باتت البنى التحتية واحدة من أهم عناصر الضغط والإضرار في الحرب الروسية على أوكرانيا، وسلاحا تم التدرج في استخدامه ضمن سياق محاولات كل طرف لتحقيق نقاط لصالحه في الحرب المتواصلة بوتيرة تصاعدية منذ اندلاعها في فبراير/شباط الماضي.
وبالنسبة لموسكو، شكّل استهداف جسر القرم مطلع الشهر الحالي منعطفا جديدا في اختيار البنى التحتية كأهداف للعمليات العسكرية، إذ اعتبر الكرملين تفجير الجسر “استفزازا وتجاوزا حساسا للخطوط الحمراء”، ولم تتأخر موسكو في الرد باستهداف مكثف لبنى تحتية داخل مدن أوكرانية، بما فيها العاصمة كييف.
ومن بين أمور أخرى، تدرك روسيا مدى أهمية منشآت توليد الطاقة في أوكرانيا، ولا سيما بالنظر إلى تبني كييف لإستراتيجية رفع حصة الطاقة الخضراء في البلاد بحلول عام 2030 إلى 25% على الأقل.
وأعلنت أوكرانيا أنها فقدت نحو 90% من طاقة الرياح، و50% من الطاقة الشمسية بسبب الحرب مع روسيا.
ويؤكد هذا؛ ما ذكرته خدمة المراقبة العالمية التي أفادت بتسجيل انقطاعات خطيرة للكهرباء والإنترنت في مناطق كثيرة داخل أوكرانيا بعد الهجوم الصاروخي الروسي واسع النطاق صباح 22 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
الهدف الأول: محطات الطاقة
وبدأ القصف الروسي المنتظم للبنية التحتية الحيوية في أوكرانيا منذ العاشر من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وأصاب الضرر في المقام الأول محطات توليد الطاقة والمحطات الفرعية. وأصبحت الغارات الجوية المتواصلة وانقطاع التيار الكهربائي أمرا مألوفا بالنسبة لسكان أوكرانيا، رغم عدم تسبب ذلك بضرر بالغ للاقتصاد الأوكراني، إذ واصلت المحطات الفرعية عملها بجهد 750 كيلوفولتا بدون أن تصاب بأذى كبيرا.
ورغم تأكيد السلطات الأوكرانية تمكنها من إصلاح أغلب المحطات التي تعرضت للقصف الروسي، ولا سيما في كييف وسومي ودنيبروبتروفسك، إلا أنه وفقا للبيانات التي نشرها رئيس مجلس الدوما الروسي فياتشيسلاف فولودين، فقد أصيبت أكثر من 70 منشأة للطاقة في أوكرانيا، الأمر الذي أفقد البلاد نصف الطاقة المولدة.
إلى جانب ذلك، يمكن للأحوال الجوية أن تلعب دورا إضافيا ومؤثرا لصالح روسيا في الضغط على أوكرانيا، فقد بدأت الحكومة الأوكرانية الاستعداد لفصل الشتاء في كييف، وقد وصفته بـ”الصعب”، وأوصت المواطنين بأخذ استعداداتهم، حيث من المتوقع ألا تتجاوز درجة الحرارة في الشقق 16 درجة مئوية.
تبرير روسي
وتشير أغلب قراءات الخبراء العسكريين الروس إلى “شرعية وفعالية استهداف القوات الروسية للبنى التحتية في أوكرانيا”، ويعتبرون أن كييف هي من بدأ في “الضرب على العصب الحساس”.
ومن هؤلاء محلل الشؤون العسكرية ألكسي سابونكوف الذي يشير إلى أن “الكهرباء ليست فقط إنارة في المنازل، بل محطات جر للقاطرات الكهربائية، وعمل المصافي والمصانع”، متابعا أن “الهجمات على البنية التحتية الأوكرانية تتوافق مع قوانين الحرب، خصوصا عند خرقها من قبل الطرف الآخر”، على حد قوله.
ويتابع أنه بالنظر إلى عواقب استفزاز كييف باستخدام “قنبلة قذرة” نووية تعتبر -وفقا له- أكثر خطورة من تلك الحوادث في محطة تشرنوبل للطاقة النووية أو فوكوشيما، فإن استهداف البنى التحتية سيكون أكثر مشروعية وفعالية، وستنجم عنه أوضاع داخل أوكرانيا لن يكون بمقدور السلطات في كييف تحملها.
ويشير -في هذا السياق- إلى تجربة الحرب في يوغوسلافيا، عندما استهدفت قوات الناتو 1250 منشأة طاقة، ما سرّع باستسلامها، وأنه مع النقص الملموس في إمدادات الطاقة الآن، سيتعين على أوكرانيا “وقف الصناعة”، الأمر الذي سيفيد الجيش الروسي بشكل مباشر، وفق رأيه.
على حافة صدام كبير
بموازاة ذلك، لا تزل الأوضاع متوترة في مقاطعة خيرسون ومحيطها، على ضوء الحشود العسكرية الأوكرانية تمهيدا لعمل عسكري ضد المقاطعة التي ضمتها روسيا مؤخرا، إضافة إلى 3 مقاطعات أخرى.
وترى موسكو في أي عمل عسكري أوكراني ضد هذه المناطق “تعديا على وحدة أراضيها”، وأعلنت على ضوء ذلك حالة الحرب والأحكام العرفية في خيرسون.
ويرى محلل الشؤون الجيوسياسية ديمتري كيم أنه عشية وقوع صدام كبير بين القوات الروسية والأوكرانية على خطوط التماس مع خيرسون، “تحاول روسيا تقليل الخسائر بين السكان المدنيين”.
ولا يستبعد كيم -في حديثه للجزيرة نت- أن “تحاول القوات الأوكرانية تفجير السد في محطة كاخوفسكايا لتوليد الطاقة الكهرومائية لقطع الاتصالات عن القوات الروسية”.
ويتابع أن إخلاء المدينة من السكان أمر بالغ التعقيد بسبب عامل الوقت وحالة الإرباك الممكنة، لكن نجاح ذلك سيضمن “قدرة القوات الروسية على المناورة عند التصدي للجيش الأوكراني، وبالتالي تسريع مسار العملية الخاصة”.