أتعجب من نفسي يا سادتي لمحبتي تجاه بلد ما أحسست فيه أبدا أنِّي غريب وكأنّه موطني، بلدي ومسقط رأسي! هذا “الغُزال” قد طبع بعنبرهِ بصمة جليّة في جنبات فؤادي فخلّف عبقها سحرا أخّاذا لا يفتأ يغمرني بحلاوته النديّة كلما هاجت بيّ الذِّكَر وحملت أطيافها الفِكَر وأنا في غربتي ووحشتي إلا من كتاب مناجيا في رجاء أن اشتم رائحة أهلي في البيضاء، فتستجيب الأقدار في التوّ وتحمل نسائم المحيط وبراق الأطلسي إليّ قسمات وطيبة أصدقائي بدرب السلطان حيث السلطان تربع بفنّه عرش الكرة في القارة السمراء.
تنكسر الأقلام إجلالًا وتنحني، وتعجز عن وصفك المعاجم يا رجائي وتنثني، تنحسر المفردات والهامات في ملكوت المستديرة وتنطفئ شمعاتها المقدسة تحت أعتابك يا ملك الأطلسي، فأنت الرجاء ومنك الرجاء وإليك الرجاء؛ فعلى أبواب مجدك يا رجائي أنت ضرغام المعارك على أخضر الملاعب، وأنت تاريخ مديد، وعز تليد، ومجد وليد، … ولو كان بحر المدح في شأنك يُسقى من محيطك الأطلسى لنفدت أمواجه ومياهه وسوناميّاته جُلّها، إن طفقت لتكون له الأحبار، فهي الأخبار التي ينبغي أن يسردها العالم عنك وفيك ومنك، أنّك الأوحد في سماء القارة السمراء من اهتز أمامه الباڤاري في كؤوس دهاق لأمراء العالم والكرة … ثمّ ماذا … لماذا يقف الفسطاط على خديّ هذه الورقة ثم لا يكتب أو يسترسل، ألعجز في التعبير يوثقه وثاقًا، أم أن ذكرى الرجاء وسمفونيته الخالدة بدرب السلطان تناديه وتقول له … هلمّ إليّ يا ابن النيل … فحبّنا في الله باق، حينئذ يرد عليك ابن النيل المستعر بنيران أفريقيا الرجائية، أنّه يمجدك ويعزك ويرنو إليك في كل لمحة ونفس، في الشهيق وفي الزفير، حتى من على البعد، في الصحاري وما وراء البحار، يسترسل تجاهك قائلا، أنّه لا توجد كلمات، أو صفحات، صفات وشمات، عبرات أو نظرات تصل إلى حدّ شموخك وكبريائك السرمدي، فلا يوجد تاريخ غيرك، فأنت التاريخ أوّله وآخره، ولا يوجد مجد غيرك، فأنت المجد تحت أعتاب عليائك يسجد، ولا يوجد رجاء غيرك، فأنت الرجاء مع الرجاء لكل من أحبّك من مغربنا الفتيّ، وفي بلاد مراكش الخليقة وفاس العريقة، يا ملك ملوك أفريقيا ويا أسد الأطلسى المقدام ويا بياضويّ النفس وكازوي الحسِّ ومغربيّ اللبس، فرجاءً أن نجد الرّجاء في مدح الرّجاء:
كلماتي فيك متواضعة وأن هممت أن أسرد تاريخ عظمائك من أولئك الذين خلفوا سيرهم وكتبوا أسماءهم على ردهات تاريخك بهالة من نور فلن أقدر ولن أستطيع أن أوفيك حقك حتى يكون ذاك الجزاء الوفاق، لكني أختم معلقة حبّي فيك ببيت شعر من أرض النيل، لا يقال إلا لك ولمن بلغ القمم العالية بالدأب والمثابرة والنجاحات المتواصلة. أنت المجد والمجد أنت، أنت أسد أفريقيا الضرغام فسر وعين الله ترعاك. ختامًا، بيت الشعر هذا الذي اخترته لكم من بين نجوم السماء:
ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها – عقود مدح ولا أرضى لكم كلمي.