وفي قمة منظمة شنغهاي للأمن بأوزباكستان، تحول اللقاء الذي حضره بوتين بكثير من الآمل نظراً لتشابه القادة المشاركين، إلى خيبة أمل كبيرة بعد أن تجاهلته الصين وانتقدته الهند، وفي الوقت نفسه تجدد الصراع بين دول الجوار الروسي التي تعتبر موسكو نفسها ضامناً لأمنها واستقرارها، حيث تجدد القتال بين أرمينيا وأذربيجان ووقعت اشتباكات حدودية بين طاجيكستان وقيرغيزستان.
وتقول الكاتبة كلارا فيريرا ماركيز في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء إن “بوتين يواجه ضغوطاً داخلية من مختلف الجهات”، ويوم الأحد خرجت المغنية الروسية الشهيرة آلا بوجاتشيفا لتنتقد “الأهداف الوهمية” للحرب في أوكرانيا والتي جعلت روسيا “دولة منبوذة” مما يؤثر بشكل كبير على “حياة مواطنيها”.
وفي الجانب الآخر، ينتقد القوميون الروس بشدة القيادة العسكرية التي لا تتسم بالكفاءة مما دفع المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف للتهديد بتغريم من ينتقد أداء المؤسسة العسكرية الروسية وقال إن “الخط الفاصل دقيق بشدة. وعلى المرء أن يتحلى بالحرص الشديد”.
ومع ذلك من الصعب تجنب واقع الحملة العسكرية المفككة في أوكرانيا، مع تصاعد الدعوات للتعبئة الوطنية من أجل علاج هذه المخاوف بصورة لا يمكن تجاهلها، وفي الأسبوع الماضي قال بوتين إنه “لا مبرر للعجلة” في أوكرانيا، مفترضاًَ قدرة النظام الروسي على الصمود أمام الحزب الغربي، ولن يكون هناك تغيير في الخطط الروسية، لكنه قال أيضاً إن روسيا “لا تستخدم كامل قوتها في القتال”.
ويرى الكثيرون أن الأهداف الكبيرة التي حددها بوتين لحملته في أوكرانيا، مشكلة، وهؤلاء يقولون إن بوتين لن يستطيع تحقيق أهدافه باستراتيجيته الحالية، فالتعبئة العامة يمكن أن توفر موارد إضافية وتوسع القوة البشرية، ولكنها في الوقت نفسه تمثل خطراً كبيراً على الرئيس بوتين ونظام حكمه الذي يرفض تسمية الأشياء باسمائها الحقيقية.
وخرجت الخلافات الروسية الروسية بشأن الحرب في أوكرانيا على ساحة الجدل العام، وخرج عضو البرلمان السابق بوريس نادشين في برنامج تلفزيوني يقول إنه من المستحيل “هزيمة أوكرانيا بالموارد الحالية وبطريقة الحرب الاستعمارية والاعتماد على الجنود المتعاقدين والمرتزقة وبدون تعبئة عامة، علينا إما التعبئة العامة وشن حرب شاملة أو الانسحاب منها”، وعندما اقترح الدخول في محادثات سلام منعه صراخ المشاركين في البرنامج التلفزيوني.
وبعد ذلك بأيام دعا جينادي زيجانوف رئيس الحزب الشيوعي والمعارض الشرس للكرملين إلى “التعبئة القصوى” وأصبح أكبر شخصية تدعو إلى توسيع نطاق الحرب، وقال أمام مجلس النواب في الأسبوع الماضي “الحرب شيء لا تستطيع أن تنهيه حتى لو أردت ذلك، عليك القتال حتى النهاية”، ولكن هذا الخيار لا يستطيع بوتين الإقدام عليه حتى الآن.
والسبب الأول في ذلك هو أن الدعوة إلى التعبئة العامة تعني اعتراف بوتين بالفشل في أوكرانيا، وأن عمليته العسكرية الخاصة في أوكرانيا أصبحت حرباً كاملة بعد 7 أشهر من بدايتها، والسبب الثاني هو أن التعبئة تحتاج إلى تخلى الشعب عن سلبيته التي رسخها لديه الرئيس بوتين طوال سنوات حكمه، فالتعبئة تعني تحفيز الشعب على المشاركة في المعركة بعد تشجيعه طوال الفترة الماضية على تجاهل الحرب والتعامل معها باعتبارها عملية محدودة لا تستدعي اهتمامه.
فقد كان المفترض أن تعتمد الحرب في أوكرانيا على متطوعين ومتعاقدين بالأجر لخوض هذه الحرب دون الحاجة إلى الدفع بعشرات الآلاف من الجنود الروس إليها، حتى لا يتذكر الرأي العام الحرب السوفيتية الكارثية في أفغانستان قبل أكثر من 30 عاماً، فالقاعدة العريضة من سكان المدن الرئيسية الروسية يمكنهم دعم الحرب مادامت لن تفرض عليهم شيئاً.
ويقول يوفال فيبر الأستاذ في كلية بوش للإدارة العامة بواشنطن إن “هذه الجماهير التي تمثل الوسط هي أخطر ما يهدد الكرملين وليس اليمين القومي، هذه الجماهير هي التي ظل الكرملين يعتمد عليها منذ فترة طويلة، ظلوا خلالها بعيدين عن الكثير من قضايا الحكم ومشاكله، لكن الآن عندما يجدون أنفسهم مطالبين بإرسال أبنائهم إلى الحرب قد يتغير موقفهم من الحرب ومن نظام الحكم ككل”.
وهناك مشكلة ثالثة، تتعلق بالتعبئة العامة وهي تحدي ضخم، وتحتاج إلى عمليات لوجيستية معقدة، فالاقتصاد الروسي لن يستوعب تكلفة فقدان مئات الآلاف من العمال المستدعين للخدمة العسكرية، كما أن معارضة التجنيد الإجباري ستتزايد مع عودة الجنود من جبهة القتال.
وحتى الآن لا تستطيع روسيا البقاء عالقة في حرب وجود بدأتها بعدد قليل من الرجال، فخسرتهم وخسرت الأسلحة بمعدل مذهل، ويقول المسؤولون الأمريكيون أن خسائر روسيا البشرية في أوكرانيا تصل إلى 80 ألف قتيل ومصاب، ولكن يظل الخطر الأكبر وهو أن يضطر بوتين المأزوم إلى تصعيد القتال وتحويل المعركة إلى حرب شاملة، مع تراجع الخيارات المتاحة لديه.