أزمة الكاريبي عابرة، فلم يمر سوى أقل من أسبوعين من قرار حصار كوبا إلى بدء تفكيك الصواريخ السوفياتية على الجزيرة. أما الأزمة الحالية فقد مر على بدايتها 7 أشهر ونصف.
يكتب أندريه كورتونوف، المدير العام للمجلس الروسي للشؤون الدولية مقالا في موقع المجلس، يتناول فيه المقارنة بين أزمة الصواريخ الكوبية في الكاريبي عام 1962 وبين الحرب في أوكرانيا بين روسيا والغرب، والتي تهدد بأن تتدهور إلى حرب نووية، ويرصد أوجه الاختلاف والتشابه بين الأزمتين:
فيما يلي نص المقال كاملاً منقولاً إلى العربية:
أصبح من المألوف اليوم ملاحظة أوجه التشابه بين الوضع الحالي للعلاقات الروسية الأميركية والأزمة الكاريبية الشهيرة عام 1962، علاوة على ذلك، مرت منذ فترة بسيطة الذكرى الستين لهذه الأزمة، عندما اتخذت إدارة جون كينيدي قرارها بفرض الحصار على كوبا مساء يوم 20 تشرين الأول/أكتوبر، وبعد ذلك دخلت الأزمة مرحلة حادة.
على الرغم من التشابه الواضح بين حلقتي المواجهة العسكرية السياسية بين موسكو وواشنطن، إلا أن هناك عدة اختلافات جوهرية بينهما، والتي تظهر بوضوح الخطر غير المسبوق للوضع الحالي، حتى بالمقارنة مع الأحداث الدرامية في أوائل الستينيات من القرن الماضي، دعنا نسرد بعض منها:
أولاً: كانت أزمة الكاريبي عابرة – فلم يمر سوى أقل من أسبوعين من قرار حصار كوبا إلى بدء تفكيك الصواريخ السوفياتية على الجزيرة، أما الأزمة الحالية فقد مر على بدايتها 7 أشهر ونصف، وأصبحت لفترة طويلة جزءاً لا يتجزأ من “الحياة اليومية الجيوسياسية الجديدة”.
ثانياً: كانت أزمة الصواريخ الكوبية أزمة نووية خالصة. في الواقع، كان الخلاف بين القوتين العظميين حول قضية واحدة محددة – سحب الاتحاد السوفياتي لصواريخ R-12 من كوبا، مقابل تخلي الولايات المتحدة عن محاولات الإطاحة بنظام فيدل كاسترو، وكان الشرط الإضافي، الذي أصرت عليه موسكو، هو سحب صواريخ “يوبيتر” الأميركية من الأراضي التركية.
أما الأزمة الحالية فلا تقتصر على المجال النووي، بل تتفاقم بسبب أن الولايات المتحدة شاركت منذ فترة طويلة وبشكل غير مباشر في صراع عسكري واسع النطاق مع روسيا في القارة الأوروبية، موفرة دعماً عسكرياً وتقنياً واستخباراتياً واقتصادياً شاملاً لأوكرانيا.
ثالثاً: بالنسبة لكلا الجانبين، فإن المخاطر جراء الأزمة الحالية أعلى مما كانت عليه قبل 60 عاماً، كان لكوبا، بطبيعة الحال، أهمية رمزية وعملية كبيرة لكل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، لكن مصير أوكرانيا يعتبر أكثر أهمية لكل من الكرملين والبيت الأبيض، إن هزيمة موسكو بشكل لا لبس فيه من شأنه أن يعرض للخطر ليس فقط مصير القيادة الحالية للاتحاد الروسي، ولكن أيضاً مستقبل الدولة الروسية على هذا النحو.
أما هزيمة الولايات المتحدة فقد يؤدي إلى انهيار حلف الناتو، ووضع حد لمحاولات استعادة الدور القيادي المهزوز للولايات المتحدة في السياسة العالمية، وضمان تغيير السلطة في الانتخابات الرئاسية لعام 2024.
