
محسن الموساوي
تشهد العلاقات بين المغرب وفرنسا مستوى جديدا من التوتر بدأ بقضايا الهجرة و تشديد القيود على منح المواطنين المغاربة تأشيرات ، وتعزز بعدم تبادل البلدين الزيارات الدبلوماسية منذ تلك الفترة، وما خلف ذلك من ردود أفعال تصعيدية غير مسبوقة تنذر بتطورات سلبية في أزمة العلاقات المغربية الفرنسية ، ويأتي هذا التوتر في فترة صعبة تشهد متغيرات درامية في الأوضاع الإقليمية والعالمية.
وتجمع المغرب بفرنسا علاقات سياسية واقتصادية وثقافية قديمة للغاية ، ومسار هذه العلاقات لم يكن دائما يسير في اتجاه ايجابي ، بل الثابت في مسار هذه العلاقات هو التباين في المواقف والانتقال أحيانا من وضع جيد إلى وضع متوتر، ومع الأخد بعين الاعتبار هذه التحولات في مسار العلاقات بين البلدين لا يمكن الحديث عن القطيعة المحتملة بينهما ،إذ لا تسمح به معطيات التاريخ وضرورات الجغرافيا، وواقع المصالح الحيوية المتبادلة.
وقد ضل المغرب كأحد مستعمرات فرنسا سابقا مرتبطا باتفاقيات والتزامات مع فرنسا ضمنت لهذه الاخيرة مجموعة من المنافع ومنحتها وضعا تفضيليا في المغرب، سمح لها بالاستفادة من خيرات البلاد، ومكنها من أن تكون حاضرة في الاقتصاد، والثقافة، والتعليم، وكل ما له صلة بالمجالات الحيوية في المغرب ، وهو ما يعكس حال جل مستعمرات فرنسا القديمة ، غير أن هذا الأمر أصبح غير مقبول لدى العديد من الدول ومنها مالي والمغرب فالحضور الفرنسي المبني على الانتفاع من خيرات المستعمرات القديمة لها ، دون أن تعي أن للطرف الآخر حقا أصيلا في صيانة سيادته، وضمان الاستغلال الأمثل لخيراته، أصبح متجوزا في ضل التحولات الإقليمية والدولية ولأن السياسة في عمقها يجب أن يُعاد بناؤها على فلسفة الشراكة والربح المتبادل.
ويعد اعتراف الولايات المتحدة في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على الصحراء المغربية من تدعيات الأزمة ، وخصوصا أن الرباط كانت تنتظر من حليفتها التاريخية دعما في إحداث تحول مشابه في الموقف الأوروبي ، من ملف الصحراء ولم تُبدِ باريس أي إشارات تجاوب مع التوقعات المغربية ، في الوقت الذي ظهرت فيه تطورات في مواقف شركاء أوروبيين (ألمانيا وإسبانيا) ، إذ تعد قضية الوحدة الترابية هي المعيار المحدد لعلاقات المغرب مع شركائه، كما ورد في خطاب سابق للعاهل المغربي بمناسبة ثورة الملك والشعب ، إذ أكد على أن ” ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات “، مشددا على أن المغرب ينتظر من بعض شركائه التقليديين والجدد، الذين يتبنون مواقف غير واضحة، بخصوص مغربية الصحراء، أن يوضحوا مواقفهم بشكل لا يقبل التأويل وكان ذلك بمثابة رسالة واضحة للسلطات الفرنسية للخروج من موقع الظل واتخاذ موقف واضح بشأن ملف الصحراء.
إلى جانب الغموض الذي يشوب موقف فرنسا اتجاه الوحدة الترابية للمملكة ، أصبح للتقارب المغربي ، الأمريكي ، الإسرائيلي ، دور كبير في تفاقم الأزمة نظرا لما نتج عن هذا التقارب من اتفاقيات إستراتيجية ، شملت مجالات حيوية كانت فرنسا قبلها هي شريك المغرب فيها.
وفي نفس السياق ساهمت الاستثمارات المغربية في أفريقيا من توثر علاقتها مع فرنسا فبالرغم من كون هذه الاستثمارات في بدايتها ولا تشكل تهديداً حقيقياً لفرنسا مثل الذي تشكله الصين أو تركيا أو الولايات المتحدة أو غيرها من القوى التقليدية على النفوذ الفرنسي في إفريقيا إلا أن فرنسا لا تنظر بعين الرضى للخطوات التي اتخذها المغرب خلال السنوات الماضية لتنويع شركائه الاقتصاديين والسياسيين والتقليل من تبعيته الاقتصادية لها.
ويبقى التوتر السياسي بين البلدين يخفي في العمق تخوف فرنسا من فقدان نفوذها الاقتصادي والمالي لصالح إسبانيا والصين ، مما جعلها تعكس وجهتها اتجاه الجزائر للضغط على المغرب واستغلال قضية الصحراء المغربية وهي بهذه السياسة تعمق الخلافات والتوترات داخل المنطقة المغاربية.