
بقلم: سيدي اسباعي
عجت خلال الفترة الأخيرة مختلف وسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواع وصنوف السب والقذف بين الصحراويين فيما بينهم، كل حسب رأيه واتجاهه السياسي وكذا موقفه أوالطرف الذي يناصره، وزادت حدة هذا الوضع قبل وبعد انعقاد لقاء لاس بالماس ” ملكى أهل الصحرا”، اللقاء الذي شاركت فيه مجموعة من الصحراويين سواء من وجهت لهم الدعوة أو بصفتهم منتمين لحركة صحراويون من أجل السلام، أو حتى أولئك المتعاطفون مع مشروعها السياسي الذي أعلنت عنه، وأمام هذه الوضعية التي تجسد الإمعان في تكريس تيه وضياع المصير لا البحث عن تقريره، تلك الحالة تبرز بما لا يدع مجالا للشك أننا أمام غياب تام لدى كثيرين أن حل قضية الصحراء لن يكون وليد حلبات المصارعة الافتراضية بين أبناء الجلدة الواحدة، بل نتاج تفكير أعمق وأرقى مما نحن عليه الآن.
السياسة أم العاطفة؟
مسألة جوهرية لا يمكن الاختلاف حولها، وتتمثل في أن القضية تشكل أزمة سياسية بامتياز ولن تحل بالعاطفة والمشاعر الجياشة، والحالة هذه ينطلق البحث عن حل لها من توفير نقاش عمومي ينكب على طرح الحلول السياسية الممكنة وبتوافق جميع أطراف النزاع، الأمر الذي تسلم به جبهة البوليساريو وحتى المغرب حين يتعلق الأمر بخطابات وقرارات الأمم المتحدة، طبعا مع فوارق في التأويل ومن حيث منهجية وغايات الترويج الإعلامي الموجه للرأي العام بالنسبة لكل طرف، وبطبيعة الحال في خضم كل ذلك تتشابك المصالح السياسية والاقتصادية لكثير من الأطراف الإقليمية والدولية بشكل تحولت معه قضية الصحراء بالنهاية إلى ملتقى طرق تجتمع فيه أجندات سياسات خارجية دولية متعددة ومختلفة…
من جهة أخرى فإن العاطفة والشعور الصحراوي الافتراضي وأقصد هنا ما نراه على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي، تلك المساحات الافتراضية التي تؤكد وبالملموس أننا أمام سلوكات وممارسات مزيفة للدفاع عن أشياء غير مفهومة في كثير من الأحيان، وبالمناسبة يكفي أن نسلم بانعدام وجود عائلة صحراوية واحدة غير منقسمة المواقف بين مؤيد لأطروحة البوليساريو وآخر يؤيد الطرح المغربي، بل أكثر من ذلك لا توجد هناك قطيعة بين أفراد العائلة الواحدة بسبب المواقف السياسية المتباينة والمتناقضة، فضلا عن نماذج أخرى كثيرة تؤكد أن ما نراه من أفعال وردود أفعال على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي لا تعبر عن واقع وحقيقة الوضع.
تمثيل الصحراويين بين الشرعية والمغالطة
مسألة تمثيل الصحراويين بدورها موضوع تمت إثارته في معمعان الجدل القائم بخصوص تعدد المشاريع السياسية الموجهة للصحراويين، إلى درجة حول بعضهم شرعيتها إلى صنم مقدس، بل باتت مطية تستعمل كدرع لقمع كل من يعارض مشروعا سياسيا معينا، ويتكرس هذا الأمر برفض وجود أي صوت يمتلك رؤية نقدية داخل القنوات التنظيمية لمختلف الإطارات السياسية الصحراوية، وهذا ما يتنافى وشعار الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان بصفة عامة باعتبارها مسألة كونية وغير قابلة للتجزيىء.
في ذات السياق يأتي بروز حركة صحراويون من أجل السلام، لتجسد لنا أن منطق التطور يفرض الخروج من وضعية المشروع السياسي الوحيد والأوحد وأن إمكانية التعدد أمر متاح ومشروع، كما يسلط الضوء على حقيقة أن التمثيلية الوحيدة للصحراويين مغالطة يتشبث بها البعض لغاية في نفس يعقوب.
أكثر ما نحتاجه اليوم هو الإسهام في توفير أجواء الحوار والتسامح بين الصحراويين حول مصيرهم دون احتكار أو إقصاء أو مصادرة للحق في التعبير، إلى جانب التحلي بالجرأة من طرف مختلف المكونات السياسية في نقل حقيقة الوضع للصحراويين والصحراويات خاصة تلك الفئات التي تغلب لديها هورمونات العاطفة على الواقع، وتختار تسييد خطاب التخوين والعمالة في مواجهة كل فكرة تختلف عنها.
هل عقد لقاءات تضم شيوخ القبائل الصحراوية تجسيد للوحدة الوطنية ولإجماع الصحراويين ؟؟
هذا التساؤل يقودنا للوقوف قليلا على مفهوم الوحدة الوطنية ومحاولة ربطه بلقاء عين بنتيلي في أكتوبر من سنة 1975، بهدف ترسيخ فهم الأجيال اللاحقة أنه خلال ذلك اللقاء أجمع الصحراويون عبر مختلف شيوخ القبائل الصحراوية على مشروع جبهة البوليساريو، فإن كان الأمر بتلك السهولة التي يتخيلها البعض، فكيف أصبح للمغرب مناصرون في صفوف الصحراويين مادام هناك إجماع محسوم على مشروع البوليساريو السياسي؟ ثم كيف نفسر مشاركة شيوخ مختلف القبائل الصحراوية لحفل البيعة والولاء وتأكيد مبايعتهم للملوك العلويين؟، ألا يمكن أن نعتبر أن هذا أيضا إجماععلى مغربية الصحراء؟؟؟
غير بعيد عن ذلك، وفي كثير مننقاشات وجلسات شاي قيادات من الرعيل الأول المؤسس لجبهة البوليساريو، يؤكد بعضهم أن شيوخ وأعيان القبائل الصحراوية خلال مرحلة التأسيس لم يقبلوهم وعبروا عن رفضهم لخطاب البوليساريو، معتبرين أن من يروجونه مجرد شباب مراهق وليس على درجة من الوعي والإدراك لما يحاولون القيام به، أو بعبارة أوضح كما قيل في ذاك الإبان، “هذو ألا شي من التريكة”، فكيف يمكن في ظل هذه المعطيات الحديث عن إجماع حول ممثل شرعي وحيد وأوحد، في الواقع هناك أشياء لا يمكن التعامل معها على أنها كتاب مقدس، بل تستوجب التفكير فيها بنوع من العقلانية والمنطق بعيدا عن العاطفة وزغاريد “التحمجي” الأعمى.
في المحصلة النقاش العمومي العقلاني حول وحدة المصير أمر مفيد وخطوة صحيحة في اتجاه تكريس وترسيخ التعددية السياسية وخلق ثقافة ديمقراطية حقيقية تنبتي على الصراع الفكري وقبول الآخر، ورفض التعددية السياسية بمبرر أنا وبعدي الطوفان، اعدام للديمقراطية وإعلان عن فشل هذا الوضع الستاتيكي البئيس الذي يرافقنا لعشرات السنين.
العيون الكبرى