رابعاً: يختلف هيكل ترسانات الصواريخ النووية التي تمتلكها موسكو وواشنطن اليوم اختلافاً جوهرياً عن كل ما كانت تحت تصرفهما في عام 1962، على سبيل المثال، في أوائل الستينيات لم تكن هناك أنظمة حديثة عالية الدقة، وكانت الرؤوس الحربية النووية الصغيرة والصغيرة جداً لا تزال قيد التطوير، ووفقاً لذلك، تم رسم الخط الفاصل بين الحرب النووية والحرب التقليدية بوضوح كامل.
أما اليوم، فيبدو أن هذا الخط أصبح أقل تحديداً، وتتواصل المناقشات بشكل دوري من قبل جانبي النزاع حول “قبول” نزاع نووي محدود.
خامساً: قبل 60 عاماً، كان مستوى الاحترام المتبادل وحتى الثقة المتبادلة بين قادة موسكو وواشنطن أعلى بكثير مما هو عليه اليوم. في الأيام المصيرية لشهر تشرين الأول/أكتوبر 1962، انطلق قادة البلدين من واقع أن الاتفاقات التي تم التوصل إليها سيتم تنفيذها بشكل أو بآخر، أما اليوم فلا توجد مثل هذه الثقة سواء في الكرملين أو في البيت الأبيض.
علاوة على ذلك، من الواضح أن كلا طرفي الصراع على قناعة تامة بأن العدو في حالة تدهور عميق لا رجعة فيه، وبالتالي فإن أي اتفاقيات استراتيجية معه لا معنى لها.
سادساً: خلال أزمة منطقة بحر الكاريبي، استمرت خطوط الاتصال في العمل، فقد التقى السفير السوفياتي في واشنطن، أناتولي دوبرينين، مع روبرت كينيدي عدة مرات، وحافظ دوبرينين كذلك على اتصالات شخصية مستمرة مع وزير الخارجية آنذاك دين راسك، أما الآن، فلا يمكن للسفير الروسي في واشنطن، أناتولي أنتونوف، إلا أن يحلم بالوصول إلى كبار المسؤولين الأميركيين، والسفيرة الأميركية الجديدة في روسيا، لين تريسي، لم تصل بعد إلى موسكو على الإطلاق، ولا يُعرف حتى متى ستظهر أخيراً في مقرها في العاصمة الروسية.
سابعاً: كل من نيكيتا خروتشوف وجون ف. كينيدي (الشخصيتان الرئيسيتان في أزمة الكاريبي) عانيا شخصياً من أهوال وويلات الحرب العالمية الثانية، حيث مرا بها تقريباً من البداية إلى النهاية في أوروبا (خروتشوف) والمحيط الهادئ (كينيدي).
أما فلاديمير بوتين وجوزيف بايدن فينتميان إلى جيل ما بعد الحرب، وعلى الرغم من أن الرئيس بايدن ولد في عام 1942، إلا أنه بالكاد يتذكر أي شيء عن سنوات الحرب، ومن غير المرجح أن يكون الرئيس الأميركي السادس والأربعين قادراً على تخيل عواقب صراع عالمي جديد بشكل واضح مثل الرئيس الخامس والثلاثين للبيت الأبيض.
ومع ذلك، ورغم كل الاختلافات بين الموقفين، فإن كلمات جون كينيدي، التي قالها في الجامعة الأميركية في 10 حزيران/يونيو 1963، بعد 6 أشهر من تمكن القوتين العظميين من التراجع عن حافة الهاوية النووية، لا تزال وثيقة الصلة بالموضوع: “أهم شيء هو الدفاع عن المصالح الحيوية، إذ لم تسمح القوى النووية بمثل هذا الشكل من المواجهة الذي يضع العدو أمام الاختيار بين الانسحاب المهين والحرب النووية، إن اختيار مثل هذا الشكل في العصر النووي سيكون دليلاً على الإفلاس الكامل لسياستنا، أو مظهر من مظاهر الرغبة الجماعية اللاواعية لدمار العالم بأسره”.
تعليق واحد