بقلم : د.إسماعيل حصاف
لم تشهد السودان التي نالت الإستقلال سنة 1956، الحياة البرلمانية، سوى في مراحل قصيرة ومحدودة. فشلت السودان في إرساء الحياة الدستورية، بسبب لجوء الطغم الحاكمة (الأقلية) إلى فرض العروبة والإسلام على المكونات الإتنية والمذهبية في البلاد.
وبالتالي شهد البلاد طوال النصف الثاني من القرن العشرين والربع الأول من القرن الجديد حروب وصراعات دموية مزمنة، ومن أهمها قضية جنوب السودان التي نالت الإستقلال عبر استفتاء شعبي في 9 تموز 2011، والحرب في دارفور التي تحتضن أكثر من ثلاثين مجموعة عرقية متصارعة على الأراضي والمراعي وغيرها من المناطق.
قاد إبراهيم عبود في نهاية عام 1958 إنقلابا عسكريا ليؤسس بداية لإرساء الأنظمة العسكرية عبر إنقلابات دموية على الأغلب، فقد حكم جعفر النميري السودان لمدة (15) عاما (1969-1985)، وعمر البشير (30) عاما في الفترة مابين (1989-2019).
ولا بد من التنويه أنه بين عهدي النميري والبشير، شهدت السودان إنتفاضة أبريل عام 1985، إستلم السلطة المشير سوار الذهب، لكنه سلم السلطة للحكومة المنتخبة برئاسة صادق المهدي (1986-1989)، مقدما نموذجا قل نظيره في التاريخ السياسي المعاصر للمنطقة.
الحرب الدائرة في السودان
الطرفان الرئيسيان في الحرب الدائرة، هما الفريق أول عبدالفتاح البرهان قائد الجيش السوداني ورئيس مجلس السيادة الحاكم في السودان منذ عام 2019، وهو من مواليد عام 1960 ولاية نهر النيل – شمال ولاية السودان، وينتمي إلى قبيلة الشاقية.
والفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم حميدتي، نائبه في المجلس وقائد “قوات الدعم السريع”، وهو من مواليد 1975 وينتمي لقبيلة الرزيقات – دارفور، أختاره الرئيس السوداني عمر البشير عام 2013، ليتولى قيادة قوات (الجنجويد)، أطلق عليها لاحقا اسم قوات الدعم السريع، وتمثلت مهمة هذه القوات في القضاء على الجماعات المتمردة في البلاد، ونشبت هذه الحرب بسبب فشل القوى السياسية في تكريس حياة دستورية دمقراطية بعد الإطاحة بالبشير، وإصرار العسكر التمسك بالسلطة، في إطار أجندات مختلفة. ومن الطبيعي، أن الحروب لايمكنها الإستمرار بدون الدعم الخارجي، فمن هي الأطراف المستفيدة إذن من الحرب الدائرة هناك؟.
في هذا الإطار تتجه أصابع الإتهام نحو دولتي السعودية والإمارات، وكما يتراءى للمراقب السياسي، فأن بعض دول الخليج تعودت على إثارة القلاقل والحروب وخلق الأزمات وإثارة النزاعات. ووفقا لـ بي بى سي نيوز فأن السعودية والإمارات تدعمان دقلو الذي شارك قواته في الحرب اليمنية ضد الحوثيين.
أما شبكة سي إن إن الأمريكية من جهتها قالت نقلًا عن مصادر دبلوماسية سودانية وإقليمية إن مجموعة فاغنر الروسية تزود قوات الدعم السريع بالصواريخ للمساعدة في قتالها ضد الجيش.
بينما سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ظاهريا تقوم على عدم التدخل المباشر في السودان، وإنما عبر حلفائها الإقليميين من الأفارقة والعرب – وكالة، وكعادتها ستتريث مكتفية إبراز قلقها والتلويح بفرض عقوبات على الأطراف، ريثما تتوسع دائرة الصراع في مناطق البحر الأحمر والقرن الأفريقي، حينها قد تتغير المواقف والإستراتيجيات.
لاشك أن إندلاع الحروب ليست بمعزل عن دور الشركات الإحتكارية التي من مصلحتها إيجاد ساحات حرب جديدة لبيع اسلحتها ومعداتها العسكرية والحربية. فمثلا مجموعة فاغنر، القريبة من مصدر القرار في روسيا، شبه شركة عسكرية ربحية تتبع وزارة الدفاع الروسية، لعبت الدور الأبرز في أحداث سوريا منذ نهاية عام 2015، اي بعد شهر واحد من التدخل العسكري الروسي في سوريا.ومن الطبيعي من مصلحة هذه المجموعة إطالة الحالة القتالية والعسكرية بين أطراف الصراع. وفي عامي 2014 و2015 لعبت هذه المجموعة دورا في أزمة منطقة دانباس وعاصمتها دانتسك.
لا نستبعد بعد عودة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الإتحادية، أن تخطط روسيا العودة إلى أفريقيا، وإثارة الأزمات في القرن الأفريقي، لتوسيع دائرة الصراع بحثا عن قواعد وحلفاء جدد في القارة السوداء، وإقامة قواعد عسكرية وخاصة على البحر الأحمر، ناهيك عن أن القارة غنية جدا، ومن ثم بغية توجيه الأنظار عن الحرب الأوكرانية التي باتت قضية دولية بإمتياز، إلى أزمات جديدة، لتخفيف الضغط الأوروبي – الأمريكي على روسيا.
وهنا، قد تلتق مصالح الشركات الإحتكارية في أمريكا وفي بعض الدول الغربية، مع مصالح مجموعة فاغنر، في عملية إيجاد أسواق ساخنة جديدة لصرف إنتاجها العسكري، سيما وأن الشركات الحربية التي كانت تزود الأطراف المتحاربة في سوريا واليمن وليبيا، قلصت مبيعاتها في هذه الدول، لتحل محلها شركات البناء ولو بعد حين. وحسب صحيفة “غارديان”، فإن الولايات المتحدة هي صاحبة النفوذ الغربي الأكبر في السودان لمواجهة التواجد الروسي.
ووفقا لشبكة CNN فأن المجلس الأوروبي، قد فرض عقوبات على شركة ميروي للذهب (Meroe Gold) ومديرها ميخائيل بوتبكين في السودان، – التابعة لمجموعة فاغنر الروسية التي تستغل ثروة السودان الذهبية.
وقد كان الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير قد أعطى جبل (عامر) الغني بالذهب لقائد “الجنجويد” محمد حمدان دقلو، لإستغلاله في صرف رواتب جنوده.
يحتل السودان موقعا جيوبوليتيكيا مهما، وللسودان حدود مع سبع دول، وهناك في القرن الأفريقي العديد من القضايا المزمنة وصراعات داخلية وخارجية، إن إستمرار الحرب ستؤدي إلى تصعيد الصراع الدولي في القرن الأفريقي وجنوب الصحراء الكبرى وحوض النيل وخاصة بين روسيا وأمريكا، وستؤجج من جديد بؤر التوتر داخل القارة، وتدمير البنية التحتية للسودان وإدخالها في دوامة قد لاتنتهي قريبا، إضافة إلى أنها ستخلق مشكلة إنسانية تدفع السكان بالهجرة نحو أوروبا، وهو الأمر الذي يثير المخاوف الأوروبية.
ومن المؤسف أن هذا البلد يتم تدميره بأيدي أبنائه؟.