أفريقيا
أخر الأخبار

معركة الكرامة.. بين الحقيقة والظل: ندوة بيت السودان بالقاهرة

أريد أن أنبه الآن المعركة الحقيقية ليست بين الجيش والدعم السريع ، ولا بين اي قوتين عسكريتين تحت أي مسمى كان ، بل أوكد أن الحرب الحقيقية بين الأحزاب السياسية والقوى الثورية والمدنية وبين الشعب أيهم أفضل للمواطن

“على خلفية الندوة التي أقيمت أول أمس ببيت السودان حي السيدة زينب بالقاهرة تحت عنوان (حول الأوضاع في دارفور وكردفان) والتي تحدث فيها كل من سعادة الفريق إبراهيم ألماظ، مستشار رئيس حركة العدل والمساواة، والمهندس أبو بكر حامد نور، أمين إقليم دارفور بحركة العدل والمساواة، والأستاذ / حسين أركو مناوي، القيادي بالقوات المشتركة، وآخرون.

يستشف من الندوة الآتي: 

1/ خرجت الندوة بنسبة تسعين بالمائة عن الموضوع المحدد لها، خلا كلمة الأستاذ /حسين أركو مناوي، والتي تلخصت في أربعة محاور أساسية هي: الأولويات، الجبهة الداخلية، التدخل الخارجي وتقاطع المصالح المشتركة الدولية في المنطقة، الأزمة الحالية أو مناقشة الهدنة وخارطة الطريق، إن اسعفتني الذاكرة، وفي تقديري الشخصي واحترامي الكامل لكل المتحدثين الرسميين فإن الأستاذ مناوي، رغم قصر كلمته، إلا أنها كانت معبرة عن الوضع الحالي في الإقليم المنكوب وعن الوضع الراهن في الدولة بكل المقاييس.

2/ يستشف من كلمة الفريق إبراهيم ألماظ، الحماسية التنويرية إن الحرب الحقيقية الآن ليست بين القوات المسلحة والمشتركة ضد المليشيا المتمردة ورديفتها المرتزقة، بل هي في الحقيقة ظل كبير غير منتهي، للمعركة الأساس بين الأحزاب السياسية والقوى الثورية والمدنية بجدارة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد، وأن كل مجريات الحرب – مع حفظ الحقوق الأدبية والقانونية والعسكرية والأمنية وكل الجهات المشاركة في معركة الكرامة – هي محض بالونة اختبار في الواجهات السياسية الدولية وأهمها الجبهة الداخلية، ويمكن للتأكد من صحة المعلومات مراجعة كلمة القائد العام للجيش و رئيس مجلس السيادة على اليوتيوب مؤخراً من أن إمكانية المليشيا عسكرياً لا تسمح لها باحتلال قرية صغيرة ناهيك عن إقليم الفاشر أو أي ولاية، مع مراجعة مجريات الحرب من أولها حتى الآن للتأكد أيضاً.

3/ المعركة وجودية بحق وحقيقة لكن ليس بين المجتمع الدولي والمحلي والإقليمي، ولا بين مجلس السيادة الوطنية ومجلس الوزراء السوداني بل بين الكيانات السياسية المشاركة في العملية السياسية الشاملة للدولة من أنهم لا يجتمعون على كلمة سواء في الخروج بالبلاد من المأزق التاريخي هذا بصورة من الصور مما يعقد المشهد السياسي والعسكري والفكري القائم بأكثر من وجه.

4/ حكومات الظل، تأسيس وصمود وتقدم وقوى الحرية والتغيير وخلافه، ومجلس السيادة والوزراء والأحزاب السياسية السودانية هي المحك الحقيقي والتحدي الأكبر لإنهاء الصراع بين الفرقاء السياسيين لا العسكريين في تقديري الشخصي.

5/ بقراءة مستعجلة لمجريات الأحداث الأخيرة في دارفور وكردفان تحديداً، لا يمكن أن يمر على ذي عقل ذكي ومتفتح العينين أن القوات الحكومية والمشتركة والمشاركة في الحرب عدم مقدرتها على حسم المعركة على الميدان بحال من الأحوال، هذا بعيد للغاية عن العقل والمنطق والواقع لمن يعرف جيداً مقدرة القوات المسلحة والجيش السوداني على حسم المعركة في أيام معدودات ولا يمنعها من ذلك الرأي العام العالمي ولا مفاوضات الرباعية ولا غيرها، حيث يُدرك تماماً مقدرات الجيش السوداني العسكري من ناحية السلاح الثقيل الذي إذا استخدم ولو مرة واحدة لقضي الأمر الذي فيه تستفتيان وأنا على يقين تام من ذلك، لكن للجيش رأي آخر.

لمزيد من التأكد على صحة ما ذهبت إليه يمكن مراجعة أحداث الحرب من أولها حتى شهر بالكثير من أن القوات المسلحة والجيش السوداني استعادا كل المناطق الاستراتيجية الواقعة تحت سيطرة الدعم السريع في الثلاث أسابيع الأولى من بداية الحرب 15 أبريل 2023، مما يعني عملياً بالنسبة لي اقلاها أن المعركة العسكرية بين الجيش والدعم السريع انتهت في غضون ثلاثة أسابيع بالضبط من بداية الحرب في عرف العلوم العسكرية لصالح القوات المسلحة مما يعتبر إنجازا مثالياً، وما رأيناه لاحقاً لا تديعدو أن يكون تفلتات أو ثغرات أمنية زاد من أمدها الدعم الخارجي ذي الذراع الطويل دون الخوض في التفاصيل.

ثانياً.. حساب المعركة رياضياً 

على خلفية الندوة المشار إليها يمكنني وضع الأرقام التالية مثالاً على حياء وقصور تامين لمن أراد الحق والظل في مقارنة عجلى بين الجهتين المتحاربتين لأثبت للرأي العام أن المعركة الحقيقية ليست بين الجيش والمليشيا ، بل بين أبناء الوطن الواحد للأسف الشديد:

1/ الدعم السريع الآن، له من الجنود إضافة إلى المرتزقة حصراً وعداً في إقليم دارفور المنكوب، مائة عربة قتالية، بكل عربة مجهزة بالعتاد عشرة أفراد، مجموعهم ألف مقاتل  ناهيك عن المسيرات والدراون وخلافه، وناهيك عن الإمداد اللوجستي والعسكري الممتد والمدعوم من جهات خارجية من ارتكازات خارج الدولة ومحيط المعركة.

2/ للقوات المسلحة عدد من الصواريخ والقنابل العنقودية والبراميل الحارقة والأسلحة المتطورة والتكنيك الحربي طويل النفس وخلافه، التي لم تستعمل بعد، انطلاقاً من أقرب قاعدة نحو تمركز قوات الدعم السريع في دارفور وكردفان أو أي منطقة في السودان، يمكن للجيش فقط دون بقية القوات المشتركة التي لا تملكها، توجيه ضربة عسكرية واحدة في قلب تمركز متحركات وتجمعات الدعم السريع ينهيها في دقائق معدودة من الوجود، لكن للجيش حسابات أخرى.

3/ بمعنى، إن الجيش فقط قادر على استعمال تلك القوة المميتة في دقائق معدودة ومعلومة ليحسم المعركة ولا تقوم لها قائمة إلى الأبد، لكن..

4/ يمكن حساب العملية سياسياً من جانب التدخلات الخارجية وفرض عقوبات جديدة على السودان من كل النواحي مما يضيق الخناق على مجريات الأحداث على الواقع نحو الهدنة أو السلام، كما يمكن حساب إحالة أمد قيادة البرهان على سدة الحكم لأربع سنوات قادمات تحسباً لأي متغيرات جيوسياسية.

5/ من طرف خفي، القضاء على الحركات المسلحة ضمنياً بعد قرار تلقي الأوامر العسكرية من قبل القوات المسلحة فقط، أي تحت إمرتها كما يشير إلى نهاية غير محمودة العواقب، أو قل: السيطرة عليها دون الوقوع في فخ نقض اتفاقية جوبا للسلام 2020 أو دون المساس بها ومن جانب آخر الدمج القسري المفتعل للقوات المشتركة أو قوات الكفاح أو قوات التمرد من الحركات المسلحة الدارفورية تحت لواء الجيش بسلاسة ويسر دون شوشرة أو تذمر.

ثالثاً.. العملية السياسية بين الظل والضوء 

يستشف من الندوة المشار إليها أعلاه ، في ذكر الجانب المدني الآتي: 

1/ الحركة الإسلامية في المعادلة السياسية بين إبقاء الهرجلة على حالها أو العودة لمقاليد الحكم على حساب دماء الشهداء والجرحى والثوّار مما لا يمكن تخطيها بحال من الأحوال في أي معادلة رياضية سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية أو مدمدنية.

2/ التحدي الصارخ بين الأحزاب السياسية التقليدية وبين مكونات المجتمع المدني المتمثل في إثبات الوجود كتأسيس وصمود وتقدم وقوى الحرية والتغيير، من يحكم من، وكيف نحكم كيف، هنا العقدة التي في المنشار.

3/ عدم إدراك أهمية الحركات المسلحة أو حركات الكفاح الوطني أو القوات المشتركة في العملية السياسية الآن من فرضية تحويل تلك القنوات العسكرية ذات الطابع التعييني بموجب قانونية اتفاقية جوبا للسلام إلى حزب سياسي منافس قوي بين الأحزاب والقوى السياسية التاريخية التي على مسرح المشهد السياسي في السودان، مما يمكنها كسب الوقت نفسه في تأهيل وتدريب الكوادر البشرية المنتمية لها والمنضوية تحت لواءها لاكتساح الساحة السياسية محلياً وإقليمياً ودولياً، بدلاً عن الانتظار حتى انتهاء الأزمة ثم الانتقال لمرحلة إعداد حرب جديدة وهكذا بلا نهاية.

4/ تغبيش الرؤية الوطنية أو البرنامج الوطني لمؤسسات الدولة من قبل كل الأحزاب والقوى الثورية والمدنية جديدة أو قديمة، وفشلها الفشل الذريع في أن يكون لها تأثير مباشر وسلمي تطرحه للشعب من خلال المنافذ الانتخابية لتتسنم مقاليد الحكم بشكل ديمقراطي حقيقي لا ظل تحت أجندات لا تخدم غرضاً، أو ضياع الوطن الواحد من بين الأيادي في ظل التمزق والاختلاف في الرأي والرأي الآخر.

5/ انعكاس كل ذلك على حياة المواطن البسيط في الخدمات والبنية التحتية والمأكل والمشرب والتعليم والصحة وخلافه، ماذا جنى الشعب من كل تلك الانقسامات السياسية الداخلية والخارجية والقتال الرهيب لأكثر من سبعين سنة مستمرة غير الخسران واللجوء والنزوح والفقر والجهل والمرض والتخلف ؟..

نحن في أشد الحوجا إلى الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني والعسكري والفكري والثقافي والأهلي قاطبة وعلينا وضع السلاح جانباً ونضع بدلاً عنه السلام والأمن الوطني.

رابعاً.. ملاحظات عامة حول الندوة 

بطبيعة الحال، وباعتباري أعمل في المجال الصحافي والإعلامي تمليك المعلومات للرأي العام وعلى الجهات المختصة التقييم حسب ما تراه مناسباً، على النحو التالي:

1/ خلل في بروتوكولات إدارة الندوة من جانب المتحدثين الرسميين خلاف الأستاذ حسين مناوي والفربق إبراهيم ألألماظ.

2/ فوضى في تضخيم عدد المتداخلين نوع من حرية الرأي والتعبير لكن كان يمكن ضبطها بأفضل من ذلك.

3/ تسعين بالمائة من المتحدثين الرسميين هنا أو في أي ندوة شهدتها يخرجون من الموضوع المحدد فتفقد الندوة هيبتها ومغزاها ومعناها التي أقيمت من أجله.

4/ رمزية ورسالة إقامة الندوة وصلت للجهات المعنية وبالتحديد دول الرباعية الدولية ومجلس السيادة الوطنية السودانية لحكومة بورتسودان.

5/ التحكم في عامل الزمن بالنسبة للمتحدثين الرسميين أو المتداخلين من أهم أسباب فشل أي ندوة والأهم من ذلك هو الإلتزام الصارم بالموضوع المطروح وإلا فهي مضيعة للزمن والمال والجهد المبذول بلا شك.

خامساً.. كلمة شكر لا بد منها 

وهي إلى سعادة الفريق إبراهيم ألماظ دينق، مستشار رئيس حركة العدل والمساواة السودانية الذي دعاني للمشاركة في هذه الندوة، يليه الشكر لكل الإخوة والأخوات الأفاضل القائمين على نجاح هذه الأمسية في توصيل الرسالة للجهات المعنية داخلياً وخارجياً من طريق الأحبة في العمل الصحافي والإعلامي لتمليