مر أحد عشر عاما على تدخل الناتو في ليبيا، بقرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لحماية المدنيين بناء على قرار 1970 و 1973، وإتخذت إجراءات الحظر الجوي وتدخل الطيران بالقصف الجوي، وحدث ماحدث من إنقسام مجتمعي بين الليبيين بين معارض ومؤيد للنظام وسقوط النظام.
دخلت ليبيا مرحلة جديدة بعد أعلن التحرير في 23-10-2011، تحت إدارة المجلس الوطني الإنتقالي والمكتب التنفيذي، إلى حين إجراء إنتخابات المؤتمر الوطني والتي إنطلقت في 7-7-2012، وإنتهت بفوز تحالف القوى الوطنية بزعامة الراحل “محمود جبريل” رئيس المكتب، وسلم المجلس الإنتقالي للمؤتمر الوطني، المجلس الوطني الإنتقالي في ليبيا السلطة، إلى المؤتمر الوطني في 9 أغسطس 2012، وإنتخاب أول حكومة برئاسة “علي زيدان”
شهدت قبة المؤتمر الوطني العام خلافات وإنقسامات ومغالبات، واصدار قرارات مثيرة للجدل لعل أهمها “قانون العزل السياسي” والذي إعتبره الكثيرون بأنه يستهدف شخصيات بعينها وبداية لتعقيد المشهد السياسي وتراجع عن المسار الديمقراطي.
وكذلك الفشل في حل المليشيات المسلحة، بدل ذهبت الأمور لتكوين مليشيات مايسمي (بالدروع)، مما زاد في إنتشارها داخل العاصمة بل تعرض مقر المؤتمر الوطني إلى إجتياح رفضا لبعض القرارات.
بل شهدت العاصمة إقتتالا بين المليشيات وأهمها معركة مطار طرابلس في يوليو وأغسطس 2014، والتي أدت إلى حرق المطار وعدد من الطائرات.
جرت ثاني إنتخابات برلمانية في 25 يوليو 2014، والتي شهدت فوز التيار الوطني والليبرالي بأغلبية المقاعد وخسرها تيار الاسلام السياسي، وسجل في هذه الإنتخابات ضعف إقبال والتي بلغت نسبة 18%، حيث خاض جميع المترشحين لعضوية المجلس كمستقلين.
أدت هذه الخسارة إلى رفض نتائج الإنتخابات قيام المليشيات بالانقلاب على الإنتخابات، مما جعل البرلمان ينتقل الى مدينة “طبرق” وزاد الانقسام بتشكيل الحكومة الليبية المؤقتة.
توالت أكثر من حكومة في آن واحد طيلة أحد عشر عاما
– حكومة الانقاذ.
-الحكومة المؤقتة.
– حكومة الوفاق.
– حكومة الوحدة الوطنية.
– حكومة الاستقرار.
ولم تستطيع كل هذا الحكومات الانتقال بالبلاد الى الاستقرار النهائي، وجاءت الحرب في العاصمة طرابلس.
تجارب المبعوثين الأمميين في ليبيا
سجلت ليبيا رقما قياسيا في عدد المبعوثين الأمميين إليها، حيث وصل عددهم إلى 8، ولم يستطيعوا إيجاد حل نهائي للأزمة الليبية، أو آلية لإيجاد سبيل يخرج البلاد من حالة الإقتتال والإنقسام، وأبرز هؤلاء المبعوثين :
1- عبد الإله الخطيب
هو وزير الخارجية الأردني الأسبق، عينه الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، مع بداية الأحداث في السادس من أبريل 2011.
2-إيان مارتن
دبلوماسي بريطاني شغل مهام الأمين العام لمنظمة العفو الدولية، تولى عمله في بداية سبتمبر 2011، في 20 سبتمبر (أيلول) عُين الدبلوماسي البريطاني إيان مارتن رئيساً للبعثة الأممية لدى ليبيا.
3- طارق متري
تم تعينه خلفا “لايان لمارتن” هو وزير الإعلام اللبناني الأسبق تولى مهامه في أغسطس 2012، أجرى لقاءات مع كافة الاطراف الليبية ولم يتمكن من إنجاز أي تقدم بعد سنتين من تكليفه.
عقب رحيل مارتن، أوكلت الأمم المتحدة إلى الدكتور طارق متري، السياسي والأكاديمي ووزير الإعلام اللبناني الأسبق، مهمة رئاسة البعثة الأممية لدى ليبيا في أغسطس (آب) 2012 وإستمرت ولايته قرابة سنتين، وقد أصدر كتاب عن تجربته في ليبيا.
4-برناردينو ليون
جاء تعيين هذا المبعوث الإسبان، في اغسطس 2014 بظروف صعبة، وفي ظل الإقتتال والإنقسام السياسي الذي عرفته البلاد، ولكنه إستطاع جمع الأطراف في الصخيرات المغربية في نوفمبر 2014، وغادر منصبه بعد ذلك ولم تتمكن حكومة الوفاق من إستلام مهامها.
5-مارتن كوبلر
دبلوماسي ألماني، عين في نوفمبر 2015، وكانت مهمته محددة وهي إكمال مابدأه المبعوث السابق “ليون” وهو تنفيذ إتفاق الصخيرات، وبالفعل تم توقيع الإتفاق في 17 ديسمبر 2015 والذي بدأ العمل به في 6 ابريل 2016.
6 – غسان سلامة
وزير الثقافة الأسبق وأكاديمي وسبق له العمل في العراق يمتاز بالحكمة والذكاء، فهم المشهد الليبي من خلال علاقاته الواسعة، وتواصله مع عديد الأطراف الليبية، حقق بعض الاختراقات وحل بعض الأزمات.
متري أكاديمي ووزير لبناني سابق، أحدث تقدماً ملحوظاً في ملفات المصالحة والحوار بين كثير من الأطراف والقبائل الليبية المتناحرة، منذ تعيينه في يونيو 2017، كذلك نجح سلامة في إجراء تعديلات إلى أن جاءت العملية العسكرية في العاصمة طرابلس ولكى توقف المسار لإعداد لقاء غدامس 2019، لاجراء الإنتخابات البرلمانية والرئاسية.
7- البلغاري ملادينوف
رشحه الأمين العام للأمم المتحدة، ولكن فضل الإنسحاب من البداية، قيل بأنه رأى صعوبة الملف وكثرة الدول المتدخلة في الأزمة الليبية، وإعتقد بأنه أخذ في الحسبان فشل المبعوثين السابقين.
8- يان كوبيش
المبعوث الثامن الذي يعينه الأمين العام لليبيا في 18 يناير 2021، بعد إستقالة غسان سلامة وملادينوف، لم يكن ليان كوبيش له أداء فاعل بنفس مستوي المبعوثين السابقين، ويبدو أنه لم يطلع على الملف الليبي، وقد قيل بأن لا يرغب في الإقامة في ليبيا بعد نقل المقر من جنيف، وقد جاءت إستقالته بشكل مفاجئ بعد عام من إنتخابه وقبل شهر من الانتخابات المقررة.
تم تعيين الأميركية ستيفاني ويليامز بعد إستقالة يان كوبيش وبعدها مستشارة خاصة للأمين العام، فقد إستطاعت القيام بإنجازات و نجاحات مهمة لم تكن متوقعة، وأهمها إدارة جلسات الحوار في تونس وجنيف والقاهرة، وإختيار حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي من خلال ملتقي الحوار السياسي.
وأيضًا تتبيث لوقف إطلاق النار في 23 أكتوبر 2020، وتشكيل اللجنة العسكرية المشتركة 5+5، والإشراف على متابعة جلساتها، وأخيرا إجتماعات القاهرة بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، ولكن التنعنت والتناقضات بين المجلسين والخلاف بين الحكومتين، أفشل التوصل لإنجاز قاعدة دستورية للإنتخابات، وآخرها إجتماع جنيف بين رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الأعلى للدولة والذي خرج بالفشل الذريع.
هل تستطيع الأمم المتحدة حل الازمة ؟!
يشكل مجلس الأمن الدولى إرادة الدول دائمة العضوية، حيث لغة المصالح بين التوافق والخلافات، وقد قادت الولايات المتحدة المجلس في التدخل في عدة دول وآخرها مايسمي بثورات الربيع العربي، وقبل ذلك إحتلال العراق في 2003، مما جعل دول كروسيا والصين تشعر بأنها خذعت، وتكرر المشهد في سورية التي جعلت روسيا الإتحادية تتدخل للدفاع عن مصالحها في سورية، وجاء التدخل في ليبيا 2011، والذي حدث في ظل إنشغال روسيا بالملف السوري ومع مرور الوقت قررت روسيا والصين مواجهة سيطرة أمريكا وحلفائها على مجلس الأمن ومعارضة القرارات التي تتعارض مع مصالحها، وقد إتضح ذلك بالتمدد الروسي في ليبيا ودول إفريقية، ومما زاد من صعوبة الحل في”الملف الليبي” تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، ومحاولة كل طرف الضغط على الآخر..، ومحاولة أمريكا الإمساك بالملف الليبي وأهمها التدخل في الإنتخابات الليبية التي كانت مقررة في 24 ديسمبر 2021، بسبب رفض أمريكا لبعض المترشحين المدعومين من روسيا الإتحادية..
ومحاولة كل طرف تحقيق مكاسب إستراتيجية في ظل تغيير موازين القوى، وبروز بوادر تحالفات عالمية جديدة تنهي الأحادية القطبية !
فقد نجد في هذه القراءة في محاولة لمعرفة تأثير الصراع بين الدول الكبري على الملف الليبي.
أما داخليا فقد و صلت الأوضاع في ليييا، لانسداد بسبب التدخلات الخارجية، التي وعدت الليبيين بالديمقراطية والتي لن تأتي في غياب وإنعدام الثقة والمصالحة الوطنية والتي تمثل أهم الأولويات لبناء الدولة والتي فشل فيها الليبيين.
كما ان الصمت الدولي على الأطراف الليبية لعب دورا في عرقلة الإستقرار، وقد صدرت قرارات تحت الفصل السابع ولم تطبق، مما يؤكد عدم الرغبة في إيجاد حل للأزمة الليبية بل إعادة تدوير للأزمة، ولم تعلق الأمم المتحدة أو أمريكا على اللقاء الليبي ليبي، والذي ضم أهم أطراف الصراع ولم ترحب بذلك بما يؤكد تصريحاتها التي تدعو لإيجاد حل وإجراء الإنتخابات !
وإعتمد مجلس الأمن الدولي في 28 يوليو 2022 قرار تقدمت به بريطانيا، بتمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا لمدة 3 أشهر حتى 31 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، بسبب معارضة روسيا التي طلبت تعيين مبعوث جديد حتى لا يحصل فراغ، وإنتهاء مهام المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز، وبهذا الصدد إقترح الأمين العام تعيين السنغالي “عبدالله بيتالي” كمبعوث جديد لليبيا ولم تعترض روسيا والصين عليه، ولا وجود لإعتراض من الدول ” 15 ” في المجلس على تعيينه !
وفي حال تعيين “عبدالله بيتالي” المرشح الإفريقي، هل يستطيع إيجاد حل للأزمة الليبية، في الوقت الذي لا نحمل فيه الأمم المتحدة والدول المتدخلة في ليبيا دون الإشارة للازمات الداخلية التي تعانيه ليبيا بسبب الفوضى، والانقسام في المجتمع الليبي؟
وتبقي الأمم المتحدة رهينة مصالح مجلس الأمن الدولي.