سارع قادة دول العالم إلى تهنئة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بفوزه. وعبروا عن رغبتهم في مواصلة التعاون معه. كما رحب القادة الأوروبيون بهذا الفوز، ورأوا فيه “انتصارا” لأوروبا. وفي السياق، سارع رئيس الجمهورية الجزائري عبد المجيد تبون، بتهنئة نظيره الفرنسي إبمانويل ماكرون، بمناسبة إعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية.
وجاء في نصّ الرسالة، التي نشرتها رئاسة الجمهورية الجزائرية: “يسعدني بمناسبة تجديد انتخابكم الباهر رئيساً للجمهورية الفرنسية، أن أتوجّه إليكم، باسم الجزائر شعباً وحكومة وأصالة عن نفسي، بأحرّ التهاني وبخالص تمنياتي لكم بالنجاح في مواصلة مهامكم السامية“.
وأضاف أن “الثقة التي جدَّدها الشعب الفرنسي فيكم، دليلُ عرفانٍ على النتائج التي حققتموها، وهي شهادةُ تقدير لما تتمتعون به من مزايا رجال الدولة، التي سخرتموها لخدمة مصالح أمتكم ومكانتها على الساحة الدولية“.
وأعرب الرئيس تبون عن ارتياحه لجودة العلاقة الشخصية “المتسمة بالثقة والمودة، وللتطورات التي أحرزتْها ولو نسبياً الشراكةُ الجزائرية الفرنسية“.
وتابع: “إنني في الوقت الذي تُباشرون فيه عهدة ثانية، أتمنى أن تكون ثرية بالجهد الـمشترك في مسار العلاقات الثنائية للوصول بها إلى أفضل الـمستويات المأمولة، أقدِّر أهمية الفرصة التاريخية المتاحة لنا لاستشراف المستقبل والتكفل بطموحاتنا بشجاعة ومسؤولية“.
ولفت تبون إلى أنّ “الرؤية الـمنطلقة من احترام السيادة وتوازن الـمصالح والـمشاورات السياسية والاستشراف الاستراتيجي والتعاون الاقتصادي والعمل الـمشترك من شأنها أن تفتح” للبلدين “آفاق واسعة من الصداقة والتعايش الـمتناغم في إطار الـمنافع الـمتبادلة“.
وختم الرئيس الجزائري رسالته بدعوة ماكرون لزيارة الجزائر، قائلاً: “أقرن هذه التهاني والتمنيات بالتعبير عن سروري باستقبالكم عن قريب في الجزائر، لنُطلق سويا ديناميكية تدفع إلى التقدم في معالجة الـملفات الكبرى، وإلى تكثيف وتوسيع العلاقات الجزائرية الفرنسية“.
وهي أول دعوة يتلقاها ماكرون في عهدته الثانية لزيارة دولة عربية؛ بل هذه الدعوة جاءت من دولة تعرف علاقتها بفرنسا تأزما منذ عامين، منذ أن تأخر ماكرون في تهنئته لتبون إثر فوزه برئاسيات ديسمبر 2019، وكان وزير الخارجية الفرنسي لودريان القناة الوحيدة للتواصل الدبلوماسي بين البلدين بعد أن رفضت الجزائر استقبال رئيس الوزراء الفرنسي، جون كاستاكس مرتين على الأقل منذ توليه هذا المنصب صيف 2020.
وازدادت العلاقات بين الجزائر وفرنسا تطرفا؛ إثر تقليص فرنسا عدد التأشيرات للمغاربيين وعلى رأسهم الجزائريين، ثم الهجوم غير المسبوق من الرئيس إيمانويل ماكرون، قال فيه عدم وجود أمة جزائرية قبل استعمار بلاده للجزائر (1830-1962). وبدت رسالة تبون مثيرة للاستغراب، إذ كيف يسارع إلى هذه الدعوة بعد خطاباته النارية ضد فرنسا.
جاء معجم الرسالة مفعما بكلمات الود والتقدير، لدرجة أن الرسالة لا توحي بأي شيء من خلاف سابق.
من الأسئلة التي طرحها المراقبون حول خلفيات الرسالة: هل بالغ تبون في كرم مشاعره بهذه الطريقة ليعبر لماكرون عن مرونته واستعداده لاستئناف العلاقة بعد أن تأكد أن قراراته الصارمة أتت أكلها وأن ماكرون استوعب الدرس؟
أم أن تبون أدرك أن العلاقة بين البلدين ستزداد تأزما جراء تصلب مواقفه، وأن هذا التصلب سينعكس عليه سلبا؟
أم أن تبون أدرك أن ماكرون سيرفض الدعوة؛ وهكذا سيجدها تبون ذريعة لتوسيع الأزمة الجزائرية الفرنسية؟
قبل موعد الزيارة، تحدث موقع إسباني أن ماكرون سيلعب دور الوسيط لحلّ الأزمة بين الجزائر والمغرب. ولم تعلن الجهات الرسمية من الجزائر أو فرنسا أية تفاصيل عن الزيارة المرتقبة لماكرون.
في هذا الصدد، نقلت صحيفة “الحرة” الأمريكية عن موقع “أتلاير” الإسباني أن الرئيس الفرنسي سيسعى إلى حلّ الخلاف بين الجزائر والمغرب لتجسيد مشروع خط أنابيب غاز “ميدكات” الذي سيساهم في تزويد أوروبا بالغاز في وقت تتخوف فيه دول القارة من غلق صنبور الغاز الروسي.
وقالت النسخة الفرنسية لموقع “مغرب إنتلجنس” إن الرئيس ماكرون سيبحث العديد من القضايا الإقليمية المهمة مع المسؤولين الجزائريين خلال زيارته، بما في ذلك التوترات السياسية مع إسبانيا والمغرب بشأن قضية الصحراء، وسيجلب معه مقترحا عمليا لمحاولة نزع فتيل الأزمة التي أصبحت تثير قلق الاتحاد الأوروبي بشكل خاص.
وأورد المصدر ذاته أن الأمر يتعلق باقتراح تنظيم “قمة مصغرة” يكون مكانها باريس أو أي مدينة فرنسية أخرى مستعدة لاستضافتها، على أن يجتمع فيها دبلوماسيون مغاربة وجزائريون وإسبان بهدف مناقشة الحلول الممكنة والقابلة وللتطبيق، ومن أجل تهدئة العلاقات الثنائية بين الجزائر وإسبانيا من جهة والجزائر والمغرب من جهة أخرى.
جاء ماكرون مرفوقا بوفد هام ضم 90 شخصية، ودامت الزيارة ثلاثة أيام (25،26 و27 أغسطس)، زار فيها العاصمة ومدينة وهران. زار ماكرون الجزائر وعدد من رموز العهد القديم يقبع في السجن أو هارب من العدالة، من ضمنهم بعض أصدقائه: عبد المالك سلال وأحمد أويحيى وعبد السلام بوشوارب.
صحيح أن أزمة الغاز العالمية أجبرت الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على القيام بـ”استدارة محرجة” تجاه عبد المجيد تبون بعد عام من أزمة بين البلدين تسببت بها تصريحاته، وفق صحيفة “إكسبريس” البريطانية، لكن طبيعة الأزمة بين البلدين هي من طبيعة علاقتهما، وأن الحرص الفرنسي على تطوير هذه العلاقة مبدأ لا فكاك منه مهما كانت الظروف والصعوبات، حتى أن صحيفة فرنسية قالت إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مهووس بالجزائر ويسعى لمصالحتها بأي ثمن ولو على حساب المغرب حليفة باريس التقليدية في المنطقة. لكن الحقيقة خلاف ذلك، باعتبار أن فرنسا في علاقتها بمستعمراتها ستعرف تحسنا مهما مهما كانت الصعويات.
ورافق الرئيس الفرنسي وفد كبير من الحكومة الفرنسية، برئاسة وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية كاثرين كولونا، ووزير الاقتصاد برونو لو مير، ووزير الداخلية جيرالد دارمانين.
إلى جانب وزرائه، رافقته شخصيات مؤثرة وخاصة أولئك الذين لهم صلة بالجزائر مثل مؤرخ العالم العربي الخبير جان بيير فيليو، عالم الإسلام جيل كيبيل وبالطبع المؤرخ بنجامين ستورا. وأيضا جاك لانغ، ذو الأصول اليهودية ورئيس معهد العالم العربي وصاحب كتاب “اللسان العربي كنز فرنسا”. وكان ضمن الوفد ولأول مرة شخصية دينية يهودية صهيونية غابت لأسباب صحية، ما يعني أن الجزائر لم تعترض ولم تتحفظ عن زيارة هذه الشخصية. وقال الحاخام حاييم كورسيا، في تصريحات نقلتها وكالة فرنس برس: “لم أتلق أي ضغوط بل دعاني الرئيس وشدد على الدعوة، وأصدرت الجزائر تأشيرتي وأرادت أن أكون هناك لذلك ليست هناك أي مشكلة”.
ويمكن اعتبار تلك الزيارة بحد ذاتها رسالة مفادها أن البلدين عقدا العزم على طي الصفحة القديمة وفتح صفحة جديدة. وأن المشكل الذي قيد التدبير يكمن في تحييد اللوبي الفرانكوجزائري الذي هيمن على العلاقة منذ بداية التسعينيات ولعل بعض رموزه الجزائرية مازالت تقبع في السجن أو تم الإفراج عنها بشروط وهي التي كانت على صلة برئيس المخابرات الفرنسية السابق (إيف بوني).
ولعل الرسالة الأكثر أهمية وغموضا، هي وجود شخصية يهودية صهيونية ضمن الوفد المرافق لماكرون، هو الحاخام حاييم كورسيا الذي غاب بسبب إصابته بكورونا. إن إعلان الرئاسة الفرنسية عن وجود الحاخام حاييم كورسيا ضمن الوفد هي رسالة من فرنسا مفادها أن العلاقة بين البلدين مشروطة باحترام الصهيونيا ولاسيما أن حزب ماكرون يعمل منذ عامين على إصدار قانون تجريم معاداة الصهيونيا؛ ووجود شخصية صهيونية بارزة ضمن الوفد هي رسالة من إسرائيل إلى الجزائر مفادها أن العالم يعترف بنا، فإلى متى تبقى الجزائر تصنفنا كأعداء؟ أما عدم إعلان الجزائر بشكل رسمي عن رفضها لهذه الشخصية الصهيونية هي رسالة تؤشر على تغير في الموقف من إسرائيل وليس تغيرا في المبدأ.
وشدد الرئيس الفرنسي في تصريحاته خلال هذه الزيارة على الخروج من الحلقة المفرغة للماضي، وعدم السماح له بإعاقة ذهاب البلدين إلى المستقبل، مؤكدا على اعتماد مقاربة واقعية وبراغماتية لمسألة الذاكرة وفق الرؤية التي صاغها مستشاره بنجامين ستورا. “وقال: نريد بناء المستقبل دون التعتيم على أي شيء من الماضي الاستعماري. مع التركيز على رواد الأعمال الشباب والشركات الناشئة”.
وفضلا عن ملف الطاقة والشراكة الاقتصادية والتجارية، وملف الذاكرة، هناك ملف الهجرة بشقيها النظامي وغير النظامي. قال ماكرون “اتفقنا على محاربة الهجرة غير الشرعية”. وحول منح التأشيرة، قال “ندرس منحها لفئات معينة مثل مزدوجي الجنسية، الممثلين، الرياضيين، رجال الأعمال، والسياسيين الذين يعملون على تقوية العلاقات الثنائية بين البلدين”. وهي رسالة مفادها أن فرنسا ستركز على الجودة في علاقتها بالجزائر، وأن زمن العشوائية قد ولى.
وكذلك ملف الساحل الذي عرف تحولات تراجيدية في علاقته بفرنسا التي ستتم الإعلان عن استراتيجيتها في الخريف المقبل.
وبخصوص ملف الذاكرة، أعلن ماكرون عن تشكيل لجنة من المؤرخين بين بلده والجزائر ستعمل على دراسة موضوع أرشيف حقبة الاستعمار الفرنسي في الجزائر. وهي رسالة مفادها أنه حان وضع مسألة الذاكرة بين يدي مختصين وسحبها من التداول السياسوي.
إن قراءة في تفاصيل هذا الحدث، وفي المعطيات ذات الصلة برحيل تبون عن رئاسة الوزراء عام 2017، ومخرجات حراك فبراير، والأزمة الفرنسية الجزائرية المترتبة عن سوء قراءة ماكرون للتحولات الجزائرية، كانت تؤشر أن العلاقة الفرنسية الجزائرية (بين تبون وماكرون) ستتقوى وستعرف منعطفا جديدا، وستكون لفرنسا حصة الأسد من الربح، حيث ستسمح هذه العلاقة المستأنفة لفرنسا من استعادة مكانتها في أفريقيا ولكن بشكل مختلف، وهو وضع سيكون على حساب الخطط الأمنية الروسية. وفي جميع الأحوال تكون فرنسا قد أفسدت ولو بشكل جزئي الطموحات الروسية والصينية. أما الجزائر، ولاسيما ريجيم تبون سيستفيد من الدعم الفرنسي. وقد تستفيد الدولة الجزائرية من هذا الوضع الجديد في حالة ما إذا توفرت الإرادة والكفاءة السياسيتين، ولو سارت الأمور بشكل عقلاني، من المحتمل أن تعود العلاقة الجزائرية المغربية والعلاقة الجزائرية الإسبانية إلى مجراها الطبيعي، بعد التحرر من التمثلات الأيديولوجية لجملة من القضايا ولاسيما القضية الفلسطينية ونزاع الصحراء. أما إذا تغلبت العوائق الأيديولوجية على الواقعية، أو تأزم الوضع السياسي الداخلي، ففي هذه الحالة سيكون الوضع مفتوحا على جميع الاحتمالات.
وليست زيارة رئيسة الوزراء الفرنسية، إليزابيث بورن للجزائر سوى حلقة من مسلسل قد يمتد إلى نهاية 2023 حتى تتضح ملامح العلاقة بين البلدين تقاطعا وتصاديا مع التحولات الإقليمية والأممية ذات الصلة بالدور الجزائري على الصعيد العربي والأفريقي على سبيل المثال.