منذ عقود والعالم يتحدث عن التغير المناخي وظاهرة الاحتباس الحراري وآثارهما المدمرة خاصة على ما تعرف بالدول النامية او دول الجنوب.
إذ تعقد المؤتمرات كل عام وتشارك فيها وفود من مختلف دول العالم وتقدم الأبحاث, لكن النتائج قليلة رغم تفاقم الظاهرة.
“شهيلي” فيلم وثائقي للمخرج التونسي لحبيب العايب, عرض مؤخرا في كلية العلوم الاقتصادية بجامعة لندن بحضور المخرج. وقال لحبيب العايب انه اختار عنونة الفليم بـ”شهيلي” لأن الكلمة تصف ظاهرة الاحتباس الحراري الذي هو نتيجة لعبث الإنسان بالطبيعة، على حد قوله.
يعالج الفيلم أزمة التغيرات المناخية وخاصة مشكلة الجفاف وشح المياه. و مصطلح “شهيلي” في اللهجة العامية التونسية يعني القيظ والحر الشديد الذي يجعل المرء يشعر بالوهن والاختناق، وهو مايحدث في دول جنوب المتوسط في فصل الصيف منذ سنين وإستمرار ارتفاع درجات الحرارة حتى أشهر الخريف والشتاء.
وركز العايب في فيلمه الذي إستغرق سنتين من التحضير وشهرا ونصف من التصوير على مسألة نقص الثروة السمكية في الشواطئ التونسية وصوّر جزءا من أحداث الوثائقي في منطقتي بنزرت (بالشمال) وجزيرة جربة(بالجنوب الشرقي).
كما سلط الضوء على الشمال الغربي التونسي وما يعانيه من الجفاف ونقص المياه الذي يتسبب في نقص الأعلاف إضافة الى معاناة مزارعي التمور بعد تقلص إنتاجها.
وقال إنه عالج من خلال الفيلم فكرة التغيرات المناخية والبحث عن أسبابها وتداعياتها وتسليط الضوء على ضحايا الاحتباس الحراري وإلقاء المسؤولية على المتسببين في هذه الازمة.
ولم يكتف صاحب العمل بتسليط الضوء على أسباب وتداعيات الاحتباس الحراري على تونس فقط بل صور العايب “شهيلي” في أربعة بلدان هي المغرب، حيث ركز على تضرر الزراعة في المملكة، وإيطاليا التي إهتم فيها بالصيد البحري والزراعة في الأرياف، إلى جانب فرنسا التي صور فيها تلف كميات كبيرة من أشجار العنب وتراجع إنتاج النبيذ.
وبلمسة إنسانية وبالتركيز على المناظر الطبيعية الخلابة، ياتي الفيلم محملا بشهادات مؤثرة لفلاحين من البلدان المذكورة، من أجل مواجهة صريحة للتغيرات المناخية باعتبارها أزمة تهدّد البشر والكوكب.
إذ يرى المخرج أن الفئات الأكثر ضعفا وهشاشة هم الفلاحون لأنهم المتضررون الرئيسيون من هذه الأزمة.
ووصفت إحدى الناجيات من فيضانات فالنسيا بايطاليا هذه الكوارث الطبيعية بأنها “حرب بلا قنابل”، فالتغيرات المناخية، كما يوثق الفيلم، هي حرب تدمر الزراعة وتهدد سبل العيش وتؤدي الى نزوح السكان من القرى الى المدن ومن المدن الى خارج الحدود.
ورغم إفتقار الفلاحين للمعرفة العلمية حول المصطلحات أو المفاهيم الأكاديمية المتعلقة بالتغير المناخي، فإنهم يعيشون آثاره يوميًا ويُظهرون وعيا عمليا ملموسا ويقدّمون مقترحات من أجل مقاومته.
ومن بين الشهادات المؤثرة التي وردت في الفيلم، تصريح لفلاح تونسي قال فيه إنه “ينبغي استبدال بعض المحاصيل الزراعية بأخرى أكثر مقاومة”.
وهي عبارات تلخص الحلول البسيطة والعميقة التي يقترحها الفلاحون للتكيف مع التغيرات المناخية.
وفي هذا الإطار، يستعرض الفيلم أمثلة الفلاحين في الجنوب التونسي الذين يواصلون زراعة التمور المحلية المعروفة باسم “العليق” لمقاومة التغيرات المناخية والمزارعين في إيطاليا الذين يحثون على العودة الى الزراعة التقليدية.
يعالج الفيلم القضية من زاوية سياسية تلتزم بالعدالة المناخية. فالمتسبب في تفاقم الأزمة، حسب الفيلم, هو النظام الرأسمالي بجميع اشكاله الصناعية والاستهلاكية.
ويدعو إلى ضرورة مقاومة أشكال الهيمنة والسياسات الاستعمارية الجديدة من قبل دول ما يعرف بالشمال، فهو يعتبر التغير المناخي مسؤولية تلك الدول، لكن دول الجنوب هي التي تدفع الثمن بينما لا تتوفر لديها الامكانيات نفسها لمكافحة آثار التغير المناخي.
ويرفض الفيلم الدعوات الى “التكيف السلبي” مع المشكلة ويدعو إلى التحرك بشكل عاجل وفعال قبل فوات الأوان.
إذ أراد لحبيب العايب من خلال فيلم “شهيلي” دق ناقوس الخطر للتحرك العاجل وتنبيه العالم الى حقيقة واحدة، وهي أن التغيرات المناخية ليست شيئا مستقبليا بعيد المدى بل هي حاضر يهدد العالم أجمع ويحتاج إلى تدخل عاجل وسريع، إذ باتت تنذر بحالة طوارئ مائية مهددة بالجفاف ونقص منسوب الموارد المائية في حال تواصل شح الأمطار.
وقال المخرج إن هذا الفيلم يعد ثامن فيلم وثائقي في مسيرته، موضحا أنه يستعمل السينما من أجل التوعية بقضايا مهمة بصفته باحثا مختصا في الجغرافيا الاجتماعية.
لحبيب العايب هو استاذ جامعي وباحث في جامعة باريس، مختص في الجغرافيا الاجتماعية.
عمل كثيرا على الموارد الطبيعية الزراعية والريفية والفقر والتهميش والتغيرات المناخية والسيادة الغائية وغيرها.
وهو أيضا مؤسس ورئيس المرصد التونسي للسيادة الغذائية والبيئية.
ترأس سابقا أيام السينما المتوسطية بشنني بمدينة قابس بالجنوب الشرقي التونسي، وأخرج العديد من الأفلام، منها “قابس لاباس” و”فلاحين” و”كسكسي حبوب الكرامة” و “أم العيون”.