آراءسياسة

العلاقات المغربية التونسية.. زوايا مختلفة

طفت في الآونة الأخيرة أزمة دبلوماسية بين المغرب و تونس، إنطلقت لإستقبال الرئيس التونسي قيس سعيد، لزعيم مليشيات البوليزاريو، إستقبالا رسميا بمناسبة إنعقاد مؤتمر تيكاد 8 في تونس، فما هي أسباب و دلالات هذه الأزمة ؟ و ما هي آفاق تجاوزها أو استفحالها ؟

أولا قبل الغوص في الموضوع لا بد من الرجوع شيئا إلى الوراء، لوضع القارئ أمام معطيات لا يمكن إغفالها في علاقات الدولتين و الشعبين التونسي و المغربي .

لا يمكن إغفال الأواصر التاريخية التي تجمع بين تونس و المغرب سواء في التاريخ القديم أو المعاصر، و سنبدأ هنا بالعلاقات التي كانت سائدة إبان الإستعمار الفرنسي، حيث شهدت العلاقات بين المقاومة المغربية و الحركات النقابية و السياسية تنسيقات متميزة كانت أبهى صورها في التلاحم و التضامن الذي أبان عنه الشعب المغربي إثر إغتيال الزعيم التونسي فرحات حشاد، و بعد الاستقلال شهدت هذه العلاقات تطورا كبيرا في عهد كل من المغفور له الحسن الثاني و الرئيس الحبيب بورقيبة .

هذا التنسيق كان بفعل ظهور محاولات لكل من الجزائر و ليبيا في تمرير و فرض أجندات دولية و إيديولوجيا مرتبطة بالاتحاد السوفييتي، حاولا من خلالها التدخل بشكل مباشر في تغيير أنظمة الحكم في تونس و المغرب عبر محاولات دعم الانقلابات و دعم مليشيات و توجهات إنفصالية و عسكرية في كلا البلدين .

هذه المحاولات كلها باءت بالفشل لأسباب عديدة، منها قوة الدولة و تماسك الشعبين و تلاحمهما مع قياداتهما، و لما يتميز به كل من الشعبين التونسي و المغربي من إمتدادات حضارية ضاربة في التاريخ .

إن إختيارات المملكة المغربية و تونس منذ الاستقلال، بتشجيعهما للتعددية الحزبية و النقابية، و فتح الآفاق أمام المجتمع المدني للعمل في المجالات الثقافية و التنموية و السياسية، أفرز بروز مجتمعين منفتحين يستمدان صلابتهما من الممارسات الديموقراطية و احترام الاخر، و الانفتاح على التحولات التي يشهدها المجتمع الغربي خصوصا في أوروبا و أمريكا، عكس ما نجده في الجزائر و ليبيا التي إرتكزت على الحزب الواحد الذي ينفذ أجندات تصدير الثورة كما تنص عليه الأدبيات الماركسية و الإشتراكية، وصبغ مجتمعاتها بفكر مغلوق يمجد الحزب الوحيد الذي هو في الحقيقة حزب بأدوات عسكرية، يروم التوسع و فرض الهيمنة في المحيط المغاربي .

ما يجمع إذن الشعبين الشقيقين التونسي و المغربي، أكثر مما يفرقهما، تجمعهما روابط الدم و الجغرافيا و النضال المشترك ضد المستعمر، و الانفتاح و التفكير الحر و تقبل الآخر، و عدم الدخول في المشاكل الداخلية لأي بلد .

و مع وجود نظام عسكري جزائري بحكمه عجائز يفكرون بمنطق السبعينات، و بفكر الحرب الباردة، و إنغلاقه امام التطور التاريخي الذي تشهده بلدان العالم و معاناته الداخلية، مع شعب خرج بالملايين يطالب بالدولة المدنية و ضرورة رجوع العسكر إلى ثكنانهم، والإستفادة من الثروات الطبيعية الغنية التي تتوفر عليها بلادهم،  كان لا بد لهذا النظام من البحث عن عدو خارجي يمارس به الإلهاء، لعدم إستعداده لتلبية طلبات شعبه السابقة الذكر، و تمسكه بالسلطة المطلقة مع ما يرافقها من فساد عارم شل جميع دواليب الدولة .

أمام هذا الوضع و مع النجاحات المتتالية للديبلوماسية المغربية، و لا أقول الضربات، لأن المغرب ليس في عراك مع أحد، إنما يعمل على تحصين وحدته الترابية و البحث عن أساليب تنمية إقتصاده. ذهب النظام الجزائري إلى البحث عن أساليب لفرملة هذا المد المغربي فوجد في الرئيس التونسي الملاذ .

عملت الجزائر منذ صعود قيس سعيد على التدخل المباشرفي الشؤون الداخلية التونسية، إذ أنه و حسب تصريح الضابط السابق في المخابرات الجزائرية هشام عبود، قامت المخابرات الجزائرية بإدخال حوالي مئة ضابط مخابراتي جزائري إلى تونس، و مع تخبط الرئيس التونسي داخليا من خلال الانقلاب على الدستور، و حل البرلمان، و الدخول في معارك مع القضاء، و تغييب دور الأحزاب السياسية، مما نتج عنه أزمات سياسية و إقتصادية بالأساس، جعلت الدولة التونسية تلجأ إلى الاحتياطي الإستراتيجي من المواد الغذائية و الطاقية، و الذي بالمناسبة سينتهي مع نهاية شهر شتنبر، هذا الوضع مكن النظام الجزائري من بسط سيطرته على القرار التونسي و الذي لا يخرج عن قيس سعيد و بعض القريبين منه.

فبوجود هذا الوضع الاقتصادي المتدهور الذي لم يألفه تاريخيا الشعب التونسي، و الذي أفرز نذرة في الكثير من المواد الغذائية، يجد قيس سعيد، نفسه أمام عزلة داخلية وخارجية التي أحاطت به، غير نظام العسكر في الجزائر لتخفيف الأزمة المالية و الاقتصادية التي وجدت تونس نفسها عارفة فيها .

و قد أكد أحد المسؤولين الأمريكيين، إن رواتب العديد من المسؤولين العسكريين و المدنيين التونسيين تتكفل بها الدولة الجزائرية .

إذن فبدخول تونس في مصيدة و كماشة الجزائر، و التي كانت تعمل من أجلها من وقت، كان المقابل هو شرف للديبلوماسية الجزائرية و الملف الوحيد الموضوع فوق طاولتها إلا و هو ملف الصحراء المغربية .

هكذا خطط عسكر الجزائر، و هكذا أوصل قيس سعيد تونس إلى هذه الوضعية فما كان منه إلا الانبطاح و الاستسلام لنوايا العسكر الجزائري الخبيثة، التي ساعده فيها زيارة ماكرون الأخيرة للجزائر و التي لمن يتم مناقشة فيها أي اتفاقيات اقتصادية، تعود بالنفع على الشعب الجزائري، بقدر ما كانت مخصصة لما هو أمني و ما يضمن إستمرارية نظام العسكر، و خروجه من العزلة الخارجية و الضغط الداخلي، فانصبت على تسليم المعارضين الجزائريين في فرنسا، و المساس بالمصالح العليا للمغرب.

أمام هذا الوضع على الشعبين الشقيقين التونسي و المغربي أن يكونا في مستوى المرحلة، فمن جانب التونسيين لاحظنا في وسائل الإعلام و وسائل التواصل الاجتماعي الرفض المطلق و المعارضة القوية لما أقدم عليه رئيسهم من خطوة إستقبال رئيس عصابة إقترب إنطفاء شمعة حلمه، فوجد في هذا الإستقبال إعادة لحلحلة ملف إقتنع الجميع أنه اقترب من نهايته.

لكن و مع الردود القوية للديبلوماسية المغربية و الشعب المغربي، معارضة لما قام به قيس سعيد ، وجد التونسيون أنفسهم امام وضع لا يحسدون علبه بخوفهم من فقدان مجتمع حليف و قريب منهم على مدى التاريخ، فتعالت الأصوات التونسية الشعبية و السياسية لإعادة الامور إلى نصابها كما كان عليه الحال من قبل، و ما تتسم به للديبلوماسية التونسية منذ عقود من حياد إيجابي في هذه المسألة.

انا على يبقين، أن الشعب التونسي سيصعد من معارضته بخطوة رئيسه، لعلمهم ان ما يقدمه نظام العسكر ليس سوى أوهام أثبثت عدم فعاليتها مع الشعب الجزائري، الذي يطالب بإعادة توجيه الشيكات المقدمة من النظام إلى البوليساريو و تونس و السلطة الفلسطينية، إلى خزينة الدولة الجزائرية لأنهم أولى بها نظرا لما يعانيه من تفقير و تجويع و تهجير.

و من جانبنا نحن المغاربة وجب علينا عدم السقوط في فخ نظام كبرانات فرنسا، و ذلك بإحترام رموز تونس خصوصا و أننا شاهدنا للأسف منابر إعلامية مغربية تعرض رسومات كاريكاتورية و صور تهكمية و إستصغارية تخص قيس سعيد، و التي لم تصب إلا في صالح نظام العسكر ،و تبعدنا أكثر عن الشعب التونسي الشقيق المتميز بتحضره و وعيه السياسي الراقي .

نتمنى في قادم الأيام أن يتم تصحيح مسار العلاقات بين تونس و المغرب، و إرجاعها إلى مستواها المعهود بالاعتماد على عقلاء البلدين، و ما تتميز به دبلوماسية البلدين من تبصر وواقعية لقطع الطريق على نظام الكبرانات و محركتهم فرنسا.

https://anbaaexpress.ma/0v3z6

علي بن الطالب

مناضل نقابي و جمعوي سابق و مهتم بالشان الثقافي و السياسي و العلاقات المغربية الجزائرية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى