أفريقيامنوعات

إستفحال أزمة التلوث في المجال السكني بالجماعات الترابية القروية

حالة جماعة توغيلت نموذجا

إعداد.. إسماعيل الراجي 

يعد موضوع البيئة وما تتعرض له من حيف التلوث الناجم عن المخلفات الصلبة أو السائلة أو الغازية؛ أحد أهم الموضوعات التي شغلت المؤسسات الأممية ونحوها من حكومات الدول خلال العقود الأخيرة. فنظرا لما آلت له أوضاع المناخ، ومستوى درجة الحرارة، وعمليات الاستنزاف التي لحقت الموارد التي تنضب، وغيرها من الظواهر البيئية المسجلة في العديد من المناطق على كوكب الأرض أو على مستوى غلافه؛ ولما لذلك من أثر على الحياة الإنسانية على الأرض انبرت بعض المؤسسات لحالة التدهور الذي يسير على قدم وساق منذ قرنين ونيف.

استدعى هذا الامر إعطاء أولويات للبعد البيئي على الصعيد الدولي والمحلي؛ فمنذ سبعينيات القرن الماضي ومؤتمرات حول التغير المناخي(ستوكلهوم1970، قمة الارض1995.. قمة باريس 2015، قمة مراكش COP21، ..) تنعقد من أجل انقاد كوكب الأرض، مما يمكن انقاده من كوارث بيئية؛ سببها الأول التلوث بكافة أشكاله وألوانه وأحجامه.

وفي هذا السياق انخرطت مجموعة من الدول في اتفاقيات دولية وبرتوكولات تتعلق بالتغير المناخي الذي يلزم نهج سياسة عمومية لا تسبب أي ضرر للبيئة…إلخ.
يعد المغرب من البلدان التي انخرطت في سياق البراديغم البيئي، وعليه نجد المشرع المغربي يجعل الإنتاج والاستغلال الاقتصادي والاجتماعي للموارد خاضعا للمنظور البيئي. ومن قوة المغرب الناعمة، العابرة للحدود والثقافات؛ مجاله الطبيعي والمناخي أي البيئي، هذه الثروة الطبيعية تتجلى في جميع مناطق المجال الترابي المغربي المتنوع بخصائصه الطبيعية والمناخية والتضاريسية…حيث مظهر الواحي في الصحراء المغربية، والجبال وتساقط الثلوج في الاطلس، والسهول والتلال الخصبة في الغرب وسايس ونحوها، والغابات الاهلة بالأشجار في الشمال والغرب، والمحيط الأطلسي والمتوسطي الذي زاد المجال الترابي المغربي قوة طبيعية واستراتيجية…إلخ.

تضفي القرى المغربية المتناثرة من طنجة إلى الكويرة رونقا على مشهد المجالي المغربي في الارياف، حيث العمران بتقاليده العريقة والمستحدثة يزيد المجال الترابي نكهة جمالية تجعل الوسط القروي وامتداده من المجالات البيئية النظيفة والمبهجة والسارة للناظرين. ولعل أهم جاذب سياحي قوي في الجماعات الترابية-القروية هو هذا البعد البيئي والخاصية العمرانية التي تميز بعض المناطق المغربية.

لكن، حينما يتم تجاهل البعد البيئي في المجال، وينظر للقرى على أنها فقط تجمعات سكانية، وتتم بصولة الاشتغال بعيدة عن الفهم الحقيقي للمجال الترابي في بعده البيئي، تصبح القرى من مجال بيئي وطبيعي آسر وجذاب إلى مجال ترابي طارد نحو مجالات الترابية الحضرية.

حسب واقع الامر ببعض الجماعات الترابية في الامتداد القروي، ما تزال بعض هذه الجماعات لا تلقي اعتبارا لخدمة تستهدف التلوث في مجالها الترابي، ونحوها من الخدمات التي تقوم بتحييد التلوث الناجم عن مصادر التلوث الرئيسة بتراب السكني.

في السياق الترابي المغربي، تكشف لنا الدراسات المعنية بالبيئة والتلوث، أن مصادر التلوث الأساسية في المجال الترابي المغرب هي متعددة، ومن بين هذه المصادر؛ المياه المنزلية المستعملة، والمياه المستعملة في مجالات الانتاج الصناعي، والتلوث الصادر عن النشاط الفلاحي، النفايات الصلبة…إلخ. هذه وغيرها تعد من مصادر التلوث الأساسية التي ترفع نسبة التلوث في البيئة المغربية، وتشكل خطرا حقيقيا على الحياة البيئية على أكثر من صعيد. إن ما يعنينا نحن في موضوعنا هذا، هو التلوث الناجم عن النفايات المنزلية، والمياه المنزلية المستعملة في المجال الترابي القروي.

إن أزمة التلوث في المجالات القروية، أصبحت تثير الكثير من اشكالات الاجتماعية والبيئية خلال السنوات الأخيرة، كما دفعت هذه الأزمة إلى طرح مجموعة من التساؤلات التي لا أحد يقدم إجابة عنها محليا، من قبيل إلى متى ستظل مثل هذه الظواهر من اختصاصات الساكنة وكأنه ليس هناك جماعات ترابية-قروية معنية بها مع العلم نجد المشرع المغربي ينص عليها بالحرف في القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات الترابية 14-113.

يفاقم من أزمة التلوث في المجالات السكنية القروية بشكل عام، مجموعة من العوامل من بينها: سلوك الانسان في مجاله، وطبيعة نشاطه السوسيواقتصادي. وإذا ما أخذنا وحدة مجالية_دوار _كعينة، لرصد ظاهرة التلوث بالمجال هناك؛ يعد كل من الفعل غير المسؤول، وعدم اهتمام المعنيين، وعنصر الأمية، وفعالية المجتمع المدني المتواضعة، وعدم الحكامة في التدبير، وعدم احترام حقوق الانسان والجورة، والبيئة كلها-وغيرها عوامل تساهم في خلق أزمة البيئة في المجالات القروية. ومما يصيب بالغرابة والتعجب في حالة وقفنا عليها؛ وهي حالة جماعة توغيلت، أن الفاعل الترابي هناك، منذ سنوات وهو لا ينظر لهذا الجانب_البيئي_ إلا من زاوية الترقيع لا من زاوية حل مشكل من جذوره، وما يزال هذا النهج مستمرا لليوم.

فمن أوجه أزمة التلوث في المجال الترابي لجماعة توغيلت، غياب قنوات لتصريف مياه المنزلية المستعملة، لا في الدواوير الصغيرة التي لا يتعدى عدد كوانينها 80 خيمة، ولا في الدواوير المتكضة بالسكان حيث تجاوز فيها البعض 400 منزل كحالة دوار أولاد لحمر بدائتيه(13-14).

إن الملاحظ الميداني لدواوير جماعة توغيلت، يلاحظ بالملموس أن هذه الجماعة من مشاكلها الترابية الحقيقية والتي تحتاج للتدخل؛ نظرا لأنها تعتبر جزء لا يتجزأ من مشاكل البنية التحتية في تراب الجماعة، يلاحظ جل الدواوير تفتقد خدمة قنوات لتصريف المياه المنزلية المستعملة؛ فكان من شأن تواجد هذه الخدمة _التي لم يلقي إليها بالا من تعاقبوا على مجلس الجماعة_ رفع التلوث والأذى وقطع الطريق عن الساكنة.

إن مظهر الشوارع والازقة من خلال مشهد تصريف المياه المنزلية المستعملة، سواء كان مصدرها المطبخ أو الحمام، أو اسطبلات الماشية.. تشكل مظهر من مظاهر ضعف تجهيزات البنية التحتية التي تؤرق الساكنة؛ وهي من مسببات القلاقل الاجتماعية(خاصم) في دواوير الجماعة الترابية. وإن الدواوير المكتضة بالسكان، والمتجمعة في منطقة محدودة، هي أكثر الدواوير التي تغرق في مستنقع التلوث الناجم عن صرف المياه المستعملة، وتجمع مياه الامطار. السؤال المطروح ماذا فعلت الجماعة خلال السنوات الماضية وهل ستفعل شيء في هذا البعد خلال السنوات القادمة والمتعاقبة؟ هذا كان عن خدمة تصريف المياه المنزلية المستعملة، فماذا عن خدمة جمع النفايات والنظافة؟

على طول خط دواوير جماعة توغيلت، لا يوجد مطرح للنفايات يراعي شروط السلامة الأولية؛ فجل المطاريح عشوائية..عشوائية، تزداد حالتها التعفنية يوما بعد يوم، والأخطر في هذا، أن الجماعة تتوفر على معدات من شأنها أن تقلص حجم التلوث الناجم عن كثرة مطاريح النفايات العشوائية التي هي في تزايد مستمر _وللأمانة، قد استفادت بعض الدواوير من تدخلات الجماعة في هذا البعد بين الفينة، والأخرى وحسب الحالة المزاجية للفاعلين الترابيين بمجلس جماعة توغيلت السابقين والحاليين_ لكن هذا التدخل يبقى جد محدود ولا يحل إشكالية ومعضلة مطاريح النفايات من جدورها.

إن حالات بعض الدواوير وبالخصوص الدواوير المكتضة بالسكان، والتي مجال امتلاك العقار فيها محدود جدا، تكاد ترى في هذه الدواوير أهم “معالم” فيها هي كثرة المطاريح النفايات العشوائية التي تؤرق الساكنة؛ نظرا لتواجدها على مفاصل الدواوير، في وسط الدوار، قرب المسجد، قرب المدرسة، قرب المقبرة، قرب مدخل الدوار، قرب الواد….إلخ.

الخطير في موضوع المطارح العشوائية؛ أن مطرح يضم”كوكتيل” من النفايات، حيث نجد إلقاء مخلفات المطبخ، إلقاء مخلفات اسطبلات الماشية، إلقاء الحيوانات النافقة من طيور ومواشي، إلقاء حتى مخلفات حفرة الصرف الصحي..وهلم جرا من النفايات. إن حل معضلة النفايات في جماعة توغيلت يحتاج إلى تدخل نوعي، يراعي الابعاد السوسيواقتصادية للدواوير، وغير هذا لا يمكن بأي حال من الاحول حل هذه المعضلة الخطيرة التي لها تبعيات صحية وبيئية واجتماعية.

قصارى القول، لقد كانت القرية وسطا بدون تلوث لمجموعة من الأسباب، من بينها قلة الكثافة السكانية، واتساع مكان السكن والعيش، وممارسة النشاط فلاحي يقوم على العناصر الطبيعية …إلخ. لكن، بعد التحول الذي مس هذه البنيات سترتفع الكثافة السكانية، وعدد الاسر، ويضيق المجال، وتتكاثر مصادر التلوث التي تعد من أبرزها النفايات المنزلية، والمياه المنزلية المستعملة. مع عملية تراكم النفايات ورمياها قرب مجالات السكن، وصرف المياه المستعملة في الأزقة والشوارع …بات الوضع البيئي بدواوير يتفاقم يوما بعد يوم إلى أن وصلنا لحالة جد مقلقة تنذر بانفجار قنبلة صحية أو اجتماعية.
إن هذه الصورة المقدمة ليست من نسج الخيال، إنها صورة حقيقية عن مجال تعاني ساكنته وتدفع ثمن جهل الفاعل الترابي المتعاقب على صعيد جماعة توغيلت، ومن حيف وتهميش هذا الفاعل للمقاربة التشاركية في تدبير شؤون الجماعة.

https://anbaaexpress.ma/cllvg

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى