في الوقت الذي تعيش فيه الكرة الجزائرية واحدة من أسوأ مراحلها على الصعيد القاري، خصوصًا من خلال الأداء الباهت والكارثي للأندية الكبرى مثل اتحاد العاصمة، شباب بلوزداد، وشباب قسنطينة، يستمر الخطاب الإعلامي في الجزائر في انتهاج منطق التهويل والتبرير، مغلّفًا الهزائم المتكررة بغلاف الشوفينية المفرطة.
فهل أصبحت الوطنية الزائفة غطاءً للفشل؟ وهل الإعلام الرياضي شريك في حالة الإنكار التي تعيشها الكرة الجزائرية؟
إخفاقات بالجملة أمام أندية القارة: من بريتوريا إلى بركان
انهزم شباب بلوزداد واتحاد العاصمة أمام صن داونز الجنوب إفريقي وأورلاندو بايرتس على التوالي بطريقة أظهرت الفارق الكبير في الجاهزية البدنية والتكتيكية.
كما سقط شباب قسنطينة ذهابًا أمام نهضة بركان بأربعة أهداف مقابل صفر، الفريق المغربي الذي أصبح عقدة للأندية الجزائرية في السنوات الأخيرة.
الهزائم لم تكن فقط في النتيجة، بل في الأداء، في الذهنية، وفي غياب أي مشروع كروي واضح المعالم بالجزائر مقارنة مع الجار المغربي الذي يسير بخطى حثيثة، ممنهجة ومدروسة تحت قيادة العاهل المغربي.
إعلام يُهوّل الذات ويُبرر الفشل
في خضم هذه النكسات، لم تُسجّل الصحافة الرياضية الجزائرية المرئية والمسموعة والافتراضية أي وقفة جريئة للمساءلة أو التشخيص، بل استمرت في ترديد خطابات تبريرية: “التحكيم منحاز”، “الظروف كانت صعبة”، “الفريق كان متعبًا”، “افجعه، لقجع، لقجع…” وكأن الإعلام قد تخلى عن دوره الرقابي والتحليلي لصالح دور المشجع الذي يرفض الاعتراف بالواقع المر.
مقارنة وفرق شاسع: الجار المغربي يبتعد بخطوات ثابتة
في نفس الوقت، يحقق المغرب إنجازات عالمية صادمة: بلوغ نصف نهائي كأس العالم 2022 في قطر بمنتخب أبان عن نضج تكتيكي وروحي غير مسبوق، وتألق منتخب U17 في كأس العالم الأخيرة ليؤكد وجود عمل قاعدي جاد وممنهج. الفارق لم يعد في النتائج فقط، بل في المقاربة الكروية، في الاستثمار في الكفاءات، وفي الانضباط الإداري.
الإعلام الجزائري: من أداة مساءلة إلى بوق تبرير
من المفروض أن يكون الإعلام الرياضي شريكًا في البناء، ناقوس خطر عند الخلل، ورافعة وعي جماعي. غير أن جزءًا كبيرًا من الإعلام الجزائري يبدو رهينًا لشوفينية خاوية تُعميه عن الحقائق ومؤطرة من نظام سياسي بائد: أندية مهترئة تنظيميًا، غياب مشروع وطني لتطوير اللعبة، وانعدام المنافسة الداخلية الحقيقية. الخطاب الإعلامي يُدغدغ العواطف لكنه لا يبني واقعًا رياضيًا.
وفي الختام، أمام توالي الإخفاقات وانهيار الصورة القارية للأندية الجزائرية، لم يعد مجديًا التلويح بالماضي أو التذرع بالمؤامرات الخارجية. الكرة الجزائرية بحاجة إلى وقفة ضمير، تبدأ من الإعلام.
فالشوفينية التي تُجمّل القبح لن تُغيّر الواقع، بل تُكرّسه، ولا تتوانى في تمرير خطاب عنصري وعدائي. والمسؤولية الأخلاقية تقتضي من الإعلام أن يتحرر من العاطفة، ليصبح مرآة نقدية لا مرآة مشوهة.