إقتصاد

تحليل.. الفلاحون الصغار والأنشطة الزراعية العصرية بإقليم سيدي قاسم

إعداد: إسماعيل الراجي

أولا: لمحة عن المعطيات الطبيعة والبشرية بإقليم سيدي قاسم

يعد المجال الترابي لإقليم سيدي قاسم، من المجالات الترابية المغربية الفلاحية بامتياز، نظرا لما يزخر به هذا الامتداد الترابي من مؤهلات مناخية وطبيعية مهمة؛ فبحكم الموقع المجالي للإقليم على صعيد الجهة والتراب الوطني، يطغى عليه مناخ متوسطي”يتميز بتناوب فترتين فصيليتين: الأولى تمتد ما بين شهر أكتوبر وأبريل، وهي فترة تعرف بكثرة رطوبتها حيث لا يتعدى متوسط درجات الحرارة خلالها 16 درجة، بينما الفترة الثانية الممتدة من ماي إلى شتنبر، فيغلب عليها الجفاف وشدة الحرارة إذ يصل متوسط الحرارة خلالها 24.7 درجة”(1). أما نوعية التضاريس بإقليم سيدي قاسم، فتتسم بالتنوع الملحوظ؛ لكن المشهد السائد على التضاريس في المنطقة هو مشهد السهول، التي هي امتداد لسهل الغرب (2).

وتتميز التربة في هذا الامتداد الترابي بنوعية خاصة، حيث تعد من أجود أنواع التربة الصالحة للزراعة على صعيد التراب المغربي.

ومن مشهد قوة المجال الترابي بإقليم سيدي قاسم، المعطى المائي، فبعد التساقطات المطرية الموسمية التي يسجلها الإقليم، يتوفر الإقليم على ثروة مائية جد مهمة من مصادر نهر سبو، وواد ورغة.. والمياه الجوفية، وتعد هذه الثروة كنز للاستثمار الفلاحي بشتى ألوانه، وعلى أساس هذه الموارد الطبيعية، سيكون النشاط الفلاحي هو عصب الاقتصاد بالإقليم عبر سيرورته الاقتصادية.

من خلال هذه اللمحة عن بعض المعطيات الطبيعة بالمجال الترابي لإقليم سيدي قاسم، والتي تعدد أهم معطى مجالي في الإقليم. ننتقل إلى إعطاء لمحة عن المعطيات البشرية والترابية بالإقليم، فعلى طول مساحة المجال الترابي لإقليم سيدي قاسم_ التي تقدر بحوالي 462892م2 (تصنف على صعيد الجهة برتبة الثالثة من حيث حجم المساحة)، تتواجد مجموعة من الجماعات الترابية، تتوزع حسب تصنيف الإداري إلى خمس جماعات حضرية، وأربعة وعشرون جماعة قروية، بمجموع عدد سكان بلغ حسب نتائج الإحصاء العام للسكان والسكنى لعام 2014 (3) ما نسمته 522070 نسمة. وتقدر نسبة مجموع عدد السكان البلديين بالوسط الحضري ما نسبته:32.262%، في حين تتجاوز نسبة السكان البلديين بالوسط القروي 67.74%. أما مجموع عدد الاسر، فقد بلغ عدد الاسر بالإقليم، 99191 أسرة، تستقر ما نسبته 61.92% من الأسر بالوسط القروي.

على ضوء تقديم هذه المعطيات المجالية حول المجال والانسان والتنظيم الترابي بإقليم سيدي قاسم، ننتقل إلى تسليط الضوء على بعض مظاهر النشاط الفلاحي في بعده الزراعي بالخصوص، حيث عرف هذا القطاع جملة من التحولات بفعل عملية التحديث التي كانت من بين العوامل التي ساهمت في عجلة التنمية الاجتماعية والقروية بهذا الامتداد، وكذا مساهمتها بخروج العديد من الاسر من عتبة الفقر والهشاشة. ومن بين تلك الاسر، الاسر القاطنة؛ بجماعة سيدي عبد العزيز، وجماعة الخنيشات، وجماعة توغيلت، وجماعة حد كورت، وجماعة أولاد نوال، وجماعة عين الدفالي، وجماعة لمرابيح.. وغيرها من الجماعات الترابية بإقليم سيدي قاسم.

ثانيا: بداية التحول نحو زراعة عصرية بإقليم سيدي قاسم

تعد دينامية التحولات المجالية التي عرفها المجال الترابي لإقليم سيدي قاسم، هي نتاج عوامل اجتماعية وتاريخية شهدها المجال الترابي هناك، فمنذ اختيار مجال الإقليم مجال استيطان بشري_ المجال المعروف تاريخية واجتماعية بامتداده “لمجال الغرب”(4)_ وهذا الاقليم في سيرورة تحولات متلاحقة. ومن أبرز المحطات التاريخية في إقليم سيدي قاسم، محطة الحقبة الكولونيالية، حيث حل الاستيطان الزراعي الفرنسي بالمنطقة، ونزل بكامل ثقله في المجال الاجتماعي والفلاحي، ليساهم بذلك التواجد بخلخلة البنيات الاجتماعية، واحداث فروق بنيوية في البنية العقارية ونحوها من الأشياء التي تلازم التدخل “العنيف” بالمجال، ومن الجدير بالإشارة في هذا السياق التاريخ، الإشارة إلى ظاهرة التمدن بإقليم سيدي قاسم، حيث تعتبر مدينة سيدي قاسم_زاوية_من بين النواة الحضرية الأولى(5) في المنطقة التي تشكلت قبل الاستعمار الفرنسي للمنطقة. وحينما حل المستوطنون في المجال الترابي للإقليم، أطلقوا على مدينة سيدي قاسم أي عاصمة الإقليم الحالية، اسم PETIT-JEAN.

حسب الشواهد المجالية، تغلغل الاستعمار في المنطقة على جميع المستويات، وكان من أبرز الميادين نشاط الاستعماري في المنطقة التغلغل في بعد النشاط الزراعي، نظرا لما تزخر به المنطقة به من مؤهلات طبيعية يمكن وصفها بالمغرية، وعليه ومن خلال مشهد الضيعات الفلاحية الممتدة في الإقليم، يبدو للملاحظ أن المجال الترابي للإقليم، كان “حديقة” الأنشطة الفلاحية وخاصة منها الزراعية التي دفعت الاستعمار الفرنسي، لا مصادرة الأراضي الخصبة من الساكنة المحلية وتجميعها (Annexion de Terres Agricoles) في شكل ضيعات (Les Fermes) متنوعة الإنتاج ومتباينة الاحجم والمساحات.

وكما هو معلوم في الادبيات التاريخية المغربية، شكل الاستيطان الفلاحي بالمغرب خاصة من طرف الفرنسين، من بين أهم ملامح الاستعمار في المجال المغاربي. فإذا أردنا تحدث عن التحولات النوعية والكمية التي عرفها المشهد الفلاحي ومنه النشاط الزراعي في مجال منطقة الغرب، فيمكن اعتبار محطة الكولونيالية نقطة مرجعية في تحول مشهد الفلاحة هناك، حيث يؤرخ لعملية التحديث القروي من خلال هذه المحطة، حيث كان الهدف من تلك العملية” إلى إعادة صنع البادية المغربية ودمج الفلاحة في نمط الإنتاج الرأسمالي، وذلك بخلق فلاحة عصرية تنتج من أجل السوق وطبقة من الفلاحين على النمط الأوروبي، أي طبقة وسطى تكون دعامة للسياسية الاستعمارية بالارياف”(6).

فعلى أثر النشاط الزراعي الكولونيالي، ستعرف منطقة الغرب عموما، ومجال إقليم سيدي قاسم خاصة، تحولا في هذا المشهد، الذي أصبح متنوعا نوعا وكما، بفعل التحديث الذي مس وسائل الإنتاج من جهة والتنظيم الزراعي من جهة ثانية. ومن هذه الأرضية يمكن القول أن مرحلة تحولات في المشهد الزراعي بدأت من خلال هذه الحقبة في المنطقة. حيث كان من أكبر المستفيدين من هذا “التحديث” فقط الضيعات الكبرى، أو بالمعنى الاجتماعي الفلاحين الكبار أي المعمرين والاقطاعيين في المنطقة.

ثالثا: الفلاحين الصغار والانخراط في الزراعة العصرية

حسب وثيرة دينامية التحول الفلاحي في المجال الترابي بإقليم سيدي قاسم، وصل مشهد تحول الزراعي على مستوى الأنشطة الزراعية المرتبطة بالفلاحين الصغار، في اطار حقبة الاستقلال، وبفعل تدخل الدولة في الميدان عبر أوراشها الفلاحية الكبرى، وانفتاح المشهد الزراعي على المعدات الحديثة، وبالاعتماد على الأسمدة، والمبيدات، والبدور والشتائل المنتقية، وكذا توجه الفلاحين نحو الانخراط في الإنتاج الأكثر ربحية في النشاط الزراعي؛ هذه العناصر وغيرها، غيرت من مشهد ممارسة النشاط الفلاحي في المنطقة عند الفلاحين الصغار. وقد كانت مقاربة التدخل في المجال الفلاحي، عبر عملية تحديث القطاع الفلاحي(7) الذي نهجته السياسيات العمومية المغربية في المجال الترابي من أهم أنواع التدخل في محاربة الفقر والهشاشة الاجتماعية.

ففي مجال الغرب، إقليم سيدي قاسم، يمكن التحدث عن عدة ميادين، من ميادين الفلاحة التي تساهم في تنمية الاقتصادية، والاجتماعية لساكنة المنطقة؛ كتربية الماشية، والزراعة، وتربية النحل…إلخ. لكن تعد الأنشطة الزراعية، كزراعة الحبوب(القمح والشعير والحمص…) والخضر والفواكه، والزراعة الصناعية (الزيتية كعباد الشمس والشمندر وقصب السكر..)، وزراعة الأشجار كالحوامض والورديات والزيتون، تعتبر من الاختيارات التي بدأ الاعتماد عليها منذ سنوات عدة. وكما هو معلوم، تعتمد هذه المنتوجات الزراعية وغيرها على المعطيات الطبيعية المجالية: التربة الصالحة للزراعة، والماء الصالح للزراعة، والمناخ المعتدل، وسهولة التضاريس. وهذه الخصائص أو العوامل من أوجه قوة المجال الريفي بشكل عام في الامتداد الترابي الزراعي في منطقة إقليم سيدي قاسم، المنتمي جغرافيا لسهل الغرب؛ فمن المعروف عن سهل الغرب، أنه يتوفر على أهم فرشة مائية على صعيد التراب الوطني، كما يتميز بسهولة الولوج.

فمن بين الجماعات الترابية على صعيد إقليم سيدي قاسم، التي عرفت تحولات في مشهدها الزراعي، نجد جماعة سيدي عبد العزيز، وجماعة الخنيشات، وجماعة توغيلت، وجماعة حد كورت، وجماعة أولاد نوال، وجماعة عين الدفالي، وجماعة لمرابيح..وغيرها من الجماعات الترابية في هذه المنطقة، التي انخرط الفلاحون الصغار فيها، نحو مواكبة التطور الزراعي. فيلاحظ، نسبيا، الخروج من النشاط الزراعي المعيشي نحو النشاط الزراعي التجاري والصناعي؛ أي النشاط الزراعي العصري، كزراعة الخضر(القوق…)، وزراعة الحوامض(كليمانتي…) وزراعات الورديات(التفاح..)، وزراعة الشمندر…إلخ. ولهذه الاختيارات الزراعية مردودية مختلفة نسبيا عن النشاط الزراعي التقليدي؛ كزراعة الحبوب(القمح والشعير) التي تباع بثمن لا يحقق الربحية التي من شأنها أن تراكم رأسمال للفلاحين الصغار، أي دائما الفلاح في حلقة المعيشة، ولا تراكم لرأسمال يذكر.

ومن مشهد قوة المجال الترابي لهذه الجماعات، اختراق مجالها مجموعة من الأودية المهمة التي تعتبر الشريان النابض للمشهد الفلاحي في المنطقة، ففي المنطقة يمكن الإشارة إلى واد ورغة(8)، ونهر سبو، وواد رضات وغيرها من المجاري المائية السطحية، والجوفية في المنطقة التي تعد أحد المعطيات المجالية الطبيعية في المجال.

وعلى امتداد هذه الجماعات الترابية المشار إليها، خاصة من ناحية البنية العقارية المتاخمة للأودية الجارية؛ تتنوع الأنشطة الزراعية في هذا الامتداد، حيث يطغى بالمنطقة تناثر الضيعات الزراعية الكبرى الخاصة أوالمكترية للخواص، التي يطغى فيها نشاط الزراعي التشجيري، إذ من أهم المزروعات في المنطقة هناك، نجد الحوامض بكافة أشكالها وألوانها وأحجامها: الكليمنتين، برتقال ماروك ليت، والنافيل.. إلخ، وأشجار الورديات: الخوخ، والتفاح.. كما نجد أشجار التين والزيتون والرمان التي أصبحت تلاحظ في الميدان. وهذا النوع من النشاط الزراعي الذي كان شبه حكرا على الضيعات الفلاحية الكبرى؛ أصبح يتعاطى له الفلاحين الصغار، برغم من صغر مساحاتهم الزراعية. وعليه أصبح المشهد الزراعي متجها لهذا النوع من الزراعة.

رابعا: معيقات الانتقال الزراعي العصري الكامل 

من بين بعض معيقات تحول الزراعي الكامل لدى فئة الفلاحين الصغار بالمنطقة، وكذا تحقيق التنمية القروية هناك؛ فحسب الملاحظات الميدانية واستقصاء اخبار الفلاحين يمكن الحديث عن مجموعة من المعيقات التي من بينها:
-أن نسبة من الأراضي المهمة المملوكة للفلاحين الصغار توجد في الترس، أي بعيدة نسبيا عن مجاري الأودية.
-وضعية الملكية المتواجدة توجد في الشياع.
-ملكيات مجزأة وصغيرة، تحتاج إلى مشروع الضم.
-غياب رأسمال للاستثمار، حيث الوضع المادي للفلاحين محدودة جدا.
-الخوف من الاقدام على عقد شراكات مع المستثمرين أو الاقدام على القروض.
-تغير المناخ في العقود الاخيرة.
– مضاربات التسويق.
– قلة أنشطة التثقيف في الميدان(أنشطة الجمعوية التي تستهدف هذا القطاع للفلاحين الصغار).
وغيرها من الأمور التي تعرقل التحول التام، نحو زراعة ذات مردودية تنعكس على الأسر القروية في المنطقة، وتخرجهم من الفقر المادي. وكما هو معلوم حسب المعطيات الرسمية المتعلقة بالفقر والهشاشة، فخريطة الفقر الوطنية هي قروية بامتياز.

خامسا: رهانات تحقيق التحول الكامل من الزراعة المعيشية

إن أهم عامل يمكنه أن يقلب موازين دخل الفلاح الصغير في هذه الجماعات الترابية وغيرها، هو أن يصل الماء إلى منطقة النشاط الزراعي في منطق الترس(مدار البور)، حيث نسبة امتلاك الأراضي هناك، أكثر بكثير من امتلاكها في الدهس(مدار السقي)، حيث قد تجد عددا من الفلاحين الصغار، من له أقل من هكتاريين في الدهس، بينما له أكثر من أربعة هكتارات في الترس. ولو حدث هذا التدخل، مع انجاز مشروع الضم الذي نجح على صعيد بعد الجماعات في إقليم سيدي قاسم، فقد ينعكس هذا التدخل الكبير على معيشة الانسان القروي هناك، ويدخل الساكنة في مدار تنموي مهم، ينعكس إيجابيا على التنمية القروية، وينقد ما يمكن إنقاذه من الزمن المهدور في القرية.
ومن الملاحظات التي تؤرق الفلاحين الصغار في هذا المجال، هي مسألة عدم استفادتهم من مجموعة من البرامج التي استفاد منها الفلاحون الكبار. كما يسجلون نقطة أخرى في نفس السياق، إذ يتحدثون عن المحسوبية والزبونية في الاستفادة من بعض المنافذ والبرامج الفلاحية المتعلقة بمسألة الدعم، وما حديث دعم الشعير ببعيد عن هذا الذي تحدثنا عنه.

قصارى القول، سيبقى الفلاحون الصغار في مدار فقرهم يعشون، (الطايح كثر من الواقف) إذا لم ينظر لهم ببرامج خاصة تستهدفهم مباشرة، وتدق أبوابهم بيتا بيتا.

المراجع

(1 ) المندوبية السامية للتخطيط، مونوغرافية إقليم سيدي قاسم-2016، المديرية الجهوية لجهة الرباط سلا القنيطرة، ص20.

(2) المندوبية السامية للتخطيط، مونوغرافية إقليم سيدي قاسم-2016، المرجع السابق، ص20.

(3) للمزيد أنظر معطيات المندوبية السامية للتخطيط (RGPH2014)، الخاصة ياقليم سيدي قاسم http://rgphencartes.hcp.ma/

(4) للمزيد أنظر موضوع مجال الغرب من الناحية التاريخية أنظر: المصطفى البوعناني: “الاستقرار البشري في منطقة الغرب بين التوجهات الرسمية و المعطيات الظرفية والطبيعية من أواخر القرن 6ه/12م إلى أواخر القرن 13ه/19م”. مجلة الجمعية المغربية للبحث التاريخي. عدد 5- 6/ 2007-2008، من ص 81 إلى ص 120.

(5) للمزيد حول هذا الموضوع أنظر: مبارك الشيكر، “سيدي قاسم”، معلمة المغرب: المغرب الأقصى(قاموس مرتب على حروف الهجاء يحيط بالمعارف المتعلقة بمختلف الجوانب التاريخية والجغرافية والبشرية و الحضارية للمغرب الأقصى ) (ج 15)، (المغرب، الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، 2004)، ص5216.
(6) للمزيد حول موضوع التحديث القروي أنظر: عبد الجليل حليم، معلمة المغرب(ج7)، المرجع السابق، ص 2296.

(7) للمزيد حول موضوع عملية تحديث المجال القروي أنظر: عمار حمداش، حول تجارب التحديث القروي بالمغرب(مع بيان من أجل البوادي المغربية)، ط1(المغرب، طبع خاص، 2015).

(8) للمزيد حول أهمية واد ورغة: مقال تحت عنوان، “واد ورغة.. شريان التنمية بالمنطقة” لإسماعيل الراجي.

https://anbaaexpress.ma/1fgrq

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى