ساعة بعد ساعة تتزايد حالة الترقب في خيرسون استعدادا للمعركة المنتظرة حول المدينة، في ظل تصاعد القصف من القوات الأوكرانية، ومواصلة عمليات إخلاء المدنيين من المناطق الواقعة على الضفة اليمنى لنهر دنيبر، وسط مؤشرات على أن هذه المعركة ستكون الحاسمة والأكثر عنفا منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية يوم 24 فبراير الماضي.
ووسط توقعات بتحول المدينة الإستراتيجية لتسالينغراد ثانية (شهدت أهم معارك الحرب العالمية الثانية)، عاد اسم “كتيبة الصومال” ليظهر مجددا في وسائل الإعلام الروسية والأجنبية، بعد أن تمكن مقاتلوها من قتل وأسر عدد من المقاتلين من فرنسا وبلجيكا وبولندا ضمن عملية عسكرية لم يتم تحديد مكانها. في حين تحدث مراسلون حربيون روس عن أن الحديث قد يدور عن منطقة خاركيف؛ حيث يتمركز فصيل من الفيلق البولندي وغيره من المقاتلين الأجانب.
ووفقا لوسائل إعلام روسية، برز دور الكتيبة ذات التسمية اللافتة خلال عمليات التقدم الأخيرة في منطقة مايورسك وباتجاه بيرفومايسكي، ومسؤوليتها عن شن هجمات وصفتها تلك الوسائل بالفعالة عبر استخدام الطائرات المسيّرة.
وفي دلالة على ذلك، كان دينيس بوشلين -الذي يُوصف بـ”القائم بأعمال رئيس جمهورية دونيتسك” التي ضمتها روسيا مؤخرا- التقى يوم 31 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بعدد من جنود الكتيبة، ومنحهم أوسمة وجوائز، مشددا على أن الكتيبة كانت منذ الأيام الأولى “للنزاع” مع أوكرانيا في أهم قطاعات الجبهة.
جذور التأسيس
و”كتيبة الصومال” أو كما تسمى أحيانا بكتيبة “مقاتلي الصومال”، هي فيلق قتالي منفصل، وإن كانت تعتبر جزءا من القوات المسلحة لما تسميها موسكو بـ”جمهورية دونيتسك”.
وشاركت الكتيبة في النزاع المسلح في شرقي أوكرانيا منذ بدايته تقريبا، ولا سيما في معارك سلافيانسك وإيلوفيسك، وفي الحصار المطول وعودة السيطرة على مطار دونيتسك خلال القتال العنيف في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2014. وكان يقودها ميخائيل تولستيخ، المعروف أيضا باسم جيفي، حتى مقتله في الثامن من فبراير/شباط 2017.
شعار كتيبة الصومال الروسية
ورغم أن نوابا في الدوما الروسي وجهوا اتهامات آنذاك إلى المخابرات الأوكرانية بالوقوف وراء مقتله، فإن صحيفة “نوفايا غازيتا” نشرت حينها مقابلة مع متطوع روسي قدّم نفسه على أنه مقاتل ضمن الكتيبة الصومالية، وذكر أنه وثلاثة مقاتلين آخرين من الكتيبة كانوا من بين منظمي الهجوم الذي أودى بحياة تولستيخ، وذلك انتقاما لتركه زملاءه خلال المعركة التي اندلعت بالقرب من منطقة أفدييفكا في نهاية يناير/كانون الثاني 2017.
وقبل ذلك بعامين، في فبراير/شباط 2015 تم إدراج تولستيخ في قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي. وفي يونيو/حزيران 2016 اتهم مكتب المدعي العسكري الأوكراني تولستيخ بـ”ارتكاب جرائم حرب، وإنشاء وقيادة منظمة إرهابية، وإساءة معاملة أسرى الحرب والسجن غير القانوني والاختطاف”.
ووفقا لمصادر روسية، يبلغ العدد التقريبي لعناصر “الكتيبة الصومالية” نحو 350، ويصل أحيانا نحو 420 مقاتلا.
وفي واقع الحال تعتبر هذه التسمية مجازية، وليست لها أي علاقة بجمهورية الصومال أو الأحداث الجارية فيها. وكان قائد قوات دونيتسك الموالية لموسكو أرسين بافلوف، الذي قُتل في أكتوبر/تشرين الأول 2016 ولقب بـ”موتورولا” لكونه خدم في جهاز الإشارة، هو من ابتدع هذه التسمية بسبب ما اعتبره تشابها بين مقاتلي الكتيبة وبين القراصنة الصوماليين من جهة عدم وجود إمدادات غذائية مستقرة، إضافة لارتداء الخرق بدلًا من الملابس العسكرية آنذاك، وطبيعة الأسلحة التي كانوا يحملونها وكأنهم قراصنة حقيقيون، حسب قوله.
رهان كبير
ويوضح الباحث في شؤون النزاعات المسلحة نيكولاي أسافوف أن “كتيبة الصومال” أظهرت في مراحل مختلفة أنها كانت من بين أكثر الوحدات استعدادا للقتال على كافة الجبهات في دونيتسك وسلافيانسكو وكراماتورسك وآزوف وغيرها، وأن ظهورها من جديد “يعود لإدارتها الحرفية للعمليات القتالية في بيرفومايسكي وعلى محور أفدييفكا، الذي يتم منه تحديدًا قصف المناطق داخل دونيتسك”.
وحسب رأيه، يرتبط ذلك بالاستعداد لمعركة خيرسون، لا سيما مع تكثيف القوات المسلحة الأوكرانية قصفها على المنطقة واستعدادها للهجوم عليها، وهو ما يضع على “الكتيبة الصومالية” رهانا كبيرا، لما تملكه من مهارات في عمليات الهجوم والاقتحام والدعم والاستطلاع وإيصال التموين.
تعبئة وتطوع
وعلى وقع الاستعدادات لخوض معركة خيرسون الإستراتيجية، بلغ عدد المتطوعين لجبهات القتال كجزء من التعبئة الجزئية نحو 13 ألف شخص، وفقا لوزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن يوم 21 سبتمبر/أيلول الماضي تعبئة جزئية في البلاد، شملت 300 ألف ممن تلقوا تدريبات عسكرية سابقا ولديهم اختصاصات معينة في المجال العسكري ويخضعون للتجنيد الإجباري.
وفي روسيا، تختلف مدة خدمة الجنود المتعاقدين والمتطوعين وأولئك الذين تم حشدهم من خلال عملية التعبئة الجزئية للمشاركة في العمليات العسكرية.
ويخضع المتطوعون لمعايير وشروط خاصة؛ إذ يمكنهم، إذا لم يتم استدعاؤهم للتعبئة، التطوع كجنود أو المشاركة في العمليات القتالية بأوكرانيا كجزء من “المفرزة التطوعية”، كما يمكن لمواطني الدول الأخرى التجنّد في الجيش الروسي بموجب عقد.
ويعتبر المتطوعون من أولئك الذين لا يستوفون معايير التعبئة، ولكن في الوقت نفسه يرغبون في المشاركة طواعية في العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا.
ومن بين هؤلاء يتم تشكيل مفارز من المتطوعين، وهو تشكيل تم إنشاؤه خصيصا للمواطنين الذين أعربوا عن رغبتهم في المشاركة في عمليات الطوارئ، كما يمكن استخدام مفارز المتطوعين للقيام بعمليات قتالية.
ويُشترط في المتطوع أن يكون دون سن الـ60 ولديه خبرة في الخدمة العسكرية أو اجتاز معسكر التدريب، وكذلك خبرة في رياضة الرماية أو الخدمة في جهاز أمني أو عسكري، أو عضوية في منظمة صيد عامة أو جمعية القوزاق (مجموعة إثنية من السلاف الشرقيين ارتبطوا عبر التاريخ باهتمامهم بالفنون العسكرية).
ويحصل أفراد مفارز المتطوعين على نفقات مدفوعة تساوي ما يتلقاه العسكريون الذين تم استدعاؤهم للتعبئة، وعند الالتحاق بوحدات المتطوعين يتم إبرام عقد معهم لمدة 3 أشهر أو أكثر.
تعليق واحد