آراءثقافة

رسالة نابليون إلى أهالي مصر

نزل نابليون مع أربعين ألف جندي في بر مصر، ولم يكن غبيا، بل إصطحب معه قافلة تضم 170 من العلماء وتقنية الحروب الحديثة، من المدفع والاصطفاف العسكري التي وقف يتحدى بها المماليك مع خيولهم، فهزموا وولوا الأدبار فلم يكن نابليون من العبيد المصريين الذين اعتادوا الركوع والعقاب بالخازوق التركي!
هرب المماليك من الذين تخشبوا مع الزمن على أكتاف المصريين المنهكين منذ أيام فرعون بيبي الثاني، وتركوا مصير مصر وأهلها للغازي الجديد! والمهم أنه درس سيكولوجية الشعوب وكان معه لابلاس عالم الفلك وآخرين مختصين بدراسة الآثار وهو مانفعنا حين عرفنا اللغة الهيروغليفية على يد شامبليون الذي درسها 14 سنة، حتى فكها من الخرطوشة وهي العلامة أو الختم الملكي كما أن حجر رشيد كان مكتوبا بثلاثة لغات، واحدة يونانية والثانية ديموطيقية، والثالثة هيروغليفية، اللغة المقدسة.
يبقى الآن أن نتملى في رسالة نابوليون إلى أهل القاهرة فهي تحتاج إلى تمعن وتأمل بالغين . ولنحاول (استنطاق النص).  

 (( بسم الله الرحمن الرحيم . لاإله إلا الله . لاولد له ولاشريك له في ملكه . من طرف الفرنساوية المبني على أساس الحرية والتسوية ( يشير إلى مباديء وشعارات الثورة الفرنسية في المساواة والأخوة والحرية ).

 السر عسكر الكبير أمير الجيوش الفرنساوية بونابارته يعرف أهالي مصر جميعهم أن من زمان مديد الصناجق الذين يتسلطون في البلاد المصرية يتعاملون بالذل والاحتقار في حق الملة الفرنساوية، ويظلمون تجارها بأنواع الإيذاء والتعدي، فحضر الآن ساعة عقوبتهم وأخرنا من مدة عصور طويلة هذه الزمرة المماليك يفسدون في الأقليم الحسن الأحسن الذي لايوجد في كرة الأرض كلها (يقصد مثلها).

فأما رب العالمين القادر على كل شيء فإنه قد حكم على انقضاء دولتهم. قد قيل لكم أنني مانزلت بهذا الطرف إلا بقصد إزالة دينكم، فذلك كذب صريح فلاتصدقوه، وقولوا للمفترين أنني ماقدمت إليكم إلا لأخلص حقكم من يد الظالمين وأنني أكثر من المماليك أعبد الله سبحانه وتعالى وأحترم نبيه والقرآن العظيم (؟!). وقولوا أيضاً لهم أن جميع الناس متساوون عند الله وأن الشيء الذي يفرقهم عن بعضهم هو العقل والفضائل والعلوم فقط، وبين المماليك والعقل والفضائل تضارب … الخ)  

 وبتأمل الفقرات المنتقاة بعناية للضرب على الوتر الحساس، وبغض النظر عن التملق الكاذب، والمناورة المفضوحة في كلمات الداهية الفرنسي فإن العمق السياسي وفهم هذه الشعوب وكيفية الدخول إلى قلوب أفرادها لمما يلفت النظر، ومازلت أتذكر حرب عام 1967م بين العرب واسرائيل حيث كانت حرب الدعاية الإسرائيلية تنفث كلمات من هذا القبيل للجندي العربي أن حان الوقت للتخلص من حكامكم الظالمين وكنت اسمعها واقول بعضها صحيح، إن كل هذا أي الدراسة النفسية للخصم، ومحاربته بطريقة علمية من الجانب التقني والإعلامي النفسي هي من شروط التفوق والغلبة، وهو ماكان الجنرال الفرنسي يبرع في استخدامه.

إن الحملة الفرنسية التي تنبه المؤرخ (عبد الرحمن الجبرتي) إلى جوانب أساسية فيها كانت تحمل جناحاً عسكرياً، جنباً إلى جنب مع فريق علمي ضخم على ماذكره بسام العسلي في كتابه (نابليون بونابرت) من سلسلة مشاهير قادة العالم: (لقد تم الإعداد لحملة الشرق بما يتوافق مع أهداف الحملة عسكرياً واقتصادياً وعلمياً وأدبياً وفنياً. وقد ظهر ذلك في تكوين الحملة التي ضمت مايلي من النخب: (21) عالم رياضيات و (3) علماء فلك منهم سيمون لابلاس الذي ذكرناه و (17) مهندساً مدنياً و (13) عالم طبيعيات ومهندس مناجم وجغرافي و (3) من مهندسي تركيب مسحوق البارود والمتفجرات و (4) من المهندسين المعماريين بل وحتى (8) من الرسامين بالطبع كان هذا حرام في زمن المماليك ومن شايعهم من فقهاء السلطة فهم يباهون به خلق الله كذا؟و (10) فنانين ميكانيكيين ونحات واحد وهو من جديد يخالف عقلية الفقهاء في مصر يومها و(15) مترجم. مع ذلك كانت الررسالة حسب سردنا الحالية ركيكة و (10) كتاب رسائل و (22) عامل طباعة مجهزين بأحرف لاتينية ويونانية وعربية. هذا بالإضافة إلى الشعراء والموسيقيين بل والراقصين، ولما كانت عملية إقامة امبراطورية ستصطدم بعاملي الدين واللغة فقد وضع نابليون في اعتباره ضرورة معالجة هذين العاملين لتحويل مصر من دولة شرقية إلى دولة ترتبط بالغرب).   

ويكفي أن نعلم أن هذا الفريق العلمي هو الذي إكتشف حجر رشيد وأعاد الحياة إلى اللغة الهيروغليفية في الوقت الذي كان المماليك مستلقين على ظهورهم، يدخنون الأراجيل في صورة (ملوك الزمان ؟!)، في أشعة الشمس المصرية الدافئة مثل السلاحف أو التماسيح على حافة نهر النيل العظيم ؟!.

إن المؤرخ الجبرتي كما وصفه المؤرخ البريطاني، كان يتمتع بـ (حس حضاري)  ولاغرابة فالعلماء تعرف وتحترم وتقدر بعضها بعضاً، والجهال يتراشقون ويتخاصمون،  والسياسيون يتنازعون، والمتعصبون يحقدون ويتهاوشوون، وضيقو الأفق يكفِّرون، والعنصريون يتقاتلون ويفني بعضهم بعضاً، لإنهم من نار السموم التي أخرجت إبليس والتي تأكل ألسنتها بعضها بعضاً، ليتحول الكل في النهاية إلى حطام ورماد.

https://anbaaexpress.ma/im38g

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى