغربية والعربية والإفريقية والإسلامية.

ليس فهذا فحسب، بل أن المنتخب المغربي عد إيقونة فريدة في عالم الكرة عالميا في نسخة قطر 22، ونال بذلك وسام الشرف والتكريم من قبل كل الجماهير والأوطان شرقا وغربا في كل بقاع المعمورة، بحضوره المتميز والمثير للغاية، فتناسلت الهتافات والكلمات والجمل والقراءات إشادة بما قدمه من عروض كروية فرجوية ونتائج مرضية في كل مبارياته ضد كل المنتخبات المتبارية معه على أرضية الملاعب القطرية، بروح قتالية وجاهزية قل نظيرها في هذه النسخة بالذات، وفنية كروية بلمسات ومهارات ضاهت كل فعاليات نجوم الكرة عالميا.

هكذا كان موقفي ولازال يترقب ما ستجري به أقدار السياسة مستقبلا في مجال لعبة كرة القدم في ارتباطها بسياساتنا العمومية المتشابكة، بعد الإنجازات التي حققها منتخبنا الوطني في مونديال نسخة قطر 22، وما كان قد تحصل في هذه النسخة العالمية، هو بمثابة خارطة طريق للمزيد من الاجتهاد والعطاء، ومسايرة النفس الطويل الذي أسس له بالتزامات مبدئية وقيمية وروحانية وحضارية، لتلزم كل الأطراف المعنية، رسميا وجماهيريا، سياسيا ومدنيا.

ففي هذا الإطار لا يمكننا أن نفصل ما جادت به هذه اللحظة وما زخرت به من معطيات خصت حقلا بذاته ليتم نشدانها في مجالات أخرى من حياتنا عموما، والعمل على ضوئها لما كان لها من آثار بليغة ونتائج عظيمة في ما وصلت إليه مسيرة منتخبنا الوطني في هذه التظاهرة العالمية، نسخة مونديال قطر 22.

لكن ما الذي جرى في نسخة مونديال قطر 22 بحضور المنتخب الوطني المغربي لخوض مباريات كرة القدم في كأس العالم الذهبية؟ ماذا كنا ننتظر منه أن ينجز في هذه التظاهرة العالمية التي شدت الأنظار عالميا في دولة قطر، التي أقامت الدنيا وأقعدتها بقدرتها على إنجاح هذه التظاهرة؟.

ألم يكن، حقا، المنتخب المغربي لكرة القدم في هذه التظاهرة عريسها المتوج بإنجازاته الكروية وحضوره القوي في مجريات مقابلاته الكروية التي خاضها ضد منتخبات كروية عتيدة، ليبلغ المربع الذهبي في هذه المنافسة الكروية العالمية، مما كان له أكبر الأثر على إثارة الأنظار وشد الانتباه إليه من قبل كل الجماهير العالمية على اختلاف انتماءاتها الإنسية والأممية والحضارية؟.

كل هذه الأسئلة وغيرها من نافل الطرح التساؤلي الذي يوجهنا لطرح سؤال أهم وأجدر بنا أن نطرحه وأن نتساءل على ضوء ما حققه المنتخب الوطني المغربي لكرة القدم في منافسات هذه الكأس العالمية.

والسؤال الجوهري هو من خلال استنتاجاتنا على خلفية متابعاتنا في مجملها لتفاعلات المنتخب الوطني المغربي بكل مكوناته، خطابا وسلوكيا، نفسيا واجتماعيا، قيميا ومؤسساتيا، ثقافيا وحضاريا، والسؤال الجوهري والهام جدا استنتاجا واستخلاصا ألا وهو : هل يمكننا نقل عوامل نجاح وإنجازات منتخبنا الكروي المغربي من حقلها الخاص، من حقل لعبة كرة القدم، إلى كل حقول الاجتماع بمختلف مكوناتها ومستوياتها، سياسة، اجتماع، إدارة، عدل، إقتصاد، ثقافة، تعليم، صحة..؟

هل يمكننا حمل روح كل القيم المادية والرمزية التي أبان عنها منتخبنا الوطني إلى كل حقول مجتمعنا المغربي ونشدان الآمال العريضة في التقدم والرقي الحضاري والتاريخي وتحقيق كل المتطلبات التي لطالما ما فتئنا نحلم بها ونطمح إلى بلوغها؟.

صحيح أن لعبة كرة القدم مجرد لعبة تتقاذفها الأرجل فوق أعشاب مساحات مستطيلة، لاعبون يركضون ويجرون يمينا ويسارا، ذهابا وإيابا، بفنية وخفة وسرعة وفطنة وذكاء، مع استحضار الموهبة والكفاءة، في إدارة عمليات اللعب والتحكم في مسارات المقابلات على أرضية الملاعب، لكن هذا لا يمنع أننا أمام خطط تكتيكية في أفق إستراتيجية الفوز والانتصار على الخصم، وبالتالي ربح رهان المنافسة على أرضية الملعب، حتى أننا نخال أنفسنا أمام معركة فيها كر وفر بين محاربين على ساحة الوغى، كل فريق منهم يحسب ألف حساب ويترصد ويتصيد الفرص لتحقيق الانتصار النهائي على الآخر.

العبر والدروس:

بعد كل ما حصل وتأمل مجرياته وتفاعلاته ما الذي يمكننا استخلاصه من هذه التجربة الفريدة من نوعها في تاريخ الكرة المغربية في علاقاتها بكل حقولنا بداخل وطننا المغرب؟ لا شك أننا وقفنا عند حدود ما أوصل منتخبنا الوطني إلى درجات النجاح والتألق في هذه المنافسة الكروية العالمية، بناء على كل المعطيات في كل مستوياتها، التي شكلت مفاتيح هذا التألق العالمي.

تجلت في ما عاهد عليه كل عناصر منتخبنا لإنجازه فعليا، وكذلك كان، وبذلك أمكننا أن نقول ونؤكد أن أي نجاح يفترض بدء صدق النية والإيمان، الإرادة والعزم، التضحية والبذل، الطموح والأمل، الرغبة والحلم، الاتحاد والحزم، الروح الوطنية وإثبات الذات ومشروعية أحقية الانتماء، تفعيل قانون الجذب الإيجابي في علاقاته بقيمتي الحب والرضى عن كل مجهود.

أخلاقيات عالية تقديرا للمسؤوليات والالتزامات، نكران الذات ونبذ الروح الفر دانية، إعلاء قيم الروابط الجماعية.. ” ليس من شك في أن الأخلاق تتغير بتغير الأزمنة والشعوب، وليس من شك أيضا في أن الأخلاق ثابتة بالقياس إلى شعب بعينه في زمن بعينه، وإذا كانت الأخلاق مقياس الحضارة والقوة فليس من نزاع في أنها إذا تزعزعت أو انهار بناؤها فقد فسدت الحضارة وانحلت القوة وتعرض وجود الشعب للخطر.. ” تعليم الأخلاق، الفصل الثالث، روح التربية، غوستاف لوبون، ترجمة أحمد فتحي زغلول.

بهكذا أخلاق وقيم روحية ونفسية وثقافية وحضارية وغيرها كان نجاح عناصر منتخبنا الوطني في هذه التظاهرة الكروية العالمية، فأسفرت عن إنجازات لم يسبق لها أحد في مثل وضعيتها وانتماءاتها الجغرافية والإنسية، ورسمت صورا جميلة ورائعة أينما وليت الوجوه تجدها أمام أعينها وعلى مسامعها تتردد الكلمات والجمل والهتافات.

فأسعدت كل الجماهير المغربية والمغاربية والعربية والإسلامية وكل المشاهدين في كل بقاع العالم، لقد كانت نخبتنا الكروية الوطنية في أبهى صورها وأزهى حللها في نسخة مونديال قطر 22، أعطت دروسا بليغة في كل شيء، اعتبارا للقيم المتمثلة في قيم البذل والعطاء ونكران الذات والتضحية والقيم الأسرية والعلاقات الاجتماعية ونشدان الأمل والطموح والارتقاء الحضاري، معلنة نحن أمة وتاريخ وحضارة، قادرة على تحقيق المكتسبات والتطلعات في ميدان كهذا وغيره.

ألا يحق لنا نحن المغاربة أن نحمل هذه القيم محمل الجد استخلاصا مما جادت به قرائح وإرادات وعقول عناصر المنتخب الوطني المغربي وهو ينازل المنتخبات العتيدة في هذه التظاهرة العالمية في نسخة قطر 22، وإسقاطها على كل حقول مجتمعنا المغربي، سياسيا، اجتماعيا، ثقافيا، إداريا، اقتصاديا، قضائيا … ؟ فالناخب الوطني، قائد أسود الأطلس وليد الركراكي اختزل النجاح والتألق بلغة دارجة بسيطة – أثناء لقاءاته الإعلامية – في كلمات مفاتيح تدور عليها رحى التنمية البشرية والارتقاء الحضاري في كل مجال من مجالات الحياة الفردية والجماعية والأممية، إنها الكلمات المفاتيح التي يجتهد فيها جهابذة الفكر التنموي والعلمي والثقافي، وكل المتخصصين في مجالات العلوم الإنسانية، النفسية و الإجتماعية و الإقتصادية..

فكنا أمام لحظة فرجوية جادت فيها قريحة إنسان مغربي متواضع ليعطي الدروس البليغة للمزيد من تمثل التقدم والرقي الحضاريين والكمال القيمي والفضائلي لأجل تحقيق الذات سواء الفردية أو الجماعية أو الأممية، جعلنا نعيد طرح ملف دفتر تحمل الاعتبار لذواتنا انطلاقا من مجاله الخاص في شق من أنشطة الكائن الإنساني بغية تمثله في الآفاق في مجالاتنا العلمية والفكرية والفلسفية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية، مادام أن الإيمان القوي والعمل الجاد..

كل هذا وغيره مما تناولته هذه الورقة، يشكل قيما بذاتها تخلق الإبداع والمزيد من التطور والتقدم، الإرادة سيدة الأفراد والشعوب فلتكن غاية التربية تقويتها لا إضعافها وليست الصعوبة في كسب الإرادة المؤقتة بل في كسب الإرادة المستمرة، ولا تورث الإرادة القوية النفوس يأسا وقنوطا، فبها ينسف الإنسان الجبال ويبتدع كل شيء.

وإذا كان التاريخ الحديث يدلنا على أمم ترتفع وأمم تقف، وأخرى تنحط فإن إنعام النظر يدلنا على أن ذلك كله ناشئ عن تفاوت في إرادة تلك الأمم، سيكولوجية السياسة، غوستاف لوبون، ترجمة عادل زعيتر.

ختاما:

ما كان لنا أن نتحدث ونهتف بالروح الوطنية وبكل القيم الواجبة الوجود في ساحات ومجالات وطننا هذا، لولا حضور منتخبنا الكروي الوطني في هذا التظاهرة الكروية العالمية في قطر 22، بعطاءاته وإنجازاته وهو ينازل أقوى المنتخبات الكروية العتيدة.

ونجدد طرح ملف تطلعاتنا بناء على ما أسس له من قيم روحية وثقافية واجتماعية ونفسية وروحانية وحضارية، للعمل بها في كل حيواتنا الخاصة والعامة، ومن ثمة بلوغ درجات الرقي الحضاري المأمولة.

وما كان لنا إطلاقا أن نذكر على ألسنة كل اللغات ونحتل صفحات الأولى للإعلام بكل أشكاله وتلاوينه وكل المواقع الاجتماعية، لولا اجتهاد نخبتنا الكروية الوطنية في هذا المعترك الرياضي العالمي، مما حذا بنا للوقوف على حقائق بعينها، ولم يكن حضورها ومشاركتها التنافسية في هذه التظاهرة مجرد عروض فرجوية عابرة دون استخلاص الدروس والعبر.

https://anbaaexpress.ma/jnsn9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى