تقاريردوليسياسة

تحليل.. الصراع الجيو إستراتيجي بين الهند والصين بالمحيط الهندي

هذه الدراسة التحليلية صادرة عن المعهد الإسباني للدراسات الاستراتيجية، حصلت أنباء إكسبريس على نسخة أصلية منه.

يعتبر المحيط الهندي منطقة ذات أهمية إستراتيجية كبيرة لما تحتويه من موارد وطرق التجارة التي تمر عبره ولأنه يحتوي على بعض أهم نقاط التجارة في العالم، على وجه التحديد، تعتبر هذه المنطقة بالنسبة للصين والهند ذات نفوذ و أهمية حيوية لمصالحهما، مما دفعهما إلى تطوير استراتيجياتهما لترسيخ وجودهما في هذه المنطقة الجغرافية ومع ذلك، فقد أدى ذلك إلى إندلاع منافسة جيوستراتيجية بين الدولتين لإنشاء قواعد بحرية، وتعزيز التحالفات مع الدول الساحلية لتأمين مناطق نفوذها، وتطوير قوة بحرية، لهذا السبب، أصبح المحيط الهندي مسرحا للتنافس بين الصين والهند لإثبات تفوقهما في المنطقة.

أهمية المحيط الهندي

يربط المحيط الهندي 34 دولة ساحلية، بما في ذلك باكستان والهند وإيران والمملكة العربية السعودية، أي ما يقرب من ثلثي التجارة البحرية العالمية الذي يعب من هذه المياه، مما يجعل المنطقة مركزا أساسيا لخطوط الاتصال البحرية، كما أنها  تعد مركز لتجارة النفط، حيث يمر ثلثا النفط والغاز في العالم عبر هذا المحيط، بالإضافة إلى ذلك، فإن طرق الطاقة التي تربط هذه المياه والتي تمر عبر مضيق ملقا أو (سلت ملاك )ضرورية لإمداد البلدان الساحلية بالنفط، وخاصة الهند والصين.

تكمن أهميته أيضا في الموارد التي يحتوي عليها، فحوالي 40٪ من إنتاج النفط البحري يحدث في المحيط الهندي، ومصائد الأسماك الموجودة في هذه المنطقة هي ثالث أكبر مصائد في العالم.

ولكن بلا شك، هذه المنطقة المحيطية ضرورية لأنها تحتوي على بعض نقاط المرور البحرية الأكثر صلة في العالم، على وجه التحديد، توجد أربع نقاط عبور إستراتيجية في المحيط الهندي: باب المندب، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن، مضيق ملقا وهوأحد أهم طرق الشحن في العالم، مضيق هرمز الممر الوحيد من الخليج العربي إلى المحيط، وقناة موزمبيق وهو طريق تجاري مهم للعبور بين رأس الرجاء الصالح والشرق الأوسط وآسيا لذلك، فإن التأثير على هذه النقاط الاستراتيجية أمر أساسي لأي سفن بحرية، حيث يمكنها بالتالي التحكم في نقاط الوصول والخروج في هذه المنطقة.

إزدادت الأهمية الجيوستراتيجية للمحيط الهندي بشدة بسبب النمو الاقتصادي المتسارع للدول الآسيوية، وخاصة الصين، وصعود الهند كواحدة من أهم الدول الساحلية بالمنطقة ووجود قواعد عسكرية للولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إضافة إلى سفنها، سعيا لاحتواء الصين على وجه التحديد، بالنسبة إلى الهند والصين وهما البلدان التي ستتطرق لها هذه الدراسة التحليلية، تعتبر هذه المنطقة هامة و حيوية بالنسبة للهند فقد شكلت التجارة الخارجية من خلال خطوط الاتصال البحرية في المنطقة 43.4٪ من ناتجها المحلي الإجمالي في عام 2018، بالإضافة إلى أنها تعتمد على هذه المنطقة بنسبة 80٪ من إمداداتها النفطية، كونها ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم.

بالنسبة للصين المنطقة ضرورية، حيث أن جميع تجارتها البحرية تقريبا تمر عبرها، بالإضافة إلى ذلك، تعمل على تطوير طريق الحرير الجديد الخاص بها، والذي يتضمن طريقا بحريا يربط الموانئ الصينية بالساحل الأفريقي، وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط ​​عبر قناة السويس، لذلك يعد المحيط الهندي منطقة حيوية لمصالح الصين.

أصبحت هذه المنطقة بؤرة التنافس الجيوستراتيجي بين الصين والهند، بينما الهند، التي تصعد كسادس أكبر إقتصاد في العالم، تريد ترسيخ هيمنتها في المنطقة، في بكين ينظرون إلى بروز وصعود الهند بالمنطقة، خطرا إستراتيجيا على مصالحهم،  لأن هذه المنطقة ذات أهمية حيوية لتجارتهم، وتشكل طموحا وإمتدادا جيوسياسيا  لهم بمنطقة جنوب شرق آسيا.

الاستراتيجيات الصينية والهندية في المحيط الهندي

الصين واستراتيجية “عقد اللؤلؤ”

الصين قوة قارية تمتد من قلب نظرية هارتلاند وهو الاسم الذي يطلق على التحليل الجيوسياسي لتاريخ العالم الذي اقترحه الجغرافي البريطاني هالفورد جون ماكيندر في عام 1904 في مقالته “المحور الجغرافي للتاريخ.

الصين كقوة  إستراتيجية تمتد في آسيا الوسطى إلى ساحل المحيط الهادئ، بعد عقود من الغزو والتدخل من قبل القوى الأوروبية بين القرنين 19 و20، وهو ما يعرف عند الصنيين  “بقرن الذل”.

تبرز الصين كقوة عالمية جديدة في المجالات الاقتصادية والعسكرية، وفقًا للبنك الدولي، فهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم من حيث الناتج المحلي الإجمالي، بعد الولايات المتحدة فقط، في المجال العسكري، فهي الدولة ذات الإنفاق العسكري الثاني (252،000 مليون دولار).

وبدافع من القومية الصينية القوية التي تطورت تحت قيادة شي جين بينغ، تستخدم الصين نموها الاقتصادي للعودة إلى “الصين الكبرى”، وهو مفهوم يتعلق بجغرافية خيال البلاد، والتي بموجبها تستعيد الصين الأراضي التي إغتصبت من قبل القوى الغربية خلال القرن التاسع عشر،
ولكن كقوة تنقيحية صاعدة تسعى إلى إنشاء موقع جديد في النظام الدولي، تحتاج الصين إلى تأمين إمدادات موارد الطاقة والتحكم في خطوط إتصالاتها البحرية للحفاظ على التجارة الدولية.

وهذا جعلها تركز إهتمامها في السنوات الأخيرة على المحيطات وزيادة قدراتها الدفاعية البحرية، نظرًا لأن بحر الصين الجنوبي، المتاخم لأراضيه، يفرض قيودا معينة بسبب النزاعات الإقليمية التي تشمل عدة دول إضافة إلى الوجود الأمريكي، فقد وضعت الصين أنظارها على المحيط الهندي لضمان مصالحها الجيوسياسية.

كما جاء في بداية الدراسة، فإن مصالح الصين في هذه المنطقة هي ضمان إمداد الموارد، والحفاظ على طرق التجارة، وتطوير طريق الحرير البحري، الذي تعتزم من خلاله تحدي الهيمنة الغربية في الأسواق الدولية وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ، الهدف في هذا المجال هو حماية خطوط الاتصال البحرية الخاصة بها، ولهذا  طورت بكين استراتيجية أطلق عليها العديد من المحللين إسم “عقد اللؤلؤ”، بموجب هذه الاستراتيجية، ستسعى الصين إلى زيادة نفوذها العسكري والاقتصادي والدبلوماسي في المنطقة من خلال تطوير البنى التحتية وإقامة تحالفات مع الدول الساحلية في المحيط الهندي.

ولفهم  هذه التحركات المختلفة لبكين التي يمكن أن تفسر هذه الاستراتيجية.

في منطقة القرن الأفريقي، أنشأت الصين أول قاعدة عسكرية لها خارج أراضيها في جيبوتي، وبهذه الطريقة تزيد من تواجدها في منطقة ذات أهمية استراتيجية حيوية، حيث يقع مضيق باب المندب هناك عند مدخل البحر الأحمر والطريق الذي يربط آسيا بأوروبا عبر قناة السويس، كما هو مبين في الخريطة،  بالإضافة إلى ذلك، تقوم الصين باستثمارات كبيرة مع الدول الأفريقية المطلة على السواحل الهندية، ولا سيما كينيا وجنوب إفريقيا.

وهذا يتيح لها أن يكون لها تأثير أكبر في منطقة جغرافية تمتد فيها قناة موزمبيق، وهي إحدى نقاط المرور البحرية الإستراتيجية في منطقة المحيط الهندي.

عنصر حيوي آخر في الاستراتيجية الصينية هو بناء ميناء جوادر في باكستان، حيث استثمرت الصين بكثافة في هذا الميناء، لأنها جزء من الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC) تقع في منطقة ذات قيمة إستراتيجية كبيرة بين الشرق الأوسط وباكستان وآسيا الوسطى، يربط الميناء مباشرة الأراضي الصينية بالمحيط الهندي من خلال الطرق السريعة والسكك الحديدية، وهذا يعني أيضا إرتباطا بطريق الحرير البحري.

أقامت الصين كذلك، علاقات اقتصادية مع جزر المالديف وهي دولة إنضمت إلى مبادرة طريق الحرير الجديد في عام 2014، تمثل هذه الجزر بؤرة رئيسية للمنافسة الجيوستراتيجية بين الهند والصين. في عام 2018 فاز المرشح الأكثر تفضيلاً للمصالح الهندية بالانتخابات، ومع ذلك، بالنظر إلى أن الاستثمارات الصينية تمثل 80٪ من ديون جزر المالديف، فمن المحتمل جدًا أن تستمر بكين في الحفاظ على نفوذها.

تحافظ بكين كذلك على وجودها في سريلانكا، في هذا البلد إستحوذت على ميناء هامبانتوتا، لا يعمل هذا الموقع على التحكم في شحنات الشحن المتجهة إلى الصين فحسب، بل يسمح لها أيضًا بمراقبة تحركات الهند في المنطقة، بالإضافة إلى ذلك، يمكنك الاحتفاظ بقوة عسكرية إحتياطيا في حالة نشوب صراع، بعد التواجد الصيني في الساحل الهندي، تعمل الدولة على تطوير العلاقات مع بنغلاديش، التي وافقت على الانضمام إلى مبادرة طريق الحرير الجديد وبناء نفق كارنافولي.

الصين موجودة أيضا في شيتاغونغ، أكبر ميناء في بنغلاديش، حيث استثمرت في مرافق ومستودعات لسفن الشحن .

تحقق التوسع الصيني كذلك في ميانمار، وتحديداً في مدينة كياوكبيو الساحلية على خليج البنغال، في عام 2016 تمكنت الصين من تطوير منطقة اقتصادية خاصة وبناء ميناء من خلال إقامة روابط بين هذه الإنشاءات والأراضي الصينية، ستكون بكين قادرة على تقليل إعتمادها على مضيق ملقا لواردات الغاز والنفط.

يذكر أيضا أن الصين طورت عمليات مراقبة في جزر كوكوس، من خلاله ستسعى بكين إلى فرض سيطرتها على السفن التي تمر عبر خليج البنغال، باتجاه مضيق ملقا.

أخيرًا يمتد “عقد اللؤلؤ” عبر بحر الصين الجنوبي حتى ساحل الدولة الآسيوية، هنا تشكل جزيرة هاينان قاعدة عسكرية صينية وأول لؤلؤة استراتيجية لبكين.

الهند واستراتيجية عقيدة مونرو في المحيط الهندي

نظرًا لموقعها الجغرافي، تمثل الهند محورا إستراتيجيا مهما، وهو أمر أساسي لاختراق الشرق الأوسط والصين من ناحية البحر، بينما يربط التاريخ الهند بآسيا الوسطى، و تؤدي الجغرافيا إلى المحيط الهندي، وهي أكبر دولة ساحلية في هذه المنطقة، وتقع في موقع استراتيجي بين الطرق البحرية التي تصل مضيق ملقا وهرمز وباب المندب.

تعكس الهند نفسها على أنها الدولة الأكثر أهمية في المحيط الهندي، وبالتالي فهي مقدرة لها أن تكون الزعيم الطبيعي للمنطقة، وتعتبر هذه المياه جزءًا من أراضيها وحدودها البحرية الطبيعية أي “المحيط الهندي” هذه الجغرافيا المعقدة، تجعل الهند في مواجهة مع جهات خارجية بالمنطقة، ولا سيما الصين.

ووفقًا للمحلل الأمريكي، ديفيد بروستر يمكن وصف موقف الهند بأنه مبني على مبدأ مونرو الخاص بها، والذي تفترض فيه بوجود جهات خارجية غير شرعية وأن الدول الساحلية يجب أن تثق في الهند من أجل أمنها وحمايتها. لذلك تطمح الهند إلى أن تصبح القائد الإقليمي الذي يضمن أمن الدول المطلة على البحر.

وسعيا لتحقيق هذا الهدف، اتخذت الهند سلسلة من الإجراءات الداخلية والخارجية لتعزيز موقعها في منطقة المحيط الهندي داخليا، أنشأت نيودلهي 12 ميناءا رئيسيًا و 200 ميناء ثانوي على أراضيها، بالإضافة إلى ذلك أطلقت خطة تسمى Sagarmala، والتي من المتوقع أن تضاعف عدد الموانئ الرئيسية في البلاد، وتجدر الإشارة أيضا إلى أن الهند هي ثالث دولة ذات أعلى إنفاق عسكري في العالم (72.9 مليار دولار في عام 2020).

خارجيا تستند استراتيجية المحيط الهندي في نيودلهي إلى ركيزتين رئيسيتين، أولا، عقيدة SAGAR، والتي تهدف إلى إكتساب الشرعية كقائد إقليمي لديه القدرة على ضمان حماية وأمن الدول المطلة على المنطقة.

ثانيا سياسة الجوار، وهي الاستراتيجية الدبلوماسية للهند لتحسين علاقاتها مع دول مثل جزر المالديف وسريلانكا، ومنعها من الوقوع في دائرة النفوذ الصيني.

أما بالنسبة للخطوات الملموسة التي اتخذتها فقد أقامت الهند تحالفا مع إيران، وهي دولة ساعدت في تطوير المرحلة الأولى من بناء ميناء تشابهار،  ويتمتع هذا الميناء بأهمية إستراتيجية كبيرة نظرًا لموقعه بالقرب من مضيق هرمز، وهو ذو فائدة كبيرة للهند، ولن تكون موجودة فقط في واحدة من أهم الطرق البحرية في المنطقة، لكنه سيسمح لها أيضا ا بالسيطرة على وجود السفن الصينية في المنطقة، حيث ستكون على بعد 72 كيلومترًا فقط من ميناء جوادر الباكستاني الذي تديره بكين ولأهداف مماثلة إستحوذت الهند على ميناء الدقم في عمان، والذي يمكن أن يوفر الدعم اللوجستي لسفنها العسكرية في هذه المنطقة، بالإضافة إلى منحها إمكانية الوصول إلى خليج عدن والبحر الأحمر، كل هذا يسمح لك أيضا بتقوية خطوط الاتصال البحرية الخاصة بها.

كما أقامت الهند علاقات مع إندونيسيا، وتوصل البلدان إلى اتفاق يقضي بأن تستحوذ الهند على ميناء سابانغ ذي الأهمية الحيوية لقربها من مضيق ملقا، وصرحت إندونيسيا بأنها لا تريد الانضمام إلى طريق الحرير الجديد للصين ، لذا يمكنها أن تصبح حليفا مهمًا للهند، وبالمثل، وسعت نيودلهي نفوذها على الساحل الأفريقي للمحيط الهندي. وبالتعاون مع اليابان، أطلقت مبادرة ممر النمو الآسيوي الأفريقي (AAGC) في عام 2017، لتعزيز تطوير البنية التحتية والعلاقات بين البلدان الأفريقية والهند واليابان. على الجبهة الدفاعية سيسمح وجود الهند في المنطقة بتأمين استثماراتها ومكافحة القرصنة بالقرب من مضيق باب المندب الاستراتيجي.

أخيرا رسخت الهند وجودها في سيشيل ومدغشقر وتم توقيع اتفاقية في عام 2015 تساعد الهند بموجبها في إنشاء خفر سواحل لدعم مكافحة القرصنة والاتجار البحري، كما اتفقت الهند من الدول المعنية، بتركيب رادار  ليكون بمثابة نظام وقائي وتنبيه مبكر بحركة المرور البحرية في منطقة، وهي ذات أهمية كبيرة  حيث تمر قناة موزمبيق عبرها، وهي واحدة من أهم نقاط المرور البحرية بالمحيط الهندي.

كيف تطور التنافس الجيوستراتيجي بين الصين والهند في المحيط الهندي؟

قمنا في القسم السابق بتحليل الاستراتيجيات التي طورتها الصين والهند في المحيط الهندي لصالح مصالحهما، ومع ذلك،  فقد تصادمت كلتا الاستراتيجيتين في نفس المساحة الجغرافية، مما أدى إلى منافسة جيوستراتيجية بين البلدين لإثبات هيمنتهما.

عند هذه النقطة سنحلل هذا التنافس وكيف تطور.
أولاً يجب دراسة السؤال المتعلق بكيفية إدراك الهند والصين لبعضهما البعض، من وجهة نظر الهند، فإن سياسات الصين، وتحديداً “سلسلة اللؤلؤ”، تجعل نيودلهي تخشى أن جارتها الآسيوية تحاول تطويقها، لذلك ترى الهند أن الوجود الصيني في المحيط الهندي لا يهدف فقط إلى متابعة مصالحها الاقتصادية، بل يهدف أيضا إلى ترك الهند غير قادرة على بسط نفوذها في المنطقة.

وقد تفاقم هذا بسبب نمو العلاقات بين الصين وباكستان. مع الأخذ في الاعتبار التنافس الكبير مع إسلام أباد، وتمثل هذه التحالفات بالنسبة للهند تهديدًا كبيرا لأنه، من بين أمور أخرى  بمساعدة الصين تقوم باكستان بتحديث قواتها البحرية.

باختصار ، هناك تصور بأن الصين تسعى إلى ترسيخ قوتها البحرية في المحيط الهندي من أجل أن تصبح لاعبا مهيمنا في آسيا، وهذا على حساب مصالح الهند.

من ناحية أخرى لا تشارك الصين صورة الهند عن نفسها كقائدة في المنطقة، بالنسبة لبكين، فإن صورة القائد الإقليمي هذه لا تنعكس في مكانة القوة التي تتمتع بها في الواقع، والتي تعتبرها أدنى من دول أخرى لها وجود في آسيا مثل روسيا واليابان، يمكن القول إنه بينما تعتبر الهند الصين تهديدا، فإن تصور بكين لجارتها الآسيوية مختلف.

علاوة على ذلك، تقول الصين أن الهند والدول الساحلية الأخرى لديها تصور خاطئ للاستراتيجية المشار إليها باسم “سلسلة اللؤلؤ”. صرحت بكين أن نيتها الوحيدة هي حماية خطوط اتصالاتها البحرية وطرقها التجارية، من الضروري الإشارة إلى أن الصين تعتمد بشكل كبير على هذه المياه في وصول الموارد ، ولا سيما بسبب الوضع المعروف باسم “معضلة ملقا”. وهذا يعني اعتمادًا كبيرًا على مضيق ملقا في توفير الموارد والتجارة الدولية، مما يجعل بكين تبذل جهودا كبيرة لتأمين هذه المنطقة الجغرافية خوفا من حصار من قبل دول أخرى.

بالنسبة للاستراتيجيين الصينيين، تمثل حماية خطوط الاتصال البحرية أولوية قصوى.

مع أخذ كل هذا في الاعتبار، يمكن القول بأن ما نراه في هذا السيناريو هو معضلة أمنية بين الهند والصين، ولهذا السبب، يمكن اعتبار الإجراءات التي تتخذها دولة ما لزيادة أمنها تهديدا من قبل الدول الأخرى،  مما يجعلهم يشعرون بأمان أقل، ويجعلهم يسعون أيضا إلى زيادة أمنهم .

في هذا الدراسة التحليلية، على الرغم من أن أفعال الصين كانت تهدف فقط إلى زيادة درجة أمنها، إلا أن الهند تشعر أن أمنها قد انخفض بسبب وجود بكين ،ونتيجة لذلك، تعزز وجودها العسكري والاقتصادي في المنطقة،الأمر الذي يجعل الصين تخشى من حصار طرقها التجارية ، مما يدفعها كذلك إلى زيادة قدراتها العسكرية في المنطقة. وتتفاقم دوامة العسكرة هذه بسبب الطبيعة الفوضوية للنظام الدولي وحالة عدم اليقين وعدم الثقة في تصرفات الطرف الآخر .

وفيما يتعلق بتطور هذا التنافس، عززت الدولتان قوتهما العسكرية ونفوذهما الاقتصادي والدبلوماسي في المنطقة. يشير بعض المحللين إلى أن الهند والصين حاولا إقامة سياج جيوسياسي ضد الطرف الآخر، بهذا المعنى  ستحاول الصين محاصرة الهند لتقويض فرصها في القيادة الإقليمية عن طريق البحر، ستتألف هذه الاستراتيجية من قطع علاقات الهند مع البلدان الساحلية وإبراز قوتها البحرية في المحيط الهندي.

زادت الدولة الآسيوية من سفنها العسكرية حول سنغافورة وماليزيا وباكستان وجنوب إفريقيا في العقود الثلاثة الماضية، وأعطت وثائق الدفاع الصينية أهمية متزايدة للتوقعات العسكرية تجاه المحيط الهندي، ويتمثل أحد الأهداف في زيادة القدرة على وقف أو تخفيف الانقطاعات المحتملة للتجارة مع الصين والقدرة على مواجهة الولايات المتحدة أو الهند في حالة نشوب صراع كبير.

علاوة على ذلك،  يمكن اعتبار زيادة العلاقات الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية مع جيران الهند مثل ميانمار وبنغلاديش وسريلانكا وجزر المالديف وسيلة لعزل نيودلهي عن الصين، ويبدو أن بكين تحاول إقامة صلة بين باكستان وجزر المالديف وميانمار وبنجلاديش في خليج البنغال لتطويق الهند.

لكل هذه الأسباب، يمكن القول إن استراتيجية الصين تجاه الهند تتكون من احتواء جارتها الآسيوية بينما تسعى إلى إقامة موقع مهيمن في منطقة المحيط الهندي.

من جانبها  ترد الهند على الصين بتطويق جيوسياسي مماثل في محاولة لتجاوز “عقد اللؤلؤ” الذي فرضته بكين. من المهم إبراز الميزة الجغرافية التي تتمتع بها الهند في المنطقة، بينما تعتمد الصين على حلفائها وقواعدها البحرية للوصول إلى المحيط الهندي فإن أراضي الهند تربطها مباشرة بهذه المياه وتساعد هذه الميزة في موازنة المنافسة على الرغم من دونية الهند العسكرية مقارنة بالصين.

من خلال موقعها الجغرافي، عززت الهند قواعدها البحرية في المحيط الهندي ، مما جعل البلاد أكثر قدرة على تعطيل خطوط الاتصال البحرية للصين بين الخليج العربي ومضيق ملقا ،كما وسعت وجودها في جزر أندامان ونيكوبار، في محاولة لتأسيس هيمنتها في خليج البنغال.  كما  تعمل الهند على تطوير العلاقات مع فيتنام في مجال الأمن، مع وجود فيتنام إلى جانبها، قد تدفع نيودلهي بالمقابل الصين إلى  تطوير علاقاتها الأمنية والعسكرية مع باكستان، العدو التقليدي للهند.

في مجال القوة العسكرية البحرية ، تنفق الهند على القدرات البحرية أقل من حلفائها ومنافسيها في المحيط الهندي ومع ذلك، فقد بدأت البلاد في فهم الحاجة إلى زيادة قوتها البحرية.

صرح المسؤولون الهنود أن البلاد تطمح إلى أن تصبح قوة بحرية قوامها 200 سفينة بحلول عام 2027. وبينما نشرت بالفعل حاملة طائرات في المحيط الهندي ، فقد أعلنت أنها تأمل في إرسال واحدة أخرى إلى هذه المياه. بالإضافة إلى ذلك، التزمت بالحصول على 57 طائرة، بالإضافة إلى تحديث أسطولها من الغواصات.

وقد تم إستكمال هذه الإجراءات لزيادة استقلاليتها الاستراتيجية من خلال مناورة توازن القوى الخارجية في إطار تحالف QUAD، المكون من الهند والولايات المتحدة واليابان وأستراليا، ويهدف هذا إلى تعزيز التعاون في القضايا الأمنية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ولكن أيضًا موازنة القوة ضد الوجود الصيني المتزايد في المنطقة، لذلك ينبغي النظر إلى تصرفات الهند في المحيط الهندي كجزء من استراتيجية المشاركة، التي تجمع بين الإحتواء والإلتزام.

وهذا يعني استخدام ميزان القوى لإحتواء الصين في الوقت الذي تسعى فيه إلى ترسيخ موقع قوي في المنطقة وبهدف نهائي يتمثل في أن تصبح رائدا إقليميًا وأمنيا للدول الساحلية المطلة على المحيط الهندي.

باختصار يتطور التنافس الاستراتيجي بين الصين والهند من خلال سلسلة من الإجراءات التي تقوم بها كل دولة من أجل فرض هيمنتها وحرمان الطرف المقابل الذي يؤسس قوتها ونفوذها. وأدى صعود كلا البلدين على الساحة الدولية إلى تركيز اهتمامهما على المحيطات لدعم نموهما.

يتيح لنا ذلك ربط السيناريو الجيوسياسي الحالي في المحيط الهندي بنظرية ألفريد ماهان عن القوة البحرية، والتي وفقا لهذه النظرية،  فإن قدرة الدولة على التحكم في طرق التجارة البحرية وإثبات تفوقها العسكري ستكون مفتاحا لقوتها وإزدهارها.

على وجه التحديد، يساعدنا عنصران من عناصر نظرية ماهان في فهم هذا التنافس الجيوستراتيجي:

أولا، ضمان وصول الموارد من خلال القوة البحرية وبهذا المعنى يمكن القول إن تأمين خطوط الاتصال البحرية بينهما كان أحد المبررات الرئيسية للصين والهند لزيادة قوتهما البحرية ووجودهما في هذه المنطقة .

ثانيا، يعد إنشاء القوة البحرية عنصرًا أساسيًا في نظرية ماهان، وفي هذا الصدد أنشأت الهند والصين قواعد مختلفة من خلال سياسية بناء الموانئ على طول ساحل المحيط الهندي   وذلك بهدف تأمين مصالحهما وإثبات قوتهما البحرية في هذه المياه.

ومن المتوقع أن نشهد في السنوات القادمة منافسة لإنشاء قواعد وموانئ جديدة بين الصين والهند.

https://anbaaexpress.ma/bgg0h

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى