آراءسياسة

العلاقات المغربية الجزائرية.. الكراهية و الإنبهار

إنه لمن الصعب كثيرا تفكيك العلاقة بين المغرب و الجزائر و لكن من السهل الاطلاع على حيثياتها.

التفكيك لا يعني الاطلاع بل هو أعمق منه، و السائد هو الاطلاع الذي يقود إلى المسايرة، بينما التفكيك يقود إلى الفهم العميق الذي يساعد على اتخاذ الموقف الصحيح مما يجري و يسري في خضم الاحداث الاخيرة و التي سبقتها.

في المقالات السابقة تطرقنا الى الميكانيزمات التي تتحكم في هذه العلاقات و محدداتها و تجلياتها، كلها تؤدي إلى نتيجة صافية لا غبار عليها و هي،  لقد لعب الرئيس الجزائري السابق بومدين الدور الكبير و الأساسي في تشكيل هذا النموذج العلائقي.

نعم نقولها و نعيدها لقد تسبب بومدين في تخريب حلم تأسيس المغرب الكبير، بل تسبب إفشال تجربة تأسيس أول دولة على تراب المغرب الاوسط و هو المسؤول عن ما تعانيه الجزائر حاليا و المنطقة ككل.

لقد حول بومدين إنشاء أول دولة مستقلة لشعب المغرب الأوسط كدولة مستقلة قائمة الذات إلى دولة وظيفية. مهمتها الأولى و الأساسية هو الوقوف امام  الإيالة الشريفة كما كانت تسمى أو المملكة المغربية خدمة للاجندات دولية التي توزع الأدوار.

و قد تطرقنا في ما سبق إلى دوره في إعادة الموقع و توظيف أفراد كتيبة لاكوست، و تعيينهم في مهمات في مفاصل الدولة الجزائرية الوليدة، و بالتالي إعادة خدام الاستعمار الفرنسي للتحكم في مقاليد الحكم و هذا ما ملاحظه حاليا.

و عندما نقول خدام فرنسا فإننا نستحضر مهامهم و وظيفتهم، ففرنسا هي من أعطت شهادة الميلاد للجزائر و هي من شكلت حدودها الترابية، تراميا على أملاك الغير في المغرب و تونس و ليبيا و مالي و غيرها.

و لهذا فمعاداة البومديانيون الجدد و القدامى للمغرب ليست مبنية على مبدأ تقرير المصير أو الشعارات الفارغة بقدر ما هي مبنية على الحفاظ على الحدود التي شكلها الاستعمار لها من خلال قضم و الترامي على أملاك الغير.

إن مهمة بومدين و ما تبعه من حكام الجزائر، هي بالدرجة الأولى خدمة وظيفة العمالة للاطراف الخارجية و الحفاظ على حدود الدولة الوليدة.

و هذا الحفاظ يجب تفاديه، بالحلول العسكرية عن طريق خلق بؤر للصراع تلعب دور الالهاء و دور الحجرة في النعل للدول المجاورة و منها قضية البوليساريو.

لنرجع الى موضوعنا الاساسي، فالجزائر تماما و شعبا يعانون في علاقتهم مع المغرب من متلازمة الكراهية، و الانبهار، أكرهك لكنني احبك، و تسمى في علم النفس بمتلازمة فلورنسا.

الجزائر حكومة ليس على أجندات مسؤوليها سوى ملف واحد و أوحد يشغل مكان تفكيرها في التقدم بالبلاد تنمويا على جميع المستويات و هو معاداة المغرب.

و لتحقيق ذلك تستعمل كوظيفة و كوسيلة البوليزاريو عصابة تستعين بعصابة، فهي ترى أن وجودها مرتبط بهيمنتها وإضعاف خصمها اللذوذ المغرب.

لكن في المقابل و في خضم بحثها عن تحقيق هدفها هذا إنما تحفر قبره بذاتها، حيث يتوقف لديها التفكير في أدوات التنمية و يغيب عنهم إستغلال الثروات الكبيرة التي تزخر بها بلادهم، كعاشر مساحة في العالم، لديها ثروات تجعلها في مصاف الدول تفوق مثيلاتها الدول البيترولية في الشرق الاوسط.

لكن الواقع يؤكد انها تعاني الويلات و على شفا الانهيار و المجتمع الجزائري يموت غرقا في البحر.

إن سياسات الدولة الجزائرية منذ نشأتها في ستينات القرن الماضي، قد أدت في علاقتها مع المغرب الى الكراهية في الظاهر و الانبهار في الخفي.

و ما انتصارات المغرب الحالية في جميع الميادين سواء في كأس العالم او الانتصارات في التنمية المستدامة و الاقتصادية و السياسية، انما تعكس تلك العلاقة سواء رسميا أو شعبيا.

و الشعب الجزائري بمساعدة وسائل الاتصال الحديثة وصل الى نتيجة مفادها و هي عبارة عن سؤال محوري يؤرق به الساسة في الجزائر، كيف للمغرب أن يحقق هذه الإنجازات و نحن محرومون منها علما أنهم يتوفرون على جميع الامكانيات خصوصا الموارد الطبيعية ؟.

إنه سؤال إشكالي لكن جوابه ليس كذلك، هو ببساطة أن دولة الجزائر فضلت التماهي و الانخراط في الدور الاستعماري المنوط بها.

و كذلك عدم إستعدادها بتسليم السلطة لنخبة مدنية و العمل على أن تبقى الامور كلها في يد العسكر و المخابرات المرتبطة بها، فالعدو الحقيقي للنظام الجزائري ليس المغرب بل هو الشعب الجزائري و هي لا تستعمل عدائها للمغرب سوى كأداة لاستمرارها في الحكم و فرض سيطرتها محليا و إقليميا.

من سوء حظ النظام الجزائري أن عورته قد إنكشفت للشعب الجزائري و للعالم ككل و ما السلوكيات التي يقوم بها مؤخرا، سوى دليل انه لا يمضي سوى في تمديد فترة سيطرته و عمالته لفرنسا و روسيا و غيرها في إطار الصراع الخفي بين أجنحته العسكرية و المخابراتية و السياسية.

و يبقى بالمغرب بالنسبة لهم أنموذجا يحبونه في السر و يكرهونه في الخفاء، و يحاولون ما إستطاعوا تقليد و تصوير جميع خطواته التتموية و يعترفون سرا بتفوقه لكنهم يعبرون جهرا عن تخلفه.

العقلانية هي آخر حل بالنسبة لهم للخروج من الأزمات التي يعيشونها، و هذه العقلانية تقتضي منهم سحب الكراهية المبنية على العاطفة، و اللجوء الى العقل فهذا آخر خيط يتبقى لهم لكي يضمنوا إستمرار دولتهم أما نظامهم فهو الى زوال لا محالة و لا شك في ذلك.

https://anbaaexpress.ma/y4p63

علي بن الطالب

مناضل نقابي و جمعوي سابق و مهتم بالشان الثقافي و السياسي و العلاقات المغربية الجزائرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى