
تناول البيان الختامي الصادر يوم أمس عن القمة العربية بالجزائر مجموعة توصيات، لها ما لها وعليها ما عليها، ليبقى الأهم في مخرجات القمة، العمل على اعتبار القضية الفلسطينية قضية مركزية للعرب.
وهذا أمر ليس جديدا مادام لا خلاف حوله، على الرغم من تصاعد الكثير من الدعاوى التي تعمل على تهميش القضية الفلسطينية أو تصفيتها. وتطرق البيان الختامي إلى أهمية إحياء التضامن العربي، ونبذ التدخل الخارجي في القضايا العربية. وقد تجنب البيان تحديد حيثيات وطبيعة هذا التدخل، إلا أن هذا يتوقف على مدى وجود دينامية عربية قادرة على الاستغناء عن الأعماق الجيوستراتيجية الإقليمية والدولية، في سياق عربي مشحون بظاهرة الاصطفافات، فضلا عن غياب توافق عربي حيال القضايا العربية ذات الاهتمام المشترك.
ولم ينس البيان الختامي أن يفرد سوريا ببنود خاصة، يأتي على رأسها الحث على حماية أمن سوريا وسيادتها ووحدتها الترابية، وفي هذا السياق يذكر البيان بضرورة العمل على استرجاع الجولان السوري.
وكان من المقرر أن تحضر سوريا القمة، حيث اعتذرت نظرا للسياق غير المناسب الذي يميز الوضع العربي، لكن مكانها الذي ظل شاغرا في القمة، لم يمنع من صدور ما يعزز مسار الحل السوري، كيف وسوريا مؤسس رئيسي لجامعة الدول العربية، وتعيش سوريا منعطفا أكثر تعقيدا من ناحية مخرجات انتصارها على مخططات التقسيم وموجات الإرهاب الذي احتاج سوريا خلال ما يزيد على العشر سنوات.
إقتنع المجتمع الدولي وجامعة الدول العربية بأهمية الحل السياسي، وقد توج ذلك بعودة العلاقات الدبلوماسية مع عدد من الدول العربية.
استكمال الوحدة الترابية السورية واسترجاع الجولان، والحث على السيادة السورية ونبذ التقسيم كما جاء في مضمون البيان الختامي، يعيد إلى الأذهان القصة الكاملة لاحتلال هذا الجزء من التراب السوري، حيث ظلت الجبهة السورية هي آخر الجبهات المفتوحة في حرب تشرين، وكان بإمكان سوريا استرجاعها فيما لو قبلت الدخول في مسار كامب ديفيد، لكن الرئيس الراحل حافظ الأسد أبى أن يستعجل الأمر ، ورفض التسوية غير العادلة.
دفعت سوريا الثمن غاليا، فلا يخفى أن الحرب على سوريا منذ 2011، جاءت في سياق الضغط على دمشق للقبول بسياسة الأمر الواقع. جنبت القيادة السورية البلاد منذ سنوات حربا غير متكافئة، لكنها حافظت على حالة اللاسلم واللاحرب، في انتظار شروط أفضل لانتزاع حقها كاملا.
أمام لاءات سوريا المتكررة، كان من الضروري أن يتم استهدافها، وقد تحرك الطابور خامس، في سياق ما سمي بالربيع العربي، للاجهاز على الدولة وتخريب النسيج الاجتماعي لبلد ظل حالة فريدة في تدبير التنوع، ورابع دولة في الأمان عالميا. لكن موجات الظلامية انتهت بافتعال حرب طائفية، وبدأ استهداف الكيان السوري، وفتح مجاله للإرهاب التكفيري وتيارات الحقد، ليعيث في الارض فسادا، بالتفكير والقتل. تسلحت قوى التكفير، وتحت ذريعة الثورة الزائفة، وتنفيذ مشروع أطلسي وانخراط بعض المحاور الإقليمية في تصفية الحساب مع دمشق، كما انكشف ذلك المخطط واعترف به من قبل من كانوا يديرون شراء الذمم واذكاء الكراهية.
وكانت القيادة السورية قد تصدت بلا هوادة لجيوش من الإرهاب التكفيري وآكلي الاكباد، وإستعمال كل الوسائل المتاحة لضرب اوكارهم ومخازنة اسلحتهم ولو بالبراميل الحارقة، وكان الارهابيون يتترسون بالمدنيين، وكثير من هؤلاء الارهابيين والتكفيريين استعملوا شعارات الأنسنة والديمقراطية والسلم واللاعنف، ليخدعوا الرأي العام في أكبر عملية نصب واحتيال عرفها التاريخ الحديث، كان لها ضحايا ومغرر بهم كثير ، وهو ما أجل حسم المعارك، التي لعبت فيها البروباغندا دورا كبيرا.
وبات الرئيس بشار الأسد، الزعيم الوطني والقومي الشاهد على ظاهرة كل المرتزقة الذين باعوا وطنهم، واندمجوا في مخطط التخريب، كان قد ادار المعركة بنجاح، كما ادار تحالفاته بحنكة، لاخراج البلاد من حالة الخراب، عبر مقاربة شمولية، اتضح معها ان الحرب على سوريا كانت حربا عالمية.
اليوم الجميع، بمن فيهم اوردوغان، يعلنون عن استعدادهم للقاء الأسد، إلا ما سمي بمعارضة الخارج، فلقد تحولت الى حالة حقد مفتوح، حتى وإن تعلق الأمر بمصلحة وطن.
اعتمد المعارضون المدعومون من الخارج، البروباغندا وسيلة لتبشيع القيادة السورية، في حين عكسوا الطريقة ليصوروا المعارضة في صورة ملائكية، قبل أن يدب الخلاف حول السلطة بين قادة الائتلافات السابقة.
عشر سنوات من الإرهاب والتخريب، كانت كافية لتؤكد على ضرورة الحل السياسي، لا سيما وأن أغلبية الشعب السوري، والجيش العربي السوري، ملتفة حول قيادتها، وقد عبرت عن ذلك في الانتخابات الأخيرة، كما عبرت عنه بصمودها والتفافها الاسطوري حول قيادتها الدستورية.
وبعد أن بدأت سوريا تستقبل النازحين، هناك بعض المنتفعين من وضعيتهم في الخارج يشوشون على الحل السياسي، دون اكتراث بوضعية النازحين في وضعية صعبة.
وعليه، يبدوا أن الوضع العربي الرسمي بات اكثر استعدادا لعودة سوريا الى مكانتها الطبيعة، في سياق التحولات الإقليمية والدولية التي وجب أخذها بعين الاعتبار.