ثقافةدولي

في حوار مع مترجم الرواية العبرية فتاة ذات القميص الأزرق الدكتور العياشي العدراوي

المكون العبري متعمق في التاريخ المغربي وممتد في النسيج المجتمعي

الدكتور العياشي العدراوي من أبرز المختصين في التراث والأدب العبري بالمغرب، له عدة مقالات ومنشورات أكاديمية من أبرزها كتاب جماعي “دراسات في النص الديني المقارن”، من إصدار المركز الأكاديمي للأبحاث، لبنان/كندا، 2017 بمقال موسوم ب: “الثقافة المغربية في الإنتاجات الأدبية لجبرائيل بن سمحون”

كتاب جماعي: “البحث عن عزرا كاتب التوراة”، من إصدار المركز الأكاديمي للأبحاث، لبنان/كندا، 2017 بمقال يحمل عنوان: “عزرا الكاتب في التفاسير الإسلامية”.

إضافة إلى ترجمته عدد من المقالات من صحف عبرية إلى العربية كما شارك في عدة ندوات ومؤتمرات ،معرفته بالتراث العبري مكنه من يكون مترجما رئيسيا لرواية فتاة ذات القميص الأزرق للبروفسور والكاتب والمسرحي الإسرائيلي جبرائيل بن سمحون في نسختها العربية المغربي الأخير، كما أن رسالته في الدكتوراه كانت حول موضوع المرأة في الانتاجات الأدبية لجبرائيل بن سمحون وبعد حوار سابق مع هذا الأخير على أنباء إكسبريس نستضيف في هذا الحوار المطول مع مترجم رواية المغربي الأخير سيكشف لنا  عن بعض العناصر المخفية في الرواية وعن مدى تجذر الثقافة العربية بالمكون الثقافي المغربي  وعن علاقة ابن حزم الأندلسي مؤسس علم نقد الكتاب المقدس باليهود ومحاور أخرى

 كان عندي حوار سابق مع الكاتب والمسرحي الإسرائيلي البروفيسور جبرائيل بن سمحون حول روايته العبرية فتاة ذات القميص الأزرق والتي ترجمت إلى العربية تحت عنوان المغربي الأخير وكنت أحد المترجمين الرئيسيين لهاته الرواية بجانب الأستاذ المدلاوي، ماهي العوامل الرئيسية التي دفعتك لخوض غمار الترجمة من العبرية إلى العربية؟

 من العوامل التي دفعتني إلى خوض غمار الترجمة من العبرية وساعدتني في ذلك، دراستي على يد ثلة من الأساتذة المختصين في الفكر الديني اليهودي وفي الأدب العبري بماستر الدراسات السامية ومقارنة الأديان (2007-2009) بكلية الآداب، سايس- فاس. منهم على الخصوص الأستاذ الدكتور سعيد كفايتي، والبروفيسور محمد المدلاوي، الذي يعود إليه الفضل، بعد الله تعالى، في دعمي وتوجيهي، سواء أثناء دورات تدريسه في الماستر لمادتي “اللغة العبرية” و”الدراسات الكتابية” بالكلية المذكورة، أو أثناء زيارتي لمقر عمله حينئذ بـ”المعهد الجامعي للبحث العلمي” بالرباط؛ أضف إلى ذلك تأطيرَه وإشرافه على بحثي في الدكتوراه بمعية الدكتورة زهور حوتي، وكذا توثيقه لعلاقتي مع الكاتب جبرائيل بن سمحون، الذي يعود إليه الفضل أيضا في مساندتي من خلال إهدائه إيّاي كثيرا من أعماله الأدبية أثناء زيارته لمدينة فاس سنتي 2010 و2018؛ كما كان يساعدني بتبسيط ما استعصى عليّ فهمه أو التبس معناه، وذلك عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن اللغة العبرية مؤهلة لاستيعاب الخصوصيات المغربية أكثر من لغة أخرى (الفرنسية مثلا)، لأنها تداخلت تاريخيا عبر الحقب مع النسيج اللغوي والثقافي المغربي، كما أن اللغتين (العربية والعبرية) تنتميان إلى نفس العائلة اللغوية (عائلة اللغات السامية).

 هل لك أن تكشف لنا عن ملخص مقتضب عن “المغربي الأخير “باعتبارك مترجم الرواية؟

تحكي رواية “المغربي الأخير” عن قصة الفتى “يونتان مارتسيانو” الذي يبلغ من العمر أربع عشرة سنة، لما هاجر من المغرب إلى حيفا أُغرِم بفتاة تُدعى “نوريت ستاف” الإسرائيلية المولد الوحيدة بالمدرسة والتي تشبه إلى حد كبير الملكة الأمازيغية اليهودية “ديهيا الكاهنة”. يخجل من كشف حبه فيرسل لها رسائل غرامية بواسطة صديقتها في الفصل “زولياط أسولين” الصهباء والتي بدورها قدمت للتو من المغرب، لكن هذه الأخيرة كانت تحتفظ بها وتبعث له أجوبة بدلها. في تلك الفترة أغرمت “نوريت” بلاجئ بولوني يُدعى “بولوش”، حينها التجأ “يونتان” إلى العم “عمرام” طارد الأرواح الشريرة الذي كان مشهورا ببركته وإتقانه لعمله في المغرب طالبا مساندته ليفوز بقلب حبيبته. يقضي “يونتان” جل وقته بسينما “الكرمل” متسللا عبر أسوارها كل مساء لمتابعة أفلام أمريكية وليتعلم من ممثلين مشهورين آنذاك مثل: غاري كوبر، كلارك غيبل، جيلين فورد…من يسحب مسدسه أولا وكيف يسيطر على قلب عشيقته، لكن الكلمات هي سلاحه الوحيد. يبدو أن مالك سينما “الكرمل” هو والد “نوريت ستاف” الذي منحه تذكرة دخول مجانية ووظيفة تتعلق بإدراج الترجمة العبرية أسفل الشريط، ومن باب شفقته على المشاهدين كان يلجأ إلى تغيير النهايات الحزينة إلى أخرى سعيدة بما في ذلك نهاية العشيقين “روميو” و”جولييت” حينما أضاف إلى شريط الترجمة بأن “السم الذي تجرعاه كانت صلاحيته منتهية لم يؤثر على صحتهما حيث نهضا في صباح اليوم الموالي سليمين معافين ليكملا مشوار حياتهما ينعمان بالحب والسعادة”.

يحاول “يونتان” بدوره إغواء ملهمته “نوريت” من خلال سرده لمجموعة من القصص والحكايات الشعبية تتعلق بطفولته في المغرب، ورحلته من صفرو إلى حيفا والصعوبات التي واجهتهم برا وبحرا، وعن أفراد عائلته الممتدة، فكان يشعر وكأنه يتصرف كما تصرفت “شهرزاد” حينما كانت تحكي في كل ليلة قصة للملك “شهريار” وتشوقه لمعرفة نهايتها ولا تكملها إلا في الليلة الموالية حفاظا على حياتها من الموت المحقق، فهو كذلك يسرد لها كل يوم قصة من قصصه ليستمر لقاءهما على أمل أن تبادله نفس الإحساس ذات يوم. فهل سينجح هذا الأخير الذي بدَّل نهايات الأفلام الحزينة إلى نهايات سعيدة في تغيير نهاية قصته وكسْب قلب عشيقته “نوريت”؟

لماذا التركيز على ترجمة أعمال بن سمحون؟

يعتمد جبرائيل بن سمحون إنتاجاته الأدبية والمسرحية من مصادر مختلفة: الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، التلمود، القبالا، الأدب والشعر العربي والعبري في الأندلس، الأدب العبري في أوربا، المسرح اليوناني، السينما الغربية…لكن تبقى الثقافة المغربية بمكوناتها المتعددة هي التي تؤطر الأعمال الروائية والمسرحية للكاتب أينما حلَّ وارتحل عبر العالم. وأبرز تلك الأعمال دون استقصاء: مسرحية “ملِك مغربي” 1980، والمجموعتين القصصيتين “الغادية بالكامون والرَّاجْعة بالزعتر، قصص حب مغربية” 2002، “إبداع مغربي، أطباق وحكايات” 2009، ورواية “المغربي الأخير” 2013.

 المكون العبري بالأمة المغربية هو مكون أصيل بالثقافة والحضارة المغربية فكانت رواية المغربي الأخير توثيقا للذاكرة اليهودية المغربية ،ما مدى صحة هذا التوصيف؟

المكون العبري متعمق في التاريخ المغربي وممتد في النسيج المجتمعي من خلال اللغة والعادات والأمثال الشعبية والفلكلور والموسيقى، وهذا ما نلمسه في رواية “المغربي الأخير”. كما يظهر هذا التجذر جليا من خلال جهود المملكة المغربية الرامية إلى الحفاظ على التراث المغربي اليهودي (إعادة تأهيل أماكن العبادة مثل كنيس “صلاة الفاسيين” بفاس سنة 2013، تحديث الحي اليهودي “حي السلام” بمراكش سنة 2017، الزيارة الملكية إلى الفضاء التاريخي والثقافي والروحي “بيت الذاكرة” بالصويرة سنة 2020، ترميم عدد كبير من المقابر اليهودية…)، بالإضافة إلى إدماج تراث وتاريخ المغاربة اليهود ضمن المناهج التعليمية، كما أن الدستور المغربي لسنة 2011 ينص في ديباجته أن المُكون العبري يُعد رافد من روافد الهوية المغربية.

 هل يمكن آن نصف أدب جبرائيل بن سمحون بالأدب المغربي آم أنه أدب إسرائيلي بنكهة مغربية؟

بالطبع، يمكن تصنيف الكتابات الأدبية والمسرحية للكاتب والمسرحي والسيناريست جبرائيل بن سمحون ضمن خانة الأدب المغربي، لأن جُل إنتاجاته تتحدث عن الثقافة المغربية بمختلف مكوناتها، من خلال سرده لمجموعة من الحِكم والأمثال الشعبية تتعلق ب( جمال المرأة ومهارتها في الطبخ، الصبر، التخطيط والتدبير، توخي الحيطة والحذر، التخطيط للمستقبل، الاعتماد على النفس…)، الفضاءات المغربية( صفرو، فاس، الشاون، الحسيمة، طنجة، وزان، تنغير، ورزازات، مراكش، الصويرة، زاكورة…)، الأعلام المغربية( ملوك الدولة العلوية الشريفة، محمد المدلاوي، الطيب الصديقي، بشير، مسعودة، طامو، يطُّو، القايد عمر، ياسمين، عائشة، مريم، سلطانة، ياقوت، عمرام…)، الطبخ المغربي( الكسكس، الطاجين، البسطيلة، المروزية، الخليع، الشاي بالنعناع، البغرير…)، الزي المغربي( الطربوش الأحمر الوطني، الجلباب التقليدي، البلغة الفاسية، التكشيطة، القفطان…)، الفلكلور المغربي( أحواش، أحيدوس، كناوة…)، الأغاني المغربية( هاك أماما اعطي لماما، يا بلارج يا طويل القايمة، يا الكمرة علِّي علِّي وديري الدارة…).

كل تلك العناصر السابقة تجعل من الإنتاجات الأدبية لجبرائيل بن سمحون أدبا مغربيا بامتياز. في هذا الإطار، لا بد من التأكيد على أنَّ الأكاديمي واللساني البروفيسور محمد المدلاوي المنبهي هو أول من دعا إلى إعادة النظر في ماهية الأدب المغربي الناطق بالعبرية، على غرار الأدب المغربي المدون بالفرنسية أو الإسبانية أو الإنجليزية… عبر سلسلة من المؤتمرات والندوات والملتقيات واللقاءات الصحفية لأكثر من عقدين من الزمن (المحاضرة التي ألقيت بالمعهد الجامعي للبحث العلمي بالرباط تحت عنوان: “اللغة العبرانية في عشرية تدبير اللغات الأجنبية بالمغرب” سنة 2005. المائدة المستديرة التي انعقدت بالدار البيضاء حول موضوع “الهجرة والآداب” وهو ما اصطلح عليه “الأدب المغربي في الشتات” سنة 2009. الندوة الدولية بقصر المؤتمرات بفاس تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله تحت عنوان “المكون العبري في الثقافة الأندلسية: الأندلس وحوار الحضارات” سنة 2013. الندوة العلمية الدولية في موضوع “المكون العبري في الثقافة الأندلسية: تلاقح اللغات والثقافات والديانات” سنة 2019. مقال للدكتور محمد المدلاوي بجريدة الاتحاد الاشتراكي بتاريخ 23-24 يناير 2021 موسوم ب “استرداد أوجه الرافد العبري في الثقافة المغربية إلى حيّز الوعي”…).

 بدأ اهتمامك بالترجمة من العبرية إلى العربية في بحث الماستر بكلية الآداب والعلوم الإنسانية سايس، فاس سنة 2009 الموسوم ب “ترجمة ودراسة للمجموعة القصصية شلوم جيمل”. ما موضوع هذه الدراسة؟

تتعلق هذه الدراسة ببحث الماستر بإشراف من الأستاذ الدكتور رضوان الخياطي، وتندرج هذه المجموعة القصصية “شلوم جيمل” “שלום גימל” للكاتبين مناحيم إيلون (1923-2013) ورفائيا سبورطا (1913-1983) ضمن أدب الأطفال. وقد جسدت هذه القصص القصيرة بشكل واضح في مجملها إبراز معاناة اليهود عبر التاريخ، بدءا بالاضطهاد الفرعوني بمصر، ومرورا بالشتات البابلي وانتهاء بتدمير بيت المقدس في العهد الروماني. بالإضافة إلى ما كابدوه بعد ذلك من نكبات على مر تاريخهم إلى حين تأسيس الدولة اليهودية الحديثة التي ساهم في بنائها بشكل فعال الأطفال والشباب، من خلال سرد القصص ذات الطابع الديني والقومي التي تُظهر التفوق الإسرائيلي، وما يعتبرونه ذكاء فطريا على الأغيار عموما، وعلى العرب على وجه الخصوص، من خلال نعتهم بأوصاف قدحية من قبيل المكر والعدوانية والتخلف… زارعين بذلك بذور الحقد والكراهية في نفوس ناشئتهم ضد العرب.

كانت أطروحتك لنيل شهادة الدكتوراه حول موضوع المرأة في الانتاجات الأدبية لجبرائيل بن سمحون، هل لك أن تكشف لنا عن أبرز ما جاء في أطروحتك؟

 عالج جبرائيل بن سمحون موضوع المرأة من جوانب مختلفة سأقتصر على بعضها:

المرأة بطلة في السلم والحرب:

لقد ورد في مسرحية (زواج بالجدار الغربي) (חתונה בכותל) بأن “دافنا” البطلة التي تسعى إلى إرساء عملية السلم والسلام دون إراقة للدماء من أجل إنقاذ القدس من كارثة محققة، ولو كلفها ذلك حياة أبيها الجنرال “قسطنطيني” وغريمها “دان” اللذين يرغبان في تنحية رئيس الحكومة “ليبوبتس”. وعلى ما يبدو، فالمسرحية يمثلها تياران: أحدهما يلعب أدوارها “دافنا” ورئيس الحكومة “ليبوبتس” ومن معهما والذي يهدف إلى إرجاع القدس إلى الفلسطينيين مقابل السلام، بينما الطرف الثاني وهو التيار المعارض الذي يحاول جاهدا تنحية رئيس الحكومة، ويمثله الجنرال المتقاعد “قسطنطيني” (أبو دافنا) ونحماني (حارس الجدار الغربي) و”دان ديوران” الفتى الإسرائيلي القادم من نيويورك إلى تل أبيب من أجل تأليف كتاب عن أبيه “يوسي ديوران” الذي قُتِل في حرب 1967م.

مساهمة المرأة المغربية اليهودية في استعجال ظهور المسيح المخلص ليحملهم على أجنحته فوق السحاب إلى الأرض الموعودة دون انتظار معجزة السماء، من خلال مسرحيتي “ملِك مغربي” و “بوزميما”.

المرأة مدافعة عن البلاد والعباد بالحديد والنار:

يُبرز جبرائيل بن سمحون في روايته “المغربي الأخير” على أن يهود صفرو هم أمازيغ تهودوا وينحدرون من الملكة الأمازيغية “ديهيا الكاهنة”، التي دافعت ببسالة عن أهلها وأرضها ضد الفاتحين المسلمين وألحقت هزيمة نكراء بالقائد العربي “حسان بن النعمان”.

المرأة المغربية اليهودية متشبثة بهويتها (الاسم، اللباس، العادات والتقاليد…).

وضْع المرأة اليهودية في المغرب أفضل حالا من وضعها في إسرائيل حيث أصبحت تشتغل خادمة في البيوت لتلبية حاجياتها الأسرية، وتسكن في بيوت قديمة متهالكة تفتقر إلى أبسط ظروف العيش، كما أنها وجدت صعوبة في التأقلم مع البيئة الجديدة وأحست بالاغتراب الزمكاني والنفسي والروحي. وخصوصا بالنسبة لفئة كبار السن التي تأثرت بالدارجة المغربية.

المرأة الشرقية (يهودية أو مسلمة) محافظة خجولة ضابطة لنفسها متحكمة فيها، أما المرأة الغربية (مسيحية أو يهودية) فهي متحررة من الأعراف والتقاليد ولا حدود لها، لا تنتظر أن يتعقبها الرجال، بل هي التي تلاحقهم.

 أثار انتباهي أحد أهم منشوراتك الأكاديمية من خلال كتاب جماعي صادر عن مركز نماء للبحوث والدراسات ببيروت كتاب “ابن حزم الأندلسي نحو مقاربات جديدة” وورقتك البحثية كانت معنونة ب”علاقة ابن حزم باليهود” وكما نعرف جميعا فاءن ابن حزم الأندلسي لقب ب “مؤسس علم نقد الكتاب المقدس” هل ابن حزم كان حلقة وصل بين الاهوت اليهودي والإسلامي؟

بالطبع، يعتبر ابن حزم الأندلسي (ت. 456ه/ 1064م) من العلماء السابقين إلى نقد الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، وِفق منهج علمي رصين يعتمد على النقد الداخلي (النصوص) والخارجي (التاريخ السياسي والديني لليهود)، من خلال مؤلفه الأكثر شهرة “الفَصْل في الملل والأهواء والنحل” الذي حاول من خلاله أن يبرز تفَوق الإسلام على المعتقدات الأخرى عموما، وعلى علُو شأن المذهب الظاهري على المذاهب والفِرق الإسلامية الأخرى على وجه الخصوص، كما يضم بين دفتيه جدالا مفصلا عن اليهودية. وفي جانب آخر منه يبين صاحبه بأن الإسلام لم يأت ناسخا للتوراة فحسب، وإنما ليكشف النقاب عن الفساد الأخلاقي الذي حلَّ بأجيال اليهود المتعاقبة. لقد كان ابن حزم على اتصال وثيق باليهود من مختلف التيارات والمشارب وأجرى مناظرات دينية مع ابن النغريلة اليهودي (ت. 1056م) في كتابه الموسوم ب “الرد على ابن النغريلة اليهودي ورسائل أخرى”. لم يوجه نقده اللاذع لليهود فحسب، بل أيضا للمسيحيين وباقي الفِرق الإسلامية التي خالفته الرأي، مثل الشيعة والمعتزلة والأشاعرة وحتى المالكية. كما أن أسلوبه في السجال ينحو عندما يكون المستهدف هو اليهودية أن يتوافق مع المسيحية في بعض القضايا، وبالمقابل عند جداله مع المسيحية يتوافق مع اليهود في بعض القضايا. مما يشير إلى أنّ الفئة المستهدفة في معرض السجال هي الأكثر عرضة لخطابه العدواني. بيد أن مؤلفات ابن حزم غير الجدلية تنحو نحو الاعتدال في قضايا فقهية تخص أهل الذمة من اليهود والنصارى كما في كتابه “المُحلَّى بالآثار” (يجوز -حسب ابن حزم- للمسلم أن يصلي بملابس الكافر على الرغم من أن هذا الأخير يُعد نجسا، ولا تنتهي نجاسته حتى يعتنق الإسلام ج1، ص: 137. كما يجوز للمسلم الصلاة في الكنيس ج3، ص: 100…).

 لك عدة مقالات مترجمة من الجرائد العبرية أبرز هذه المقالات” مدينة “فاس في الصحف العبرية”، في صحيفة كيكَّار هشبات..ماذا تمثل فاس بالنسبة لليهود وهي العاصمة الروحية والعلمية للمملكة المغربية؟

نُشر المقال في صحيفة “كيكَّار هشبت” “כיכר השבת” بتاريخ 26-11-2016. وأهم ما ورد فيه: تُعدُّ مدينة فاس من المدن المغربية العريقة التي استوطنها عشرات الآلاف من اليهود منذ تأسيسها قبل أربعة عشر قرنا بدعوة رسمية من حكامها، لأنهم يدركون جيدا أن اليهود ملمين بالقراءة والكتابة ويمتهنون حرفا متنوعة ومعقدة. لكن أعدادهم اليوم تراجعت بشكل ملحوظ، إذ لا يتجاوزون بضع عشرات، معظمهم من كبار السن وينعمون بوضع اجتماعي متميز بسبب العناية السامية للملك محمد السادس نصره الله.

مدينة فاس هي المدينة المغربية الأولى التي ظهر فيها حي “الملاح” الذي يعود سبب تسميته حسب أغلبية المؤرخين، إلى كون اليهود كانوا يتاجرون في مادة الملح فيجمعونه على شكل كومات قرب منازلهم فلُقِّب المكان بالملاح. لكن هناك رواية أخرى جديرة بالاهتمام، وهي أن سلطان المدينة حكم على كل خارج عن القانون بأن يُقطع رأسه في ساحة المدينة ويُرمى بمدخل الملاح لتمليحه من طرف اليهود ليكون عبرة لهم ولغيرهم.

المدينة التي رفض أهلها من اليهود الأصليين (البلديين) دخول اليهود المطرودين (المهجَّرين) من الأندلس إلى ترابها ونظروا إليهم كالغرباء، وهكذا كانت العلاقة بين الطائفتين معقدة إلى حد ما، بسبب الخلاف حول طقوس الأطعمة والشعائر، وكذا الأحوال الشخصية والضرائب وغيرها.

مدينة فاس هي المركز الروحي بالنسبة لليهود، فهي قِبلة للحكمة والعلوم مثل الرياضيات والطب، واشتهرت بجامعة القرويين التي درس فيها علماء من المسلمين واليهود جنبا إلى جنب، من أمثال الطبيب والفيلسوف والحكيم موسى بن ميمون والحاخام إسحاق الفاسي اللذين تتلمذا عليهما علماء أجلاء من أوربا واليمن.

تتوفر مدينة فاس على مجموعة من المرافق والمعالم التاريخية الخاصة باليهود من قبيل: بيعتين صالحتين لممارسة الشعائر التعبدية، مِغطس فسيح، جِزارة يباع فيها اللحم الحلال، مطعم أنيق، بيت عائلي، الجمعية المقدسة ومتحف يؤرخ لتاريخ وحضارة يهود فاس. بالإضافة إلى ما سبق ذكره قامت الحكومة المغربية بترميم المقبرة اليهودية وبيعة ابن دنان تحت رعاية اليونسكو، كما توجد بالمدينة مقبرة خاصة باليهود دُفن فيها عظماء وعلماء المغرب مثل الربي يهودا بن عطار والصدِّيقة لالة سوليكة.

 كلمة أخيرة؟

شكرا لكم السي عبد الحي كريط عن هذا الحوار المثمر للتعريف برواية “المغربي الأخير” وببعض الدراسات التي قمت بنشرها أو المشاركة بها في ندوات والمتعلقة بالفكر اليهودي والأدب المغربي- العبري. أشتغل اليوم على ترجمة مسرحية “ملِك مغربي” “מלך מרוקאי” للمسرحي المغربي- الإسرائيلي جبرائيل بن سمحون، التي تحكي عن تهافت المغاربة اليهود في أربعينات القرن الماضي بمدينة صفرو وتطلعهم شوقا لظهور المسيح المنتظر الذي سيحملهم فوق السحاب إلى الأرض الموعودة…آمل أن تُعرض هذه المسرحية في قادم الأسابيع بمسرح محمد الخامس بالرباط.

https://anbaaexpress.ma/kwh3k

عبد الحي كريط

باحث وكاتب مغربي، مهتم بالشأن الإسباني، مدير نشر أنباء إكسبريس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى