آراءسياسة

تصريحات الريسوني: قراءة في الخلفية، السياق والمقصد

الخلفية

أولا: الحوار

في حوار أجرته معه، منتصف الشهر الماضي، إحدى القنوات، تحدث رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، أحمد الريسوني، عن “استعداد المغاربة والعلماء والدعاة في المغرب للجهاد بالمال والنفس (…) والزحف بالملايين إلى مدينة تندوف الجزائرية”. ودعا الملك المغربي إلى الزحف على منطقة تيندوف، كما وصف استقلال موريتانيا بالغلط.

وقد أثارت هذه الخرجة موجة من الاستياء والاستنكار من طرف أحزاب سياسية ومنظمات وشخصيات جزائرية، وكذا من مواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، منددة بمثل هذا السلوك الذي يعمل على إشعال نار الفتنة والزج بالمنطقة في صراعات قد تكون عواقبها  خطيرة.

وفي توضيح، للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، نشره عبر موقعه الرسمي، جاء فيه “إن دستور الاتحاد العالمي لعلماء ينص على أن الرأي الذي يسند إلى الاتحاد هو الرأي الذي يتم التوافق، والتوقيع عليه من الرئيس والأمين العام بعد المشورة، ثم يصدر باسم الاتحاد”، “وبناء على هذا المبدأ فإن المقابلات أو المقالات لسماحة الرئيس، أو الأمين العام تعبر عن رأي قائلها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد”.

وأضاف الاتحاد: أن ما تفضل به فضيلة العلامة الريسوني في هذه المقابلة أو في غيرها حول الصحراء هذا رأيه الخاص قبل الرئاسة، وله الحق في أن يعبر عن رأيه الشخصي مع كامل الاحترام والتقدير له ولغيره، ولكنه ليس رأي الاتحاد.

ويظهر من مضامين هذه التوضيح أن الاتحاد لم يتبرأ ولم يندد، واعتبر تصريحات الريسوني شكلا من أشكال حرية التعبير.

ثانيا: الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين هو مؤسسة إسلامية، تأسس في لندن، وضم علماء المسلمين من مختلف بلدان العالم، تأسس عام 2004، ومنذ 7 نوفمبر 2018 يرأسه أحمد الريسوني خلفًا ليوسف القرضاوي، وله عدد من النواب منهم مفتي عمان الشيخ أحمد الخليلي.

بات الاتحاد في وقت قصير أحد أكبر الاتحادات من هذا النوع في العالم العربي والإسلامي على حدّ سواء وذلكَ بعدما ضمّ تحتَ لوائه أكثر من 90 ألفًا من عُلماء المسلمين من مُختلف الطوائف بما في ذلك السنة، والشيعة، والإباضية. وفقًا لموقع إسلاموبيديا فإنّ العضوية في الاتحاد مفتوحةٌ أمام العلماء الذين تخرجوا من جامعات الشريعة والحاصِلين على شهادة عالية في الدراسات الإسلامية منْ مختلف الجامعات ذات الصلة. يقبلُ الاتحاد كذلك عضوية الذين لديهم حضور في علوم الشريعة والحضارة الإسلامية من خلال كتاباتهم في هذا المجال. حسب موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فإنّ الاتحاد لا يتبعُ أي دولة أو جماعة أو طائفة كما أنّه لا يُعادي أي حكومة بل يسعى إلى فتح نوافذ التعاون من أجل الخير للإسلام والمسلمين. الشيخ القرضاوي هو أول رئيس للاتحاد وأحد الرموز البارزة داخله، وهو شيخ مصري يعيش في دولة قطر. بات في وقتٍ ما مؤثرا للغاية في كل الأوساط العربية، وهو عضو في جماعة الإخوان المسلمين. وفقا للقرضاوي فإنّ الاتحاد يلعب دورًا سياسيًا في الدول العربية من خلال جهود الوساطة لكنّ هدفه الأسمى والأول هو القضايا الإسلامية. على سبيل المثال لا الحصر حاول الاتحاد العالمي التوسط بين الفصائل المختلفة في مصر قبل عام 2013 كما حاولَ تهدئة الأوضاع في اليمن قبل استيلاء الحوثيين على السلطة هناك.

وهذا الاتحاد، وإن كان أعضاؤه من مختلف المشارب والمذاهب الإسلامية، فقد خرج من رحم “جماعة الإخوان المسلمين”، وأن علاقته بهذه الجماعة علاقة عضوية وطيدة.

ثالثا: الإخوان المسلمون

الإِخْوَانُ المُسْلِمُون هي جماعة إسلامية سُنية عالمية عابرة للحدود، وتعتبر كبرى الحركات الإسلامية في العالم وأوسعها انتشارًا، تصف نفسها بأنها «إصلاحية شاملة»، وتقوم على شمولية الإسلام فتعرفه بأن «الإسلام عقيدة وعبادة، ووطن وجنسية، ودين ودولة، وروحانية وعمل، ومصحف وسيف». تعتبر أكبر حركة معارضة سياسية في كثير من الدول العربية، وصلت لسدة الحكم أو شاركت فيه في عدد من الدول العربية مثل الأردن ومصر وفلسطين والمغرب وتونس...

أسسها حسن البنا في مصر في 22 مارس عام 1928م عقب سقوط الخلافة الإسلامية كجماعة من المسلمين تعمل علي استعادة الخلافة والقيام بأدوارها في المجتمع وإعادة الحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية في الحياة اليومية، والجهاد من أجل تحرير الأمة من كل سلطان أجنبي. عبر الإصلاح التدريجي بدءًا من «الفرد المسلم، فالأسرة المسلمة، فالمجتمع المسلم، فالحكومة الإسلامية، فالدولة الإسلامية، وصولاً لأستاذية العالم»، نشأت في البداية كحركة إسلامية دعوية واجتماعية، دعت إلى الإلتزام بالإسلام، وعلمت الأميين، وأنشأت المساجد والمستشفيات والمدارس الإسلامية لرعاية الأيتام والجمعيات الخيرية والشركات التجارية. أنتشرت بين كافة أطياف المجتمع خاصة طلاب الجامعات حتي بلغ عدد أعضائها نصف مليون عضو، تقدمت لاحقًا إلى الساحة السياسية؛ بهدف إنهاء السيطرة الاستعمارية البريطانية على مصر. وسرعان ما انتشر فكر هذه الجماعة، فنشأت جماعات أخرى تحمل فكر الإخوان في العديد من الدول الأخرى، ووصلت الآن إلى أكثر من 85 دولة تضم كل الدول العربية ودولاً إسلامية وغير إسلامية في القارات الست.

منذ أن تم اعتقال المرشد محمد بديع، بدأ الصراع بين إبراهيم منير، القائم بأعمال المرشد العام لجماعة “الإخوان”، ومحمود حسين، الأمين العام السابق للجماعة، أي بين جبهتي إسطنبول ولندن. ويعيش الإخوان حالة انشطار غير مسبوقة بين قيادات تاريخية حسمت موقفها لصالح منير، القائم بأعمال المرشد (جبهة لندن)، مقابل تصعيد المواجهة من جبهة الأمين العام السابق محمود حسين، بإعلان عزل نائب المرشد عبر مجلس شورى مطعون في شرعية قراراته، فيما يطالب قسم ثالث من الإخوان وبينهم الشباب بالإطاحة بقيادات الجبهتين.

وبحكم طبيعة العلاقة بين الاتحاد والجماعة، انعكس هذا الصراع على الاتحاد الذي انقسم بدوره إلى جبهتين: جبهة اسطنبول وجبهة لندن.

رابعا: من هو أحمد الريسوني؟

أحمد عبد السلام الريسوني (ولد عام 1953) هو عضو مؤسس ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكان سابقًا نائب رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، كما يشغل كعضو المجلس التنفيذي للملتقى العالمي للعلماء المسلمين، برابطة العالم الإسلامي.  أمين عام سابق لجمعية خريجي الدراسات الإسلامية العليا. رئيس رابطة المستقبل الإسلامي بالمغرب (1994 ـ1996). رئيس لحركة التوحيد والإصلاح بالمغرب (1996 ـ2003) والمدير المسؤول لجريدة «التجديد» اليومية (2000 ـ2004).

حين تولى رئاسة الاتحاد اتهمته عدة تقارير بـ”التناقضات في استخدام الفتاوى، تجعل المراقبين يشككون بأي تغيير منتظر من قبل الاتحاد الموضوع على قوائم الدول العربية للإرهاب؛ نتيجة ما شكله الاتحاد من تهديد لسلامة الدول العربية، وإصداره لفتاوى التكفير ضد المخالفين للفكر الإخواني”. و”من المُنظرين الذين خانوا مبادئهم” .. و”هو الشيء ونقيضه؛ فتاواه وكتبه أغلبها سياسية وحركية لخدمة أغراض جماعته؛ الإخوان المسلمين، والدليل على ذلك أنّه لا يحظى بوزن كبير بين شعب المغرب، وشهرته اكتسبها من علاقته بالجماعة فقط”. وحسب المعطيات يصنف الريسوني في جماعة اسطنبول، وبالتالي، فإن الاتحاد بقيادة الريسوني سيخضع لأجندة تركيا.

السياق

جاءت هذه التصريحات في سياق تمر فيه جماعة الإخوان بأزمة غير مسبوقة، وقد أصبح رأسها مطلوبا في أغلب عواصم العالم. وفي سياق توشك أن تفقد فيه منفاها الذهبي بعد أن تنكرت لها تركيا وتعمل قطر على التخلص منها.

بشكل عام كانت تصريحات الريسوني حدثا صادما، ليس للجزائر وموريتانيا فحسب، بل حتى للمغاربة ولكل المغاربيين والعرب عموما. وعبَّر إخوان الجزائر (بكل تنظيماتهم) عن غضبهم من تصريحات الريسوني، ومن ضمنهم علماء أعضاء بالاتحاد، كما طالبوا باستقالة الريسوني أو إقالته من على رأس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وهذا ما حدث فعلا.

المقصد

في البداية لا بد أن نشير أن تصريحات الريسوني ليست حالة معزولة، بل هي ظاهرة مغاربية تترجم نزعة توسعية لدى عدد من التيارات المغاربية ذات النزعة القومية (العروبية والمزوغية على حد سواء) أو الإسلامية. وهذه الظاهرة تترجم أزمة الهوية في البلدان المغاربية كما تترجم ضعف المعالجة السياسية لهذه الأزمة جراء الجهل السياسي الذي تعاني منه الطبقات السياسية المغاربية؛

ثانيا: هذه التصريحات جاءت على لسان شخصية قيادية مغربية ترأس أقوى تنظيم إسلامي في العالم؛

ثالثا: جاءت هذه التصريحات بعد أيام من الخطاب الملكي الذي دعا فيه العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 23 لجلوسه على العرش مجددا إلى “إقامة علاقات طبيعية” مع الجزائر مؤكدا على الرغبة “في الخروج من هذا الوضع” وتطبيع العلاقات الدبلوماسية المقطوعة مع جارته الشرقية. وسبق للملك محمد السادس، بمناسبة نفس الخطاب العام الماضي أن دعا الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى “تغليب منطق الحكمة”، والعمل في أقرب وقت على تطوير العلاقات بين الجارين. مؤكدا على احترام الأخوة الجزائرية، مشيرا إلى أن ما يقال بشأن العلاقات مع الجزائر يحز في النفس؛

رابعا: جاءت هذه التصريحات قبيل انعقاد القمة العربية التي ستحتضنها الجزائر؛

خامسا: جاءت هذه التصريحات في سياق أزمة خانقة يعيشها الإخوان بعد تحسن علاقة مصر بتركيا وقطر؛

ويبدو أن تصريحات الريسوني، التي لا شك أنها جاءت بإيعاز من جهة ما (ليست مغربية بالضرورة)، كانت بمثابة قنبلة سقطت في بيت الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وأن مصير الاتحاد بشكل خاص والإخوان بشكل عام، مرهون بحجم انفجار هذه القنبلة، وبالتالي فإن تصريحات الريسوني لا تستهدف المنطقة المغاربية إلا في إطار علاقة هذه المنطقة بمصير التنظيم العالمي للإخوان المسلمين.

https://anbaaexpress.ma/rk18d

سعيد هادف

شاعر جزائري وباحث في الشأن المغاربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى