بقلم منير الراجي.. باحث في تاريخ المغرب الحديث والمعاصر
شكل المجال الصحراوي امتدادا جغرافيا وتاريخياً وعمقاً استراتيجياً مهما للدولة المغربية عبر العصور، لكونه ظل الخزان الرئيسي لمعظم الأسر التي تعاقبت على حكم البلاد منذ الفترات القديمة، هذا يعني أن الصحراء ساهمت كغيرها من المناطق المغربية في صنع تاريخ المغرب، وظلت تابعة للسلطة المركزية طوال العصور التاريخية، لكونها شكلت نسيجا اقتصاديا هاما ومجالا لتنقل القوافل التجارية من الشمال نحو الجنوب أو من الجنوب الى الشمال. هذا ما تؤكدها المعطيات الجغرافية والتاريخية والقانونية ، وكلها معطيات ثابتة وراسخة في التاريخ. ولعل ما سنعرضها من خلال هذه الورقة، يبرز ويكشف لنا الأدلة التاريخية.
قبل ان نتطرق إلى المعطيات التاريخية، إرتأينا الى عرض مقتطف من خطاب جلالة الملك الحسن الثاني يصب في سيق ذاته ” ان هذه الصحراء هي التي أعطتنا دولة المرابطين الصحراويين وجدتي خناتة زوجة الملوى اسماعيل صحراوية، وأم سيدي محمد بن عبد الله صحراوية وثلاثة من أجدادي صحراويين من قبائل جنوب الصحراء، فليست الصحراء مغربية بالأمس فقط، ولا المغرب صحراوي بالأمس وفي الحقيقة هل نحن الذين سنرجع المغرب أم أن الصحراء هي التي سترجع إلى المغرب”. انتهى كلام الخطاب الملكي.
الصحراء المغربية على ضوء معطيات تاريخية
إن القارئ لتاريخ المغرب الحديث والمعاصر يدرك جيدا الحدود الجغرافية للبلاد منذ العصور الغابرة، ولعل ما تزخر به الكتابات المتعلقة بتاريخ المغرب، من معطيات مرتبطة بقضية الصحراء المغربية تؤكد وتبرز الجذور التاريخية والثقافية للصحراء المغربية.
وكما هو متعارف في الادبيات العلمية، لفهم أي قضية معينة، لابد من سلك طريق البحث والتنقيب بين ثنايا الكتب والوثائق، ومحاولة الكشف عن السياقات العامة لهاته القضية التي شغلت الرأي العام الداخلي والخارجي. وأهدرت زمناً طويلاً على المغرب لاستكمال وحدته التربية. إذا من خلال هذه الورقة التي سنسعى إلى تتبع مسار قضية الصحراء كرونولوجيا، ومحاولة الإجابة على التساؤل التالي، لماذا المملكة المغربية متمسكة بموقفها لدى الأمم المتحدة والرأي الدولي بمغربية الصحراء؟
لأجل الإجابة عن هذه السؤال، كان لزاما علينا العودة الى بداية القرن التاسع عشر، نظرا لما حمله هذا القرن من تغيرات على المستوى السياسي والاقتصادي. متمثلة بالدرجة الأولى، في التكالب الإستعماري على المغرب والجزائر من لدن الدول الامبريالية، ووقعت في هذا الصدد مجموعة من الاتفاقيات والمعاهدات بين الدول الاوربية في مقدمتها فرنسا واسبانيا وانجلترا. وكل تلك الاتفاقيات تؤكد سيادة المغرب على الاقاليم الصحراوية، والأمر لا يتعلق باتفاقية واحدة أو ثلاثة بل هناك أزيد من 12 اتفاقية دولية تجمع، بأن الصحراء المغربية هي جزء من مجال المغرب. ومن بين أبرز تلك الاتفاقيات.
– الاتفاقية بين المغرب والولايات المتحدة الامريكية سنة 1786- 1836م.
– الاتفاقيات المبرمة بين المغرب وبريطانيا سنة 1791م،والاتفاقية الثانية سنة 1801م، و ثالثة سنة 1824م، والاتفاقية رابعة كانت سنة 1856م.
– الاتفاقية بين المغرب اسبانيا سنة 1799-1861.
ووقع المغرب ايضا مع فرنسا معاهدة لالة مغنية سنة 1845م، لرسم الحدود بين الجزائر والمغرب، اضافة الى معاهدة مدريد سنة 1880م، التي أقرت بسيادة المغرب على ترابه ومعاهدة الجزيرة الخضراء 1906م التي أقرت على وحدة البلاد.
إن جرد هذه الاتفاقيات والمعاهدات بين المغرب والدول الاوربية، تفسر للقارئ أن الصحراء المغربية كانت تحت سيادة المغرب، قبل دخولها تحت السيطرة الاسبانية، ومن بين الأدلة التاريخية على مغربية الصحراء، هي المتمثلة في ردة فعل الساكنة عندما أراد الاستعمار المساس بأراضيها، حيث قامت بسلسلة من المعارك البطولية ضد الاستعمار الاسباني.
ونذكر من بين تلك المعارك. ” معركة دامان 7 أبريل 1908م . معركة الغزلان سنة 1908. معركة الرشيد في 16 غشت 1908م…. الخ. حيث كان لهذا التماسك والحماس الذي أظهرته القبائل الصحراوية أمام الاستعمار الاسباني دورا حاسما في تعطيل المخطط الاسباني للسيطرة الفعلية على الصحراء المغربية، ولم يتأتى لها ذلك إلا سنة 1934م.
هكذا دخلت الصحراء المغربية تحت السيطرة الاسبانية، وأطلق عليها من أجل عزلها “الصحراء الغربية” أو الصحراء الإسبانية. لكن في الجهة المقابلة كان للمقاومة المغربية رأي اخر المتمثل في مناهضة الاستعمار الاسباني الغاشم، فبعد سنوات طويلة من المقاومة والجهاد ضد المحتل الاسباني والفرنسي، استطاع الشعب المغربي بقيادة جلالة المغفور له محمد الخامس رحمه الله، استرجاع الجزء الأكبر من ترابه سنة 1956م، وسار المغرب على نفس النهج في استكمال الوحدة الترابية وتحقيق الاستقلال. ففي سنة 1969م تمكن من استرجاع سيدي افني بموجب معاهدتي سينترا وفاس، اما الصحراء المغربية فتأخر استرجاعها، حيث ظلت تحت النفوذ الاسباني.
ان النجاح الدبلوماسي الذي حققه المغرب في استرجاع بعض مناطقه المحتلة بالصحراء المغربية، زاد من حدة التوتر بين المغرب واسبانيا من أجل كسب الدعم والتأييد لقضية الصحراء المغربية، ففي سنة 1974م وأمام تشبت المغرب بقرارات الأمم المتحدة، اتجهت السلطات الاسبانية الى تنظيم استفتاء لخلق كيان تابع لها في المنطقة، الأمر الذي دفع بالمغرب الى التحرك لمواجهة هذه المناورات الاسبانية، بإيصال قضيته الى محكمة العدل الدولية، وتكذيب تلك الادعاءات القائلة. بأن الصحراء كانت ارضا خلاء ولا تربطها أي علاقة بالمملكة المغربية، لكن في 16 أكتوبر 1975 كان قرار المحكمة حاسما، إذا أدلت برأيها الاستشاري بأن الصحراء المغربية لم تكن أرضا بلا صاحب عندما احتلتها إسبانيا، وأنه كانت هناك علاقات قانونية تربط بينها وبين المغرب.
كان لهذا القرار وقع كبير ونجاح دبلوماسي مغربي بامتياز وانتصارا لقضية الصحراء المغربية، وأمام هذا القرار أعلن الملك الراحل الحسن الثاني تنظيم مسيرة خضراء سلمية لاسترجاع أقاليمه الجنوبية، التي انطلقت في 6 نونبر 1975. ما دفع بالسلطات الاسبانية الى فتح مفاوضات مع كل من المغرب وموريتانيا انتهت بإبرام اتفاقية مدريد في 14 نونبر 1975 واسترجاع الاراضي الجنوبية للبلاد في 28 نونبر سنة 1976م.
خاتمة
شكلت قضية الصحراء المغربية في تاريخ المغرب، قضية تحررية بامتياز ضحت في سبيلها أجيال مغربية قبل الاستقلال وبعده، باعتبارها معركة حاسمة قادها جلالة المغفور له محمد الخامس، وأنار طريقها الحسن الثاني بإبداعه حدث “المسيرة الخضراء” الذي ميز النصف الأخير من القرن العشرين، وعمل جلالة الملك محمد السادس من خلال سياسته الحكيمة، في الدفاع على مغربية الصحراء باعتبارها قضية وطنية مصيرية. التي جسدها في مقولته التاريخية ” سيظل المغرب في صحرائه وستظل الصحراء في مغربها إلى ان يرث الله الارض ومن عليها”.
المراجع المعتمدة في الدراسة:
– الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش: لجلالة الملك الراحل الحسن الثاني. مارس 1977.
– حسن حافظي علوي، وابراهيم بوطالب، الصحراء المغربية معلمة المغرب الجزء 26-27:
– العربي بنرمضان. مجلة سياسات عربية: العدد 23. نونبر 2016.
– مجلة المناهل: الصحراء المغربية فكر وابداع.
– خالد صقلي. مجلة لكسوس، العدد 11. 2017.