آراءثقافة

مصير الكلمة المكتوبة.. في رق منشور أم هواء منثور؟

يظهر إلى السطح هذه الأيام مع بحر الانترنت متلاطم الأمواج ومع بحار الفيديوهات، أنه خطر على أعظم ناقلة نفط ان تغرق فيه ويظهر تخوف على الصحف المكتوبة أن يكون مصيرها الانقراض، كما حدث للديناصورات قبل 65 مليون سنة واستبدالها بكائنات أصغر حجماً وأكثر تكيفاً.

وتتراوح التوقعات بين تهديد فعلي من المحطات الفضائية والانترنيت وبين من ارتخى في مقعده يقول للجميع أن لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون.

ويؤكد معظم من يخوض في هذا البحر اللجي أن (المصداقية) هي قارب النجاة، ورفع سقف الحريات سيكون الإنعاش المنظم لمريض مصاب بالصدمة.

ولكن قدر التاريخ أنه يمشي وفق قوانين نوعية تمسك رقبته فتدفعه بالمسار الصحيح على رغم أنف أصحاب المصالح، وعندما انطلق مشروع الإنترنت كان عسكريا فأصبح الناس اليوم بفضله يتنفسون الحرية بأنفاس إلكترونية وأصبح الناس بنعمة الانترنيت إخواناً.

فهذا هو قدر التطور، وبقي الأنبياء ينادون البشر بالسلام وتحرير العبيد، ولكن المواعظ لم تفعل شيئاً والذي غير التاريخ هي القوانين النوعية، ولم يدخل البشر باحة السلام إلا بالقنبلة النووية، وكما يقول (توينبي) أن تحرير الرقيق حصل لأنه لم يعد حاجة للرقيق، وتم استبدال آلة العضل البشرية بما هو أفضل بآلة البخار والكهرباء، ولو لم يحرر أبراهام لنكولن العبيد لحررتهم الآلة.

وباعتباري جراحاً فقد ينفع رؤية الأشياء من خارج نطاق الصحفيين كما هو في لعبة علم، ومثلا فجراحة المناظير تطورت على يد غير جراح هو طبيب النسائية سيم كورت وقد راسلته في ألمانيا بعد أن كتبت عنه مقالة ففرح بذلك وأرسل لي رسالة شكر مع شريط فيديو وبعض الصور، ولأني كنت عند الأعراب أشد كفرا ونفاقا، فأما الرسالة فوصلت، وأما الصور فمزقت أو لطخت بالسواد، وأما شريط الفيديو فتمت مصادرته بيد المطاوعة فهو يظهر إمرأة كشفت عن ساقيها كما في قصة النبي سلميان وملكة سبأ؟والصحافة المكتوبة لا تخرج عن قانون الصيرورة مثل أي كائن آخر، سواء دورة الحياة عند حيوان الخلد، أو قيام الإمبراطوريات، أو حركة المجرات.

وفي الطب نعرف أن الجراحة مشت على مراحل وكان بتر الأطراف يجري بدون تخدير، كما كان الكثير من الأمهات الوليدات يمتن بعد الوضع بحمى النفاس، حتى حقق الدكتور فايس الشروط التعقيمية الصارمة، ولم يمشي الطب إلى الأمام إلا بساقين من التخدير والتعقيم.

وإلى قبل عقد من الزمن كان استئصال المرارة يتم بشق البطن، واليوم لا يلجأ الجراحون لشق البطن بل يدخلون بثقوب بسيطة فييستأصلون المرارة المحصاة بملقط ناعم، وهذا التطور اختصر الزمن والمضاعفات وعالج العلة ببساطة.

واليوم يجري جراحة المخ في سويسرا بروبوت، ويتطلع الطب إلى الاستغناء التدريجي عن الجراحة، بل إلى فهم ثوري في موضوع لماذا ينفجر المرض أصلاً؟ ومراقبة هذا التطور بمساحة تاريخية يجعلنا نرى انقلاباً نوعياً في مهنة يتم الاستغناء التدريجي عنها بأنواع جديدة من الطب كما في الجراحة الجينية، أو إدخال ميني روبوت (مجهري) إلى كل مكان في الجسم فيعدل ويرقع حسب الإصابة مراقبا بشاشة كمبيوترية مكبرة وموجها بأشعة ليزر يقودها جراح على بعد آلاف الكيلومترات (Telesurgery).

أو التدخل على أول خلية إنسانية بعد التلقيح أو بعد الاستنساخ الجسدي أيا كان وإجراء التعديل المناسب على الكود الوراثي، ويمضي محمد كامل حسين في كتابه (المنوعات) إلى أكثر من هذا في “أنه إذا استطاع الإنسان خلق نفسه ما كان في ذلك مساس بوجود الله وقدرته والربط بين وجود الله تعالى وبين قدرته على الخلق هو من قبيل الربط بين العامل وأعظم أعماله قدرا وأدعاها إلى الإعجاب.

والخلق برهان على وجود الله، ولكنه ليس برهانا من النوع الذي إذا بطل بطل معه وجود ما يقوم على هذا البرهان وهذا ينقلنا إلى القانون الأساسي أن الصحافة لا تشذ عن هذا القانون، فكما تغيرت طريقة نقل الإنسان من ظهور البغال والحمير، إلى إعتلاء ظهور الصواريخ كذلك الحال من تغير واسطة نقل الكلمة.

وقبل 4000 سنة كان كهنة سومر يكتبون على الطين المجفف ونحن ننقش على الهواء، ومشكلة الكلمة أنها تحرر الوعي ولكنها قد تستخدم للتضليل إلى حين.

ولكن العشق الخفي للحقيقة عند الإنسان يجعله يكسر قوالب التقليد فيتحرر من الخرافة وهذا هو السر خلف التطوير الذي لا يهدأ للوصول إلى مصادر المعرفة، وعندما ينكب الناس على الإنترنت، فلأنها تحمل حقائق لا تقولها الصحافة، ومن يريد أن يطمئن على بقاء الصحافة كما هي في يد حزب شمولي أو فرد ثري فهو لا يفهم قانون الصيرورة.

وإذا كان جيلنا الحالي ما زال مرتبطاً بالقلم والقرطاس، فإن الجيل القادم ستكون أصابعه كيبورد وعيناه شاشة تومض وسوف يستغني عن الورق، وكما حدث في الجراحة بالإنضغاط إلى ما يشبه إلغاء الجراحة فقد تنتهي الصحافة إلى نهاية صناديق البريد والفاكس، وفقاً لقانون التفاضل والتكامل في الرياضيات.

والمشكلة التي تواجه الصحافة اليوم ليس أن الجريدة سوف تتغير، بل الإنسان، فهو سيصبح بعد ثلاثين سنة خلقا آخر ونسخة مطورة جدا مع التعامل السريع من تدفق المعلومات، وأعظم مشكلة تواجهنا مع عالم النت هو فيضان المعلومات وليس شحها، وهي تتطلب التركيز والغربلة في وقت لايسمح بذلك، وهذا مؤشر إلى تحقيق القدر الإلهي، أن من يكتم الحقيقة يصبح موضع لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، ومن لا يغير نفسه يغيره التاريخ ولا يبالي.

ولا غرابة أن نقرأ في مطلع إنجيل يوحنا في البدء كانت الكلمة، وفي القرآن كانت أول كلمة هي إقرأ، أوحي بها في غار في رأس جبل وهو ماتكرر مع بوذا والنرفانا في ظل شجرة التين.

ولا غرابة أن يقسم القرآن بأربع، أولها شجرة التين التي أوحي تحتها لبوذا، ثم شجرة الزيتون لعيسى حاملا رمز السلام، ثم طور سنين موسى ثم البلد الأمين في مكة.

https://anbaaexpress.ma/omrs4

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى