
بعد مرور أكثر من ستين سنة على وفاته، وأكثر من خمسة وثمانين سنة على تأليف أول عمل روائي له – الذي سينتظر أحد عشر سنة ليظهر إلى حيز الوجود 1971 نقترح عليكم تصديرا لرواية “الموت السعيد”، للكاتب والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو؛ كتبته الأستاذة (الجامعية) في الدراسات الفرنسية، المتخصصة في أعمال ألبير كامو ورئيسة جمعية الدراسات الكاموزية سابقا “أنييس سبيكيل”.
عنوان المعرب: من باتريس ميرسو إلى مورسو: رحلة أول تجربة روائية لألبير كامو.
في سنة 1936، كان كامو يبلغ من العمر ثلاثة وعشرون سنة، وكان لايزال يعيش في الجزائر، بعد أن أنهى دراساته الفلسفية.
(لكن داء السل حال دون ولوجه التعليم)، وقد تعددت اهتماماته بين ما هو ثقافي وما هو سياسي.
إذا كان قد تعاطى بشغف للمسرح، حيث كان يزاول كل المهن المرتبطة به، فذلك لم يمنعه من متابعة الكتابة، وذلك منذ ربيعه السابع عشر، حيث سيكتشف بأن الأدب بمستطاعه الخوض في كل شيء.
لقد ألف كامو محاولات مرتبطة مباشرة بتجربته الحياتية في “الشارع الفقير”، (الجزائر) هناك حيث قضى طفولته، وكان يشتغل على مجموعة محاولاته “القفا والوجه” ، التي ستظهر سنة 1937، لكن الكتابة السردية الخيالية كانت قد جذبته بقوة.
كان يداوم على كتابة “مذكرات”، هي في الواقع مختبر أعماله. انطلاقا من هنا، من 1936 إلى 1938، سنشهد تكاثر الإشارات، الخطط، بوادر محاولات، ذات صلة بمشروع روائي، سيظهر إلى حيز الوجود سنة 1937 تحت عنوان: “الموت السعيد”.
خلال سنتين، كان كامو يتحقق، يكتب، يصحح، ليتخلى في الأخير عن مشروعه لصالح (رواية) “الغريب”، التي سيتصورها ابتداء من 1938، سينهيها دفعة واحدة سنة 1940، لينشرها سنة 1942 لدى “كاليمار”: أخذ « Meursault » “الغريب”، حتما، مكان « Patrice Mersault » بطل رواية “الموت السعيد”، التي ستنشر سنة 1971، أي بعد وفاة كامو بسنوات.
تحكي الرواية قصة رجل يطمح، بأي ثمن كان، أن يكون سعيدا؛ الشيء الذي ستحول دونه المعيقات المرتبطة بفقره، ما سيدفعه إلى قتل رجل غني، بغية الاستحواذ على ثروته؛ الجريمة هي في نفس الوقت مثالية ( بحيث إن Mersault، لم يعرها اهتماما)، وبطريقة أو بأخرى، فالجاني بريء، (بحيث إن الضحية كانت تريد أن تموت).
لكن « Mersault، بالنظر إلى مرضه، لن يستفد مطولا من سعادة متهورة: إذ يجب عليه مجابهة السؤال المشكوك فيه، ألا وهو مدى قدرتنا على الموت بوعي وبسعادة في نفس الوقت.
ضمن جزئيها المتناقضين، يمكن اعتبار رواية “الموت السعيد” برهانا حول السؤال- الفلسفي- للسعادة، البرهان الذي ضمنه كامو أفكاره السابقة.
كما وضع ألبير الكثير من تفاصيل شخصه في شخصية بطله: تجربته مع الفقر، علاقته – السعيدة والحزينة- بالنساء، مواجهة المرض، متعة التماهي مع الطبيعة.
يحشد كامو إلى روايته مجموعة من العناصر التي يستمدها من مشاريعه السابقة؛ وهذا ما سيؤدي به إلى مأزق، لأن العمل الروائي يتطلب نوعا من الوحدة. كما أن كامو جد واضح لدرجة أنه لم ينتبه إلى عيوب كتاباته، فقد أغرق نفسه منذ فترة طويلة في أعمال الروائيين الكلاسيكيين الكبار؛ فضلا عن أنه أصبح أيضا ناقدا أدبيا لدى” (جريدة) Alger Républicain” سنة 1938، حيث كان يهتم غالبا بالروايات.
ومع ذلك، تظهر رواية “الموت السعيد” غنية على مجموعة من المستويات. بحيث نصادف من خلالها ومضات متعددة للأسلوب، والرواية تبرهن على التنوع الذي اتصفت به ذخيرة كامو، في تطور واضح مع النصوص السابقة.
كما نرى أن كامو ينسق تيمات، ستتردد كثيرا في أعماله، خصوصا مواجهة الكائن البشري للموت، موت الآخرين، سواء أكان عنيفا أو طبيعيا وموته: فالمرور من Mersaut » ” إلى “Meursault”، يدرج أيضا الموت ضمن لقب البطل. أمر مهم إذن للقارئ أن يتعرف على هذه المرحلة المهمة من مسار كامو، نحو إتقان التأليف الروائي.
إن “الموت الأخير” لا يمثل النسخة الأولى لـ”الغريب”. فـ”كامو” واع بضرورة البدء من الصفر؛ الشيء الذي سيمكنه من إحياء شخصياته. ما حدث كان فقط أنMersault ” سيسلم المشعل لـ “Meursault: في الصفحات الأخيرة من ” الموت السعيد”، يشعر(Mersaul) بأنه أصبح “غريبا”.
فضلا عن ذلك، ، سيتبنى كامو، كما رتب لذلك ضمن “مذكراته”، الدور الذي أراد أن يمنحه لبطله، ألا وهو سرد قصة “محكوم بالإعدام”، مع النفاذ داخل هذا الأخير. هذا وسيكتب رواية “الغريب” بضمير المتكلم. تغير مهم، بالرغم من أن Meursault سيظهر سعيدا في الصفحة الأخيرة. فالشيء الذي بحث عنه طيلة حياته هو الحقيقة أكثر من السعادة.
عند كتابته “أعراس”، بالتزامن مع “الموت السعيد”، فهم كامو، حتما، بأن السعادة والحقيقة لا يمكن فصلهما.
Agnès Spiquel, Préface de La mort heureuse d’Albert Camus, Editions Gallimard, 1971
ترجمة وتعريب: كريم الحدادي
تعليق واحد