أفريقيا

إضاءات عن بعض تفاصيل عادات وتقاليد الحرث والزرع والحصاد في منطقة الغرب

ناحية عين الدفالي ونواحيها نموذجا

بقلم : إسماعيل شلحة

أولا: مقدمة تاريخية حول النشاط الفلاحي بمنطقة الغرب

شكل النشاط الفلاحي بكل تنوعاته، أحد الأنشطة التاريخية في مجال الغرب، حيث هذه المنطقة عبر كل العصور التاريخية كانت ميدانا خصبا للنشاط الفلاحي، فحسب الدراسات التاريخية التي اهتمت بالتاريخ القديم لمنطقة الغرب التي من بينها دراسات المؤرخ سعيد البوزيدي أن مجال ممارسة الأنشطة الفلاحية بمنطقة الغرب تعود الى فترة تواجد الرومان في منطقة الغرب وتخومها.

وكما هو معلوم، تتوفر منطقة الغرب على معطيات مجالية فلاحية مهمة، بحيث تعتبر من المناطق الخصبة في البلاد، لذا فالاهتمام بمنطقة الغرب لم يكن من قبيل الصدفة خلال الحقبة الكولونيالية، من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي؛ بل لكون منطقة الغرب من أهم المناطق التي تتوفر على مؤهلات طبيعية ملائمة للنشاط الفلاحي، والزراعي منه بالخصوص؛ ففي منطقة الغرب يوجد سهل الغرب، الذي يتميز بتربته الخصبة، ومصادر المياه المتعدد في امتداده. والامتداد المساحي للمنطقة.. إلخ.

يعد الاستيطان الفلاحي بالمنطقة من أبرز العوامل التي كانت وراء تغيير عادات وتقاليد الفلاحة بشكل عام، والزراعة بشكل خاص. فمنذ أن وصل المعمرون الفرنسيون وهم في استحواذ على الأراضي الممتازة والجيدة و المناسبة للانشطة الزراعية سواء في بلاد الترس البعيدة نسبيا عن الماء، أو بلاد دهس المتاخمة للاودية والانهار في المنطقة.

ومن أثار الاستغلال الزراعي في منطقة الغرب نجد الضيعات الزراعية التي يطلق عليها محليا “الفيرمات”، ففي المنطقة الغرب نواحي جماعة عين الدفالي، جماعة حد كورت، جماعة جرف الملحة، جماعة المرابيح، جماعة توغيلت، جماعة الخنيشات.. إلخ.

كانت المنطقة حديقة الأنشطة الزراعية للمعمرين الذين زرعهم الاستعمار في المنطقة، والذين قضو ما يزيد عن أربعة عقود في المنطقة.

وعلى أثر عملية التثاقف والمقارنة الزراعية في طرائقها وأنواعها وأدواتها.. إلخ، وتتبع في المجال الترابي بين اهتمامات الفلاحين المعمرين، واهتمامات الأهالي، ساكنة المنطقة، وطريقة الزراعة والحصاد لكلا الطرفين.. تبين خلال ذلك التاريخ أن هناك بون شاسع بين طرائق عمل الفلاح الفرنسي المقيم في المنطقة، والفلاح المغربي في المنطقة؛ ولا مجال للمقارنة بين تقنيات وأدوات عند المعمرين والأهالي.. وهذا الامر كفيل بأن يصيب سكان المنطقة بذهول من طريقة العمل في الزراعة والانتاج؟في هذا السياق التاريخي من حياة الاجتماعية في ناحية من منطقة الغرب عين الدفالي والنواحي، كان أهالي المنطقة يعملون في الفلاحة والزراعة بالخصوص وفق عادات وتقاليد توارثوها أب عن جد، فما هي أبرز العادات والتقاليد التي كان يعمل بيها في الفلاحون في ناحية عين الدفالي؟

ثانيا: التعريف بجماعة عين الدفالي

هي إحدى الجماعات الترابية، التابعة لإقليم سيدي قاسم، تتواجد في شرق إقليم، وتتبع ادارايا دائرة تلال الغرب، و يقدر عدد الساكنة بالجماعة بحوالي 24241 نسمة وعدد أسر 4836، موزعة هذه الاسر على عين الدفالي المركز 2849 نسمة 669 أسرة، والباقي يتوزع على 55 دوار بتراب الجماعة.

على امتداد الترابي لجماعة عين الدفالي التي تعد من أكبر الجماعات الترابية مساحة على صعيد إقليم سيدي قاسم، تتوفر الجماعة على مؤهلات طبيعية مهمة للنشاط الفلاحي، ومن بين أهم المعطيات المجالية في التراب نجد طبيعة التضاريس التي توصف في المنطقة على أنها متنوعة يطغى عليها الانبساط. في الامتداد التضاريسي المنبسط يتم مزاولة النشاط الزراعي بكافة أشكاله الممكنة، حسب وضعية الماء، فهناك ناحية من التضاريس التي تعتمد على الامطار في الزراعية، وهناك مناطق تعتمد على مجرى واد رضات والمياه الجوفية. ما أردنا الإشارة له، أن العمل الأول في المنطقة الذي تدور حول حياة الساكنة هناك، هو الفلاحة والزراعة بالخصوص.

في السنوات الأخيرة، أصبح الفلاحون الصغار في منطقة عين الدفالي ومحيطها متأثرون بتقلبات المناخية التي عرفها المناخ المغربي، خصوصا قلة التساقطات التي سجلت في السنوات الخيرة وخصوصا الموسم الفلاحي المنفرط، الذي عد من بين أكثر المواسم الفلاحية ضررا على الفلاحين.

ثالثا: لمحة عن بعض تفاصيل عادات الحرث والزرع والحصاد

في الذاكرة الجماعية لساكنة عين الدفالي، وحين الجلوس إلى الشيوخ والمسنون في دواوير الجماعة بعين الدفالي، الذين ولدوا خلال عشرينات وثلاثينيات القرن الماضي، أثناء حديثهم عن بعض محطات من حياتهم، المرتبطة بالعمل الفلاحي والزراعي منه بالخصوص، يقدم هؤلاء المسنون اضاءات تاريخية من خلال روايتهم الشفوية عن مناخ العمل وأحوالهم الثقافية والاقتصادية والاجتماعية في مزاولة النشاط الزراعي، فيتحدث الشيوخ عن عدد زوجات الحرث، وعن عدد البهائم، والخيل، ونحوها من الدواب التي كانت في حوزة بعض العائلات في الدواوير في المنطقة، وكذا عن أعيان الدواوير في المنطقة، ونحوها من الأمور التي تتعلق بالحياة الاجتماعية والاقتصادية.

يشكل الحديث عن الزراعة أحد الموضوعات الرئيسية في الروايات الشفوية في المنطقة، ومرد هذا إلى أن جل الساكنة كانت تمتهن الفلح، من خلال النشاط الزراعي، الذي كان حسب الروايات الشفوية تقليديا، حيث كان يعتمد القطاع الزراعي في المنطقة على الأدوات التالية:

– البهائم للجر.
– الزوجة.
– بدور من الموسم السابق.

بقي اعتماد على هذه الأدوات البدائية في عملية الحرث إلى حدود السبعينات من القرن الماضي، بعض أن عرف المغرب طفرة كمية في عدد الألات الزراعية كالجرار ، والمحاريث بكافة أشكالها وأحجامها، وآلات الزرع.. إلخ.

ومن أوجه العادات والتقاليد التي يتذكرها ساكنة المنطقة، هي بعض العادات المرتبطة بعملية الزراع أو الحصاد، حيث كان أبناء القرى يشكلون مجموعات عمل من أجل مساعدة بعضهم بعضا، كالتويزة، ولامة.. ونحوها من المسميات التي تعني تشكيل فريق عمل من أجل نجاعة عملية الزرع أو الحصاد التي تتطلب قوة عمل.

شكل المسجد، أو حسب الاسم المحلي الجامع،_ كما هو معلوم_أحد الأماكن المقدسة للعبادة، مكانا للتشاور في شؤون اجماعة، والتداول في عمليات الحرث والزرع والحصاد ونحوها من الأمور التي تتعلق بقضايا اجماعة.

ومن الجدير بذكر تعد مسائل الحرث والزراعة والحصاد من بين ما كان يتم تداوله فيه في مجلس اجماعة في أحد اركان المسجد الذي يتوسطهم فيه ابريق من الشاي، من خلال استنتاجنا من بعض الروايات الشفوية، أكثر الأمور التي كانت تؤرق الساكنة هي تأخر الأمطار الموسمية خلال بداية موسم الحرث، فمن الأمور التي كانت يلتجئ إليها أهالي المنطقة حين يتأخر هطول المطر، ففي هذه الحالة يتم احياء سنة صلاة الاستسقاء. وبتزامن مع يوم صلاة الاستسقاء يتم استدعاء جميع اهل الدوار لوليمة “طلب الشتا”؛ الأطفال، والنساء، الرجال.

يتجول الأطفال والنساء في أزقة الدوار للمطالبة بالشتاء.. و يختم هذا العمل بوجبة وليمة أحيانا تكون اضحية فيها بقرة أو عجل، وأحيانا تكون بضع رؤوس من الغنم أو الماعز.

ومن الأمور التي مازال شيوخنا في المنطقة يفاخرونا بها أثناء حديثهم عن تاريخ حياتهم في الماضي، مسألة “طلب الشتا”، حيث يؤكدون على أن اليوم الذي كانوا يخرجون فيه لطلب الشتاء كانوا يعودن في ذلك اليوم مبللين بمطر الشتاء في ذلك اليوم ! وتفسير هذا الامر عندهم يعود بالأساس إلى “النية” و”البركة” اللتان تميز زمانهم عن زمننا، زمن الأجيال الحديثة؟

قصارى القول، كانت هذه لمحة تاريخية عن بعض الوسائل الزراعية في عملية الحرث والطقوس التي تصاحب موسم الحرث أو الحصاد في منطقة جماعة عين الدفالي ونواحيها، حيث كان مشهد الزراعة في الأساس من أجل المعيشة، أي فلاحة تقليدية ومعيشية. أما اليوم في المنطقة ونواحيها، ونتيجة تراكم عملية التحديث الفلاحي والزراعي بالخصوص أصبحت المنطقة تعتمد على الوسائل الحديثة في الحرث والزرع والحصاد.

https://anbaaexpress.ma/miuvn

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى