شهدت تونس مابعد الثورة 2011، إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية 2011 و 2014 و 2019، وعلى الرغم من ذلك لم تنعكس العملية السياسية على تونس بعد أحد عشر عاما من الثورة، والتي تميزت بالسلاسة والهدوء، مما يعطيها الكثير من المتانة والقوة، للانطلاق في مراحل متقدمة، نظرا لتميز المجتمع التونسي في مختلف مناحي الحياة، من خلال المكاسب الاجتماعية والثقافية التي أرسى دعائمها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وإستمرت في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، على الرغم من إنفراده بالسلطة لمدة 23 عاما.
وقد وجهت اتهامات لحركة النهضة بالسيطرة على مفاصل الدولة، وصياغتها لدستور 2014 على مقاسها، وإقرارها للنظام البرلماني الذي حصرجميع الصلاحيات لدى البرلمان واعطي رئيس الدولة صلاحية تعيين وزيري الدفاع والخارجية، والتشاور في اختيار رئيس الحكومة، لكن الصراع بين الاحزاب داخل البرلمان تفاقم، مما تسبب في عدم إستقرار الحكومات المتعاقبة والتي وفشلت بسبب المحاصصات والمصالح الحزبية والتي تكون على حساب الكفاءة، مما جعلها تفشل في حل أزمات البلاد!
وجد الرئيس قيس سعيد نفسه في وضع محرج وبناء على المطالبات الشعبية والاحتقان و تردى الاوضاع فقرر التحرك لانقاذ مايمكن انقاذه، وجاءت إجراءات 25 جويلية وأهمها:
إعلان تنظيم إستفتاء دستوري في 25 يوليو 2022 وتنظيم انتخابات تشريعية مبكرة في 17 ديسمبر 2022، وحل المجلس الاعلي للقضاء، وحل مجلس نواب الشعب، وقد تباينات الآراء داخل لدى الشارع التونسي والاحزاب والقوي السياسية، بين معارض وإعتبار ذلك إنقلاب على الدستور وبين مرحب بهذه الخطوة وتحديدا من عامة الشعب التونسي !
وقد بدأت السبت عملية الاستفتاء على مشروع الدستور في الخارج من 23 – 25 يوليو وفتح أولى مركز اقتراع في مدينة ” سيدني ” الاسترالية، وسوف يكون آخر مركز يغلق في سان فرانسيسكو في اقصي غرب امريكا، ومن المعلوم بأن اكثر الجاليات التونسية تتواجد في فرنسا وألمانيا وإيطاليا ودول الخليج كالسعودية والامارات وقطر، ولم ينتهي التصويت حتي يوم الاخير وإن سجل إقبال أكبر بناء تصريح رئيس الهيئة فاروق أبوعسكر.
ولكن التعويل على الاقتراع داخل تونس التي تمثل الغالبية من التسعة ملايين ناخب، لاول مرة في تونس والجدير بالذكر بأنها المرة الثالثة بعد الإستفتاء على دستوري 1959 و 2014 .
وقد لاحظت بعض منظمات المجتمع المدني التونسي بوجود بعض المخالفات والاخلالات من طرف هيئة الانتخابات، وإتهامها بعدم الحياد والاصطفاف، كذلك بعض الأحزاب التي كانت في السلطة في إطار معارضتها منذ البداية لحزمة الإجراءات الكاملة، وقامت بتحركات ومظاهرات وحملات في مختلف وسائل الاعلام وشبكات التواصل الاجتماعي، في المقابل شكلت لجان شعبية وشبكات للتواصل من قبل المؤيدين لاجراءات الرئيس والدعوة للتوجه بكثافة للتصويت بنعم على الاستفتاء.
ويوجد تخاوفات لدى البعض ممن أيدو اجراءات الرئيس في 25 جويلية من فصول مشروع الدستور و العودة لنظام الحكم الفردي وفي الوقت نفسه يعارضون فيها دستور 2014 !!.
ويرى البعض بأن الاستفتاء على الدستور بنعم، هو ينتقل بتونس لمرحلة جديدة بعد سنوات من الأزمات والفوضى السياسية، ويثقون في الرئيس قيس سعيد، ويتفهمون إقتراحاته الدستورية القابلة للتعديل والتصويت، والبداية تستوجب إنهاء الأجسام السياسية والأحزاب التي فشلت ولاتملك ماتقدمه لتونس !
ونتوقع بأن الرئيس قيس سعيد إستوعب نبض الشارع التونسي الذي سوف ينجز هذا الاستحقاق التاريخي والمفصلي، على الرغم من الكم الهائل من الحملات المغرضة والتشويش، والتي تريد إسترجاع مكاسبها التي حصلوا عليها بالقفز على تضحيات الشهداء الذين خرجوا وصنعوا التغيير!.
ونعتقد بأن الرئيس قيس سعيد الذي جاء من عامة الشعب وعاش همومهم ومعاناتهم، مما جعله يترشح للانتخابات الرئاسية دون حزام سياسي او إنتماء حزبي، أراد بالقانون وبكل هدوء انهاء مرحلة إرتهنت فيها تونس لاطراف معينة، ولابد من إنهاءها في ظل تحديات داخلية وخارجية والانتقال بالبلاد بما يتوافق مع إمكانياتها ومكاسبها التي تحققت بإرادة الشعب التونسي.