لم تكن معاناة المرأة محصورة في مؤسسة الزواج بصورتها الحالية، أو في التربية في عصر طوفان الإعلام الذي يخترق منظومة الأسرة، الواقع يقول أن معاناتهن تتجاوز هذه الأطر التقليدية للقضايا وهذا ما دفع لكثير من النساء خوض غمار التغيير من خلال النضال السياسي ضد السلطة البطريركية بكل صورها. إذ اتجهنا إلى العراق في عهد الدكتاتورية السياسية في السابق سنجد الشجاعة آمنة الصدر ( 23 فبراير 1937 – 9أبريل 1980) التي لُقبت في بنت الهدى، كان نشاطها الثقافي والتربوي المبكر و الموجه للمجتمع النسائي مؤثراً مما جعل من سلطات الاستبداد التي أحكمت قبضتها النارية على العراق أن تصدر في حقها اعدام بالرصاص وكان شقيقها الذي يمثل مرجعية دينية محمد باقر الصدر قد قتل في ذات الوقت.
ولكل مجتمع تعيش المرأة ظروف وتحديات مختلفة تماماً، ولنا في فلسطين أسماء من النساء خلدهن التاريخ منهن شادية أبو غزالة (1949-28 فباير 1968 ) وهي أول من فدت بدمها أرض فلسطين من نساء الجبهة الشعبية الفلسطينة، سادج نصار (1900-1970 ) تُعد أول صحفية فلسطينة يتم اعتقالها في عهد الانتداب البريطاني 1938، كانت تتبنى فكر تقدمي وتحث النساء الفلسطينيات على ضرورة التعلم و العمل السياسي والدفاع عن الوطن ضد الاستعمار البريطاني والصهيوني و وصِفت بأنها فلسطينية خطيرة بسبب نشاطها الصحفي البارز، لو أردنا أن نستحضر أسماء النساء اللآتي تميزن بالكثير من القدرات في مسيرتهن النضالية لخرجنا في سلسلة مجلدات وليس كتاب واحد. وحتى حركة التأريخ أغلب المؤرخون وكثير منهم رجال يتجاهلون نضال المناضلات.
المرأة والسياسة
من المُفارقات المُدهشة أن كثير من القرارات التي تتعلق بحياة المرأة تصدر من خلال قرارات سياسية صانعوها ومشروعها هم من الرجال، ففي الكويت كانت المرأة محرومة من حق المشاركة في العمل السياسي إلى أن قرر أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد منح المرأة حقوقها السياسية حيث تم التصويت عليه وتطبيقه في ٢٠٠٥ وفي السعودية أصدر الملك عبد الله الراحل قرار بإشراك المرأة في مجلس الشورى والمجالس البلدية في 20 سبتمبر 2011، ثم في عهد الملك سلمان صدر قرار في إعطاء المرأة حق قيادة السيارة في 26 سبتمبر 2017 وتم تنفيذه 24 يونيو 2018 وفي نوفمبر عين أمير قطر الشيخ تميم 4 نساء في مجلس الشورى. في إيران بعد الثورة الإيرانية 1979 التي قادها الخميني أصبح حضور المرأة السياسي بارزاً راسماً شكلاً مختلف في تلك الحقبة، بكل تأكيد أن النماذج المذكورة سابقاً تختلف مُسبباتها ونتائجها فلا يُمكن وضعها كلها في مقياس واحد وإلا أصبحت المقارنات غير موضوعية.
تتحدث ن.م فتاة شابة من أحد دول الخليج وهي فنانة تشكيلية عن تجربتها في الحصول على حريتها وهي مقيمة في بريطانيا عن كيف كانت حياتها قبل الهجرة حيث كانت قيود عديدة توضع من قبل أسرتها والتي كانت تستعين بالجهات الرسمية، لم يُسمح لها بالتعبير عن رأيها وممارسة ما تؤمن به والذي لا يتعارض مع القيم والمبادئ الأخلاقية العامة.
وبالرغم أنها لم يكن لها أي نشاط سياسي إلا أنها تلقت هجوم عبر حسابها على تويتر، ومما يدعوا للقلق أن حسابها لم يعد له وجود مُنذ وقت طويل ولم يُعرف إذ ما تم إرجاعها لوطنها أم لا، إن نضال المرأة الخليجية يُحيطه كثير من التحديات إلا أنه بكل تأكيد يستحق أن ينال اهتمام أكبر، لا سيما أن معاناة المرأة أكثر تعقيداًَ نتيجة خصائص سياسية والثقافية تختلف من مجتمع إلى مجتمع خليجي أخرى.
المُلفت في الأمر أن التاريخ لم يسجل حالات هجرة نسائية في مجتمعات الخليج، إلا أن الملاحظ عدد كبير لم يُرصد من النساء على اختلاف توجهاتهن هاجرن كانت حالات فردية أم عائلية على امتداد دول العالم الغربي، لوجود أسباب سياسية، اقتصادية وعنف أسري وحالات قليلة تتعلق في أسباب دينية وجنسية.
وبحسب متابعة هذا الملف إن أكثر النساء المُهاجرات من البحرين، السعودية، الكويت و الإمارات. حيث بعضهن أصبح لهن نشطات متعددة من أجل المطالبة بما بحقوقهن كنساء يعاملن من الدرجة الثانية و رُبما العاشرة وقف رأي بعضهن.
يوجد العديد من السيدات في المجتمعات الدينية شرقاً وغرباً و اللاتي لهن قصص قد تتشابه في بعض فصولها ويجمعهن أهداف مُشتركة تأطر تحت عنوان الخلاص من الاستبداد السياسي البطريركي. وللتوضيح أن قضايا النساء التفصيلية تختلف من بلد إلى بلد آخر.
النساء في المغرب كان لهن دور نضالي مًبكر على صعيد نيل الاستقلال والتغيير ومن الأعمال البارزة في صناعة التغيير كان صدور أول صحيفة نسائية مُتخصصة في قضايا النساء سُميت 8 مارس والتي صدرت في أواخر عام 1983 بإدارة عائشة لخماس و رئيسة تحريرها لطيفة اجبابدي المستشارة الدائمة لوكالة التنمية الاجتماعية بالرباط، وعضوة مؤسسة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان ورئيسة اتحاد العمل النسائي. فريق صحيفة 8 مارس يتكون من طاقم نسائي بالكامل وكانت أول افتتاحية آنذاك “لماذا جريدة نسائية ؟” كان للصحيفة دوراً مؤثر على تنظيم حركة المرأة المغربية في البعد السياسي والثقافي عبر تناول العديد من القضايا التي تتعلق بالمرأة المغربية ومن بينها قضية مدونة تغيير الأحوال الشخصية، التي ينظر لها على أنها تحمي الرجل من تحمل أي مسؤليات وتعطيه العديد من الصلاحيات التي ينتج عنها ضرر على المرأة والأسرة في حال حدوث الطلاق وفق رأي مؤسسي صحيفة 8 مارس النسائية. إضافة إلى أن الحركة النضالية النسائية في المغرب تُنادي في ضرورة استقلال القضاء من أجل تحقيق عدالة اجتماعية.
ثمة علاقة طردية بين حرية المرأة التي تُمكنها من التعبير عن ذاتها بالمشاركة في حركة التغيير الاجتماعي التقدمي وتتحدث المؤلفة سوزان مول في كتابها والذي يحمل عنوان ( النساء في الفكر السياسي الغربي ) طبعا في عام 2009 و تؤكد على أن كلما اتسع نطاق الاستحقاقات التي تحصل علينا المرأة كل ما كان دافعاً في تقدم المجتمع، ولعلى هذا ما يُفسر دور المرأة الأمريكية التاريخي في النضال السياسي حيث انتزعت حق التصويت في ٢ أغسطس عام 1920 نتيجة المصادقة على التغيير الدستوري. سوجورنر تروث (1797-1883) نموذج تاريخي بارز عبر تايد دور حركة التحرير من العبودية، والمطالبة بالمساواة بين الجنسين وهي التي ألقت في مؤتمر حقوق المرأة في ولاية أوهايو عام 1851 خطاباًَ شهيراً بعنوان “هل أنا امرأة؟“ والذي كان له أثر على الجمهور في ذلك الوقت.
إدراك المرأة في المجتمعات الدينية على أهمية ورفع مستوى الوعي السياسي كمُقدمة لتحقيق حريتهن، وهذا ما يُفسر جانب من تقدم المرأة في بعض المجتمعات الدينية حينما تُقاتل من أجل الحصول على حقها في المُشاركة في صناعة القرارت الوطنية لا سيما القرارات التي تمس المرأة.
ولهذا يدفع النظام الأبوي في مُمارسة التجهيل كفعل سياسي ضد المرأة وإلا كيف نقرأ على سبيل المثال استمرار وجود الأمية بمفهومها التقليدي في المجتمعات الدينية، نرى في مصر نسبة الأمية 25,8 ٪ وفق تقرير نشر في صحيفة اليوم السابع 11 أغسطس الماضي، وهذه النسبة تدعوا للقلق، ماذا إذا عن الأمية في صورتها المُعاصرة والتي يصفها حسن موسى الصفار في خطب الجمعة 10 سبتمبر 2022 و التي جاءت بعنوان ( الأمية الأبجدية والأمية الثقافية ) يقول: “فقد يتقن الإنسان القراءة والكتابة لكنّه لا يستفيد منها في اكتساب الثقافة والمعرفة، بل يقتصر على الحدّ الأدنى من استخدام القراءة والكتابة في ضرورات حياته. ولا يجتهد في تنمية قدراته الفكرية للفهم والإدراك، فحتى لو قرأ تكون قراءته سطحية تخلو من التفكير و التأمل”.
هنا يتحدث الصفار بوضوح عن وضع كارثي لا سيما أن وسائل الاتصال وتطور الإنترنت وفر الكثير من العناء للحصول على الكتب والتعلم وكسب المعرفة، إلا أننا نجد عدم اهتمام كافي أو تجاهل من قبل الجهات المسؤولة في دفع المجتمع نحو التقدم العلمي والمعرفي، بل يرقى في بعض الدول المتقدمة والتي تعتبر مجتمعاتها مُتعلمة إلا أنها تدفع عبر قراراتها السياسية لتجهيل المجتمع وفي أحسن الأحوال أن يكون مجتمع استهلاكي ولا يُجيد سوى ابتكار التفاهة وإضافة مساحيق تجميلية عبر عناوين جذابة ظاهرها التقدم وباطنها السيطرة على المرأة.
وفي كتاب ( عن المرأة الدين والأخلاق ) للكاتبه نوال السعداوي تُشير وبشكل واضح كيف أن المساس بالسياسة ممارسة أو نقداُ يتشابه لحد كبير في نقد المقدس الديني وإن المؤسسات التعليمة والعائلة لا تصنع مجتمع يُمارس التفكير الحُر فضلاً عن التفكير النقدي؟ “لا تسعى التربية في بيوتنا أو مدارسنا إلى إنتاج الشعب الشجاع القادر على تجاوز الحدود التي يفرضها المقُدس في الدين أو المُقدس في الدولة والعائلة، بل العكس تقوم على التربية في البيوت والمدارس والجامعات على ترسيخ الخوف من المقدس الديني والمقدس السياسي في آن واحد”.
وتبين الكاتبة السعداوي عن نتيجة عدم وجود الديمقراطية والحرية “إن غياب الديمقراطية أو الحرية الحقيقة في حياتنا السياسية من أهم العقبات أمام الباحثين والباحثات في أي مجال من مجالات العلم والمعرفة”، إذًا، لا انفكاك من علاقة المرأة بالسياسية ايجاباً أو سلباً وإن العلاقة طردية كلما ارتفع مستوى الوعي السياسي عند المرأة كُلما تمكنت من نيل الاستحقاقات والعكس مزيداً من التشرذم والاستعباد والاستغلال لكل النساء.
تؤمن الكثير من النساء كما سمعت وقرأة منهن أن المرأة في المجتمعات الدينية لا سيما في الشرق يتم تملكها واستعبادها بإسم الدين، وأن المرأة في المجتمعات الدينية في الغرب يتم تملكها واستعبادها بإسم الحرية. هُناك النظام البطريرك وهنا النظام الرأسمالي و كلاهما يُشكل جحيم مُشترك ضد إنسانية المرأة.
المرأة والاقتصاد
واجهت المرأة في المجتمعات الدينية الكثير من التحديات من أجل الحصول على الاستقلال الاقتصادي والذي يُشكل حماية لها من تقلبات الظروف العائلية والزوجية والذي بالضرورة ينعكس على تحسين اقتصاد الوطن، إلا أن بعض الأعمال بقت لعقود من الزمن محصورة للرجل مُستندا إلى مُبررات مُتعددة مما حرمها من فرص الاستقلال والمُساهمة في التنمية الاقتصادية.
طالما أن المورد الاقتصادي يُشكل هاجس و يُحد من قُدرات المرأة في العطاء التربوي بما له من أهمية، وتحقيق ذاتها من خلال ما تصبوا له من طموح سواء على مستوى ذاتها أو بنات جنسها أو حتى أن تكون عضو مؤثر في التغيير الاجتماعي والثقافي بصورة تراكمية مما يخلق حالة من الوعي النوعي ومن خلاله يمكن أن نرى قيادات نسائية في القطاع الاقتصادي في كل المجتمعات الدينية والتي كثير منها تعاني الفقر نتيجة لعوامل عديدة. لا يُمكن أن تُطالب فتاة شابة أو أم أو زوجة أن تكون فاعل مؤثر في مجتمعها وهي لا تملك ما يسد جوعها فضلاً عن جوع أطفالها.
إن على عاتق النخبة النسائية الواعية أين كان انتمائها الديني والفكري، أن تنطلق في العمل على دراسات اقتصادية نسائية على امتداد الأوطان من أجل نهضة نسائية مستقلة قادرة على أن تُشكل رافد حقيقي يجعل المرأة تعيش بكرامة وإنسانية في هذا العصر الرأسمالي المتوحش للغاية.
مستقبل المرأة
من الصعوبةِ تقديم استقراء دقيق وواقعي عن مشهد المرأة في المجتمعات الدينية، ليس لتنوع المجتمعات ولا تغييب الحريات مع أهميتها، بل لضعف مراكز الأبحاث وعدم استقلال كثير منها، والتي تعني أنها تخدم أجندة مُحددة لصالح البطريركية والرأسمالية ولا يُراد منها تقديم دراسات لمعالجة العديد من قضاياهن المصيرية. تقول الكاتبة الكويتية مريم العتيبي وفق قناعتها: “لا مستقبل سياسي، ولا اقتصادي ولا اجتماعي ، بل الحاصل هو قتل وإبادة للنساء و دعشنة”، نموذج قد يكون فيه شي من التشاؤم كما قد يرى البعض و رُبما قد يعود السبب إلى كثرة الاخفاقات في صناعة التغيير المنشود أو حجم التحديات الكبيرة.
لا يزال أمام المناضلات مسافة بعيدة من أجل قطاف ثمار التغيير المتنوعة، إن التغيير يبدأ من المرأة إلى المرأة لأنهن اللاتي قادرات من خلال العمل الفكري والثقافي الذي يُخرج كثير من النساءِ من كهوفِ الجهل والخرافات والأساطير والاعتقاد أنهن ضعيفات لا يملكن قُدرات على تغيير واقعهن، والذي من المؤكد أنه سوف ينعكس على المجتمعات، مما يعني أن الحد من كل صور الحروب والصراعات المتعددة تبدأ بها وتنتهي بها.
نحن لم نكن على ما نحن عليه معشر الرجال من منصاب وأدوار سلباً وإيجابياً لو لا تلك المرأة الأم، والأخت، والبنت اللاتي يؤثرن في حياتنا. إنها دعوة للمراجعة وتفكيك العلاقة بين واقع المرأة ودور الرجل من أجل صناعة مستقبل مُشرق لكل البشرية.
سيدتي المرأة العدو المُشترك هو أيدولوجيا تُسطير على المشهد الديني والسياسي والثقافي الذي يُكرس ضعفكِ ويصنع صراع جندري طويل الأمد ليتمكن المستفيد من وراءنا لمدة أطول للسيطرة على البشرية جمعاء.