آراءثقافة

معركة سفح الأهرام يوليو \ تموز 1798م

لم تكن معركة سفح الأهرام بين جيش نابوليون وجيش المماليك في 21 تموز \يوليو من عام 1798م، قبل أن ينتهي القرن الثامن عشر بعامين فقط ـ معركة عسكرية بمعنى الكلمة، لإن الجيش المملوكي هزم في أول المعركة مع مواجهة طليعة الجيش الفرنسي، بل كانت مواجهة بين عالمين وحضارتين، بين تقنية يغذيها عالم يمشي نحو علم المستقبل، وعالم كسول يعيش في عالم الأحلام ويجتر ذكريات الماضي، بين عالم يعيش العلم وينمو به، وبين عالم توقف عنده العلم، وشح فيه الفكر، وتوقفت فيه الحركة العقلية، ونضبت في ربوعه ينابيع الاجتهاد، بين حضارة تنهض وأخرى قد ودعت نظم الحياة منذ أمد، بين عالم يعيش عصر المحاكمات القانونية وآخر يلقى القبض على الإنسان بالتهمة فيوضع على الخازوق وهو ما انتبه له الجبرتي حين كتب كتابه عن الحملة (عجائب الآثار في التراجم والأخبار) فكتب باستفاضة عن محاكمة (سليمان حلبي) الذي اغتال الجنرال الفرنساوي (كليبر) خليفة نابيلون بعد أن فر الأخير إلى فرنسا تاركا مصير الحملة للمقتول.
إذا كان الوزير العثماني والصدر الأعظم (مصطفى قره باشا) وجه رسالته المملوءة بالعنجهية إلى سكان فيينا أثناء حصاره بتلك الحملة الجبارة التي بلغت 250 ألف جندي، بعبارات من أمثال (من ملك ملوك الأرض إلى شعوب النمسا) وأمثال (فإن لم تستسلموا قطعنا كل صغير وكبير بحد السيف) في خريف القرن السابع عشر الميلادي (12 أيلول \ سبتمبر من عام 1683 م) فإن الرسالة التي وجهها نابليون بونابرت إلى أهل القاهرة كانت من نوع مختلف يذكر فيها ظلم المماليك وأنه جاء لتخليص سكان مصر من عسفهم وتجبرهم؟
 

كانت الثورة الفرنسية قد اندلعت عام 1789 م وكانت كما وصفها بعض المؤرخين (مثل الخرفان التي تفترس الأسد؟!) لإنه حسب منظري  ذلك الوقت لم تكن لتخطر على قلب بشر. وأما الحملة الفرنسية فكانت في عام 1798 م قبل أن ينتهي القرن بعامين فقط، محمولة على ظهر مائتي سفينة بقوام بلغ أربعين الف جندي، وحين وقف نابوليون أمام الأهرام خطب في جنوده قائلاً إن أربعين قرناً من الزمن يطل عليكم.     

جاء في كتاب تاريخ (عبد الرحمن الجبرتي) الذي أشرنا إليه في الجزء الثاني منه وهو ينعو ويصرخ بأعلى صوت عن الكارثة التي حلت مع مطلع القرن الرابع عشر الهجري، والتي لاتخلو من المبالغة والطرافة أيضاً على الشكل التالي: (سنة 1213 هـ ثلاث عشر ومائتين وألف.. وهي أول سني الملاحم العظيمة، والحوادث الجسيمة، والوقائع النازلة، والنوازل الهائلة، وتضاعف الشرور، وترادف الأمور، وتوالي المحن، واختلال الزمن، وانعكاس المطبوع، وانقلاب الموضوع، وتتابع الأهوال، واختلاف الأحوال، وفساد التدبير، وحصول التدمير، وعموم الخراب، وتواتر الأسباب، وماكان ربك مهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون)   

ومن الملفت للنظر أن المؤرخ الجبرتي عندما يذكر السنوات التي سبقت الحملة الفرنسية، فإنه إما أن يقول أن لاشيء مهما حدث باستثناء موت بعض العلماء والشيوخ، أو ظلم المماليك وجورهم، أو الكسوف الكلي الذي حدث قبل الحملة بسنة واحدة، والذي يفسر قدوم الحملة فيما بعد؟!.  

وفيما يتعلق بملابسات وصول الحملة الفرنسية يذكر المؤرخ الجبرتي أن الانجليز سبقوا الفرنسيين إلى الساحل المصري وحذروا الشعب المصري قبل وصول الحملة بعشرة أيام في الثامن من محرم من عام 1213هـ وعرضوا عليهم المساعدة للمدافعة عنهم، حتى وصلت الحملة الفرنسية في الثامن عشر من محرم  18\1\ 1213هـ، إلا أن المصريين رفضوا معونة الانكليز، وخاشنوهم بالكلام ورفضوا إعطاءهم الماء والزاد.  

أما المماليك فقد ذكر المؤرخ الجبرتي موقفهم على الشكل التالي: (فلم يهتموا بشيء من ذلك ولم يكترثوا به اعتماداً على قوتهم وزعمهم أنه إذا جاءت جميع الإفرنج لايقفون في مقابلتهم وأنهم يدوسونهم بخيولهم)؟!   

ويبقى موقف الجماهير والعلماء الذين يقودونهم والفرق الصوفية لمما يشي بطبيعة العقلية المسلمة في تلك الأيام. لقد كانوا يقرأون صحيح البخاري ويعيدون كلمة يالطيف آلاف المرات ليدفعوا عن أنفسهم الجنود الفرنساوية؟!.  

جاء في كتاب الجبرتي (تاريخ عجائب الآثار في التراجم والأخبار) مرة أخرى مايلي:  

(وقد كانت العلماء عند توجه مراد بك تجتمع بالأزهر كل يوم ويقرأون البخاري وغيره من الدعوات،  وكذلك مشايخ فقراء الأحمدية والرفاعية والقادرية والسعدية وغيرهم من الطوائف وأرباب الأشاير ويعملون لهم مجالس بالأزهر وكذلك أطفال المكاتب ويذكرون اسم اللطيف وغير ذلك من الأسماء).

والنهاية معروفة.  

https://anbaaexpress.ma/mjbvm

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى