آراءسياسة

تونس مابين سندان الثورة ومطرقة الثورة المضادة

 بعد مرور سنوات عدة من الانتفاضة الشعبية لإسقاط نظام بن علي، يواجه التونسيون اليوم نظام سياسي يقوم على استراتيجة إلهاء الشعب وتشتيت انتباه المواطنين التونسيون عن قضاياهم الحياتية الأساسية ولتمرير قوانين بطريقة فوقية.

كان التونسيون قبل سنوات، يتألمون في صمت، خوفا من نظام الديكتاتور بن علي، أما اليوم فكلما صرخ التونسيون من الألم في الشارع العام، من أجل إجبار الحكومة على التراجع عن سياسة التقشف، ورفع الحد الأدنى للأجور، وإلغاء الزيادات على أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية مطالبين بحلول لقضاياه الحياتية الحارقة، من فقر ،بطالة، تهميش، ارتفاع في الأسعار، ضعف القدرة الشرائية، ارتفاع نسبة التضخم، تدني كتلة الأجور، فقدان كبير للمواد الغذائية الأساسية، إلاّ وتعتمد السلطة الحاكمة سياسة إلهاء الشعب عن تلك القضايا، هذه هي تونس اليوم، مجتمع انتقل من المطالبة بالحرية والتعدّدية إلى المطالبة بالحفاظ على ما تبقى من مكتسبات الثورة.

يلاحظ متابعو الأوضاع في تونس، بأن البلاد تمر بصعوبات تدفع الحكومة إلى قرارات قاسية، ليس لها من خيار سوى رفع الضرائب، ودمج القطاع غير الرسمي تحت مظلة الشبكة الضريبية، لضمان المساواة بين مختلف المهن في حجم المساهمات المقدمة،هذه التعديلات جزء من شروط صندوق النقد الدولي التي وافقت عليها الحكومة، في مقابل حصولها على حزمة من القروض، تبلغ 1.9 مليار دولار لدعم السياسات الاقتصادية في تونس.

جٌّل تجارب الانتقال الديمقراطي التي جرت في العالم بفعل مجموعة من الدوافع الداخلية والخارجية، حيث أدى التدهور الاقتصادي، وما أعقبه من أزمات و خاصة الاجتماعية بالعديد من النظم إلى إدخال إصلاحات هيكلية على مؤسساتها السياسية و الاقتصادية، كلها استفادت من قروض و منح صندوق النقد و البنك الدوليين وقد شكل ذلك عاملا أساسيا للإصلاح الديمقراطي، وكان ذلك من أسباب تخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي عن الأنظمة التي خرجت من تحت عباءة الديكتاتورية العسكرية، أو المدنية، في هذه البلدان، وتشترط تلك المؤسسات و المنظمات أن تتضمن عملية التحول إصلاحا و تحولاً باتجاه مزيد من الحريات، كالتداول على السلطة ، الانتخابات النزيهة، المشاركة السياسية، و دعم حقوق الإنسان، لكن تونس الآن لا تواجه فقط ندرة المساعدات الاقتصادية التي تقدمها لها هذه المؤسسات المالية الدولية ( 1.9 مليار دولار من صندوق النقد الدولي)، وأصدقائها الأوروبيين (اتفاقية تمويل بقيمة 200 مليون يورو مع فرنسا ممثلة في الوكالة الفرنسية للتنمية)، بل تواجه تداعيات الثورة المضادة التي يقودها الرئيس قيس سعيد من أجل الانفراد في الحكم وإفشال التحول الديمقراطي في تونس.

بالرغم من كون تونس تعتبر قائدة ثورات “الربيع العربي”، إلا أن عملية الانتقال الديمقراطي تواجه عدد من التحديات والصعوبات الاقتصادية والسياسية، في ظل الأزمة الدولية، وتوجه قيس سعيد لحصر المزيد من الصلاحيات بيده، وهو الأمر الذي كرسه خلال دستور 2022 الذي يجعل من العمل السياسي بصفة عامة مهددا بشكل مشابه لما كان عليه الوضع قبل الثورة.

تونس على أعتاب انتخابات تشريعية، هي الأولى في ضل دستور جديد يعزز من سلطات الرئيس ويقلل من دور البرلمان، فالنواب سيساهمون في سن تشريعات والتأثير في التوازنات السياسية، وتنفيذ الوظيفة التشريعية داخل نظام رئاسي، والبرلمان المكون من غرفتين تشريعيتين متمثلة في مجلس النواب ومجلس الأقاليم والجهات ويبقى لرئيس الجمهورية أن يحل المجلسين أو احدهما حسب المادة 109 ” لرئيس الجمهورية الجديد أن يحل مجلس نواب الشعب (البرلمان) والمجلس الوطني للجهات والأقاليم أو أحدهما، ويدعو إلى تنظيم انتخابات تشريعية سابقة لأوانها”.

ويبقى البرلمان مشابها لسابقه من ناحية وظائف التشريع وتقديم المبادرات التشريعية، ومراقبة أداء الحكومة، ورفع قضاياهم ومشكلاتهم للحكومة، على رأسها ما نشهده اليوم من فقدان للمواد الأساسية وغلائها وتفاقم للبطالة والهجرة غير الشرعية، ويبقى السؤال حول ما إذا كان بإمكان صندوق الاقتراع إصلاح ما لم تصلحه الثورة ؟ بإفراز نخب جديدة مثقفة وواعية، قادرة على مجابهة الرئيس قيس سعيد والقيام بواجبها في تمثيل التونسيين وإيصال أصواتهم للسلطة.

https://anbaaexpress.ma/5ocs9

محسن المساوي

باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى