بقلم: الخبير الاقتصادي عمر بنشقرون
مدير مركز المال والأعمال بالدارالبيضاء
إشتعلت الأسعار دفعة واحدة في كثير من السلع والخضر والفواكه والمواد الاستهلاكية، و المحروقات بأنواعها، والمياه المعدنية، وأعلاف القطيع، وفي مواد البناء، والكتب المدرسية، وعديد من الخدمات قبيل حلول عيد الأضحى. وشهدت الأسواق في الآونة الأخيرة موجة عارمة من الزيادات طالت معظم المواد الاستهلاكية والغذائية، بينما ترجع حكومة السي أخنوش هذه الارتفاعات إلى الظرفية المتسمة بالجفاف الذي ضرب مغربنا الحبيب في موسمه الفلاحي المنصرم وإلى السياق الدولي المشحون بالحرب الروسية على أوكرانيا.
وكما تطرقت لهذا الموضوع في مقالات سابقة كنت قد حذرت من خلالها من مغبة إستمرار إرتفاع الأسعار سواء في المواد والسلع أو في المحروقات باعتبار أن هذه الموجة تضرب في العمق القدرة الشرائية للمواطنين لا سيما الفئات الهشة والفقيرة المعوزة كما تفاقم من الاختلالات الاجتماعية التي تنهش كيان المجتمع برمته.
إن ارتفاع أسعار المحروقات مجددا خلال الأسبوع، حيث تجاوز الليتر الواحد من البنزين 16 درهماً وهو ما يعد سابقة من نوعها في مغربنا الحبيب، يعزى لكونه نتيجة لتقلبات السوق التي تخضع لمبدأ العرض والطلب، (الطلب أكبر من العرض حالياً) ما تسبب في زيادات الأسعار في كثير من القطاعات ذات الارتباط بهذه المادة الحيوية.
ويظل المطلب الشعبي مسكوتا عنه و هو العودة إلى منطق “تسقيف أسعار المحروقات” كما كان معمولاً به من قبل حتى لا يذهب المواطن ضحية تقلبات الأسعار في السوق العالمية. ويشتكي مهنيو النقل بالخصوص من ارتفاع أسعار المحروقات منذ فترة، ما دفعهم إلى خوض احتجاجات متتالية، ما اضطر الحكومة بعد ذلك إلى تقديم دعم مالي شهري مرتين لهم لمواجهة هذه الأزمة، في أفق منحهم الدعم للمرة الثالثة. ولأن “مصائب قوم عند قوم فوائد”، فإن هذه الارتفاعات في أسعار البنزين والديزل أفضت إلى مضاعفة أرباح شركات توزيع المحروقات كلها. كما ضربت موجة الارتفاعات عدداً من أنواع الخضر والفواكه و كثيراً من المواد الاستهلاكية ذات الأهمية لدى المواطن و خاصة الزيت والحليب والزبدة وأيضاً بعض ماركات المياه المعدنية.
وفي محاولة للحد من ارتفاع أسعار “زيوت المائدة” المستهلكة بوفرة من طرف المغاربة، قررت الحكومة المغربية انطلاقاً من 3 يونيو الماضي وقف رسوم استيراد بعض أصناف البذور الزيتية والزيوت الخام لـ”عباد الشمس والصوجا”، بهدف مواجهة تأثيرات الأسعار المرتفعة للمواد الخام على بيع زيوت المائدة. ولم تتوقف الزيادات في الأسعار عند هذه الحدود بل انتقلت لتمس أيضاً ثمن الدجاج بزيادة بلغت أحياناً أكثر من 30 في المئة، وهو ما سوغه مهنيون بارتفاع تكلفة الأعلاف التي تأثرت بدورها بآثار الحرب الروسية على أوكرانيا. كما إرتفعت كذلك أسعار أعلاف الأغنام المخصصة لعيد الأضحى، الذي سيحل في العاشر من هذا الشهر، بسبب موسم الجفاف الذي ضرب الموسم الفلاحي وإلى تداعيات الحرب الروسية، وهو الشيء الذي ينذر بأسعار ساخنة للأضاحي، وفق توقعات مهنيي ومربي الأغنام (الكسابة).
ويطالب مهنيون الحكومة بتدخل عاجل من أجل العمل على تخفيض تكاليف الإنتاج، بالتالي استقرار أسعار الأعلاف، من أجل التحكم، ولو نسبياً، في أسعار الماشية والقطيع الذي يتجاوز سبعة ملايين رأس لمناسبة عيد الأضحى. ومن المرتقب أن تتخذ الحكومة تدابير إجرائية بهدف دعم المهنيين، في سبيل تجنيب المواطنين المغاربة الأسعار المرتفعة في عيد الأضحى، لا سيما أن هذه المناسبة الدينية تأتي في شهر يوليوز الذي يستوجب من ملايين المغاربة سداد آخر شهر من تكاليف التعليم الخصوصي، كما أنه شهر السفر والعطلة الصيفية.
كما تعزى كذلك هذه الزيادات المتلاحقة للأسعار إلى ارتفاع تكلفة النقل البحري التي تضاعفت 300 إلى 400 في المئة وإلى تهافت الطلب على المواد الغذائية بسبب “جائحة كورونا”، ثم إلى تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا.
وللحد من الزيادات، فإن عدداً من الدول لجأت إلى التقليص من الضريبة على القيمة المضافة كحل لأزمة ارتفاع الأسعار. و في هذا الصدد، لابد من الإشارة إلى أن الحكومة عمدت إلى تعليق الرسوم الجمركية على استيراد القمح كما أوقفت استيفاء الرسوم الجمركية المطبقة على بعض النباتات الزيتية. كلها قرارات إيجابية، لكنها غير كافية بتاتا لمواجهة مد ارتفاع الأسعار و الحل المتاح هو تقليص الضريبة على القيمة المضافة للسلع والخدمات.
فهل ستستجيب حكومة السي أخنوش إلى هذا المطلب الذي بات الكفيل الوحيد لإنقاذ القدرة الشرائية لدى الطبقة المعوزة؟ رجانا فالله كبير وفيك السي اخنوش!