يوجد العديد من الفعاليات الرياضة العالمية كسباق السيارات فورمولا، سباق الخيول، كرة السلة، كرة اليد، كرة الطائرة، والعديد التي لو رغبنا في الكتابة عنها بالتفصيل سوف نحتاج إلى كتاب.
ونظراً أننا نعيش مناسبة رياضية عالمية وهي مسابقة كأس العالم لكرة القدم الذي يُشرف عليه الاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا، وما ينتج عنها من تفاعلات بين مختلف الشعوب والقضايا، وجدت من المهم أن أشارك عُشاق هذه الرياضة بطريقتي الخاصة.
إنها كُرة القدم، إنها أكثر الألعاب الرياضية شُهرة على مستوى العالم، بدأت ملامحها المتواضعة تتضح في الاجتماع الذي حضره 11 منتدبا من الأندية الإنجليزية في لندن عام 1863 فيما استمرت في اتساع رقعت شهرتها حتى بعدى الحربين العالميتين الأولى (11 نوفمبر 1918- 28 يوليو 1914) و الثانية (2سبتمبر 1945- 1سبتمبر 1939) حيث أن تأسيس الإتحاد الدولي لكرة القدم ” الفيفا ” تم في (21 مايو 1904) حتى وصلت بالصورة المعروفة في عصرنا الحالي.
قد لا تبدو هذه المعلومات ذات أهمية لأنها في متناول الجميع، إلا أن الذي لم يُعطى قدراً كافياً كما لحظته عند الكثيرين من عشاق كرة القدم أن هذه الرياضة تم توظيفها في مجالات عديدة منها ماهو إنساني كما حصل حينما تم إيقاف إطلاق النار في الحرب العالمية الأولى بين الجيشين الألماني والبريطاني واستبدل وجرت وشكلوا فريقين ليدخلوا في مبارة كرة قدم كما يُشير المخرج كريس باركر في 27 ديسمبر 2014 في تصريح إلى مراسل قناة الجزيرة لي ويلينجز “ربما تكون هذه هي المرة الوحيدة في التاريخ التي ألقى فيها جيشان متعارضان أسلحتهما وكونا أصدقاء”.
رُبما يبدو هكذا خبر فيه من الغرابة الشديدة فضلاً عن التشكيك عن مدى صحته. الشك في ما جاء على لسان المخرج باركر مُتفهم إذ أن السؤال الطبيعي كيف استطاع جيشين يقتتلان أن يوقفانا اطلاق النار ليدخلنا في مبارة كرة قدم؟
و من خلال بحث إستمر ساعات طويلة وجدت أن هذه المعلومة تم ذكرها في مصادر تاريخية وصحفية متعددة ولم أجد ما ينفيها بشكل قاطع.
رُبما أن التفكير في تلك المبارة و في تلك الظروف قد تستحق في الحد الأدنى من إعادة النظر في مفهوم الرياضة الحقيقي وليس فقط الاقتصار على الجانب الجسمي، والمالي، والإداري للفرق الرياضية المتنوعة.
وفي الجانب الآخر تم استغلال رياضة كرة القدم باعتبار شُهرتها على مستوى العالم لتمرير وتوظيف العديد القضايا ولهذا أصبح بحكم الواجب أن يكون للوعي الثقافي حضور مُتجسد سواء كان ذلك على مستوى عضو الفريق أو، مدرب أو إداري أو حتى مدير نادي.
أن كرة القدم بسبب ما تحمله من شهرة وحب عالمي عابر للحدود، أصبحت وبصورة تدرجية تحمل معها ثقافات وقيم ومبادئ ليس بالضرورة أن تكون متوافقة مع شعب من الشعوب أو حتى محل تقدير واجماع عالمي كما هو الحاصل مع فريق كرة القدم دولة الاحتلال إسرائيل والذي يُعد أقدم استعمار في تاريخنا المعاصر بدعم من المجتمع الدولي و باقي مؤسسات ومنظمات التي تم تأسيسها كثير منها بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
الرياضة والمجتمع
ترعرت وسط جو اجتماعي يحب متابعة كرة القدم لا سيما المناسبة التي تُقام كل 4 سنوات وأعني مباريات كاس العالم وذلك لما تحمله من اهتمام عالمي عند مختلف الشعوب، كانت للشخصيات الرياضة المشهورة دور كبير في التأثير الاجتماعي على الجماهير سواء كانت تلك التي تحضر المباريات أو من خلال شاشات التلفزة، حتى أن بعض الجماهير تُقلدهم في سلوكهم كما في قصات الشعر، الملابس و الرقصات وغيرها الكثير.
وُربما من أسوء ما يحدث من قبل الجماهير أثناء متابعة المُباريات هو حالات العنف اللفظي والبدني بل يصل حتى إلى استخدام أدوات حادة كما في حادثة مقتل المواطن اسامة أبو عبد الله في صالة الملك عبد الله الرياضية شرق السعودية قبل سنوات ليست ببعيدة.
وبالرغم أن الرياضين بعيدون في كثير منهم عن العنف إلا أن تم تسجيل حالة قتل لاعب كرة قدم وطالب جامعي تخصص تربية رياضية في الأردن يوسف أبو سند 19عام أثناء مُشاجرة وفق تقرير نشره الموقع الإخباري (العربي) في نوفمبر الماضي من هذا العام دون إيضاح مزيد من التفاصيل سوى القبض على الجناة، إضافة إلى حالات رصدتها الجهات الرياضية والأمنية عن حالات العنف المتبادلة بين الجماهير وقد كتب الكثير من الكتاب والصحفيين حول هذه الظاهرة الرياضية الاجتماعية، و بالرغم من ذلك لا تزال مُستمرة.
يتحدث ويلفريد ليكي المستشار الخاص لأمين عام الأمم المتحدة المعني بتسخير الرياضة لأغراض التنمية والسلام أنها تعمل على تحقيق التنمية والسلام بالنظر إلى دورها في تشجيع التسامح والإحترام ومساهمتها في تمكين المرأة والشباب والأفراد والمجتمعات وفي بلوغ الأهداف المنشودة في مجالات الصحة والتعليم والاندماج الاجتماعي، وفق ما نشر على موقع الأمم المتحدة.
هذا الطرح على أهميته إلا أنه لا يزال بعيد المنال كما يبدو في عالم الرياضة، إلا أن ثمة ماهو أكثر خطورة هو تبرير سياسيات ضد الإنسانية عبر مختلف الفعاليات الرياضية كما يحصل في حالياً في مُباريات كأس العالم الذي يقام أول مرة في دولة قطر.
إن الرياضة في بعدها الإجتماعي قائمة على خلق وتجديد روابط إجتماعية قوامها التنافس والتحدي لتحقيق إنتصارات والتي من خلالها تُساهم في رسم صور وملامح عامة عن المجتمع الذي ينتمي له هذا الفريق أو ذلك الرياضي المنافس في أي لعبة كانت.
الرياضة و السياسة
لم تبقى الألعاب الرياضية والفعاليات المصاحبه لها بصورتها الأولى التي لا تتجاوز المتعة الاجتماعية والفوائد الصحية لِمُمارسيها، لِتُصبح محل مطامع و تطاحن التيارات الاجتماعية، والسياسية، والحكومات ومعها مختلف المؤسسات والمنظمات الدولية وبالخصوص بعد الحرب العالمية الثانية وبصورة تدريجية.
المنظمات الحقوقية الدولية على اختلافها دائماً ما تحاول أن تستثمر أي حدث أو فعالية رياضية لتذكير هذه الحكومة أو تلك في عدد من الملفات الحقوقية وأنها يجب أن تقوم في إصلاحات كما حثت منظمة أيمون رايتس وتش والعفو الدولية وغيرها في تذكير حكومة قطر في ملف طبقة العمال.
على مستوى التيارات الإجتماعية وأعني هنا مجتمع الشواذ الذين هم خارج منظومة الفطرة الإنسانية الطبيعية يدفعون بكل قوتهم وعبر مختلف الجهات لنشر قضاياهم عبر الفعاليات الرياضة والتأكيد على وجودهم بين الجماهير أو في المجتمع الرياضي، وهذا ما يُفسر حجم الضغوط الإعلامية الدولية.
البي بي سي العربية كانت من أبرز المؤسسات الإعلامية التي نشرت مؤخراً تقارير لتدفع بالمزيد من التطبيع الإعلامي، والاجتماعي والثقافي لهذه الفئة الشاذة التي لا تجد قبول عند كثير من المجتمعات العربية، والدينية، والمسيحية التي تلتزم حرفياً بما جاء في الانجيل، وتناول الباحث د. محمد مفتي الأستاذ في قسم العلوم السياسية التابعة إلى كلية العلوم الإدارية في جامعة الملك سعود في بحثه حول علاقة الرياضة بالسياسة (الدور السياسي للألعاب الرياضية) أن الالعاب الرياضية لها بُعدان، البعد الأول تُعتبر الفعاليات الرياضة مرآة حقيقية لك ما تحمله من قيم ومبادئ اجتماعية.
والبعد الثاني ينظر لها على أنها أداة طيعة للتوظيف السياسي ولعل هذا ما يُفسر انزعاج بعض النشطاء السياسين والحقوقيين من دور الموسسات الرياضية حينما تُغطي على الانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها بعض الحكومات بحسب تصريحاتهم والتي تنفيها تلك الحكومات كما في تصريح وزير الرياضة السعودي ورئيس اللجنة الأولمبية السعودية، الأمير عبد العزيز بن تركي الفيصل لوكالة فرانس برس في 21 غشت من هذا العام أنه يرفض الاتهامات الموجهة لبلاده باستخدام الرياضة لتبييض سجلّها الحقوقي.
إلا أن هذا الرفض لم يمنع من إستمرار حملات الحقوقيين والنشطاء و السياسين أفراد ومنظمات والتعبير عن انزعاجهم من الدور الرياضي السلبي بحسب مواقفهم المُكررة.
الرياضة والإعلام
لم تكن الرياضة وألعابها وفعاليتها المتنوعة تُشكل عنصر استثمار مالي في القطاع الإعلامي الخاص والأهلي، فضلاً أن الإعلام في تلك الحقبة الزمنية مُنذ نشأة العديد من المؤسسات الرياضية وتطور ألعابها ولاعبيها لم تحظى بوجود صحافة وإعلام واسع النطاق كما هو في عصرنا الحالي حيث القطاع الإعلامي تعرض إلى الخصخصة.
لم يكن الأمر يقف عند هذه الحد بل تجاوزه إلى ما هو أبعد من ذلك لا سيما حينما تم احتلالا الأراضي الفلسطينية بعدم بريطاني ثم رعاية أمريكية، دخلت الرياضة معترك إعلامي مُغاير عبر ممارسة التطبيع الرياضي والإعلامي مع دولة الاحتلال التي تُسمى “إسرائيل” هذا التطبيع الرياضي وعبر نافذة الإعلام لم تقبل به الشعوب الحرة قاطبة، ولها رفض العديد من الجماهير إجراء أي لقاء تلفزيوني مع مراسلين دولة الاحتلال المتواجدين في قطر لتغطية فاعليات كأس العالم 2022.
اللافت في الأمر أن قناة الجزيرة التي عُرف عنها أنه تُمارس التطبيع الإعلامي مُنذ بدايات انطلاقها الفضائي في تسعينات القرن الماضي، هي الأخر حاولت توظيف هذه المشاهد المصورة التي تُبث عبر شبكات التواصل الاجتماعي وكأنها تُريد أن تقول أنها برئية من هذا السلوك الإعلامي بينما هي رائدة في التطبيع الإعلامي في القنوات المتخصصة في الأخبار وقضاياه.
لم تقف قناة الجزيرة عند هذا الحد بل قدمت خطابها العربي على أنه ضد الشذوذ الجنسي ومؤيديه عبر تبني موقف شعوب المنطقة، لكنها أي الجزيرة كانت تبث خطابه الإنجليزي في اتجاه مُعاكس تماماً حيث كانت تروج لقطر على أنها تُرحب ولا تمنع أي من هؤلاء الشواذ.
هكذا تُمارس الجزيرة خطابين متناقضين، خطاب إلى الداخل العربي وخطاب إلى الخارج الدولي.
غاب عن الجزيرة وغيرها من المؤسسات الإعلامية التي تُغطي فعاليات كأس العالم أن العالم اليوم مفتوح على مصراعيه ولم يعد بالإمكان مُمارسة الاستغفال فقد رحل زمن الرقابة إلى غير رجعة.
إن الرقابة الحالية التي تقوم بها الجهات المختصة في أغلب دول العالم هي رقابة على الحُرية ذاتها، بينما الأمر يتعلق في القُدرة على الوصول إلى المعلومات، ولما لا يحصل ذلك والعالم يرى كيف تتفكك البنى التحتية للمفاهيم وقواعد الإعلام التقلدية وحتى الجديدة منها، نحن نعيش في عصر المفاجئات العلمية التي تفرض قوتها على الجميع دون استثناء.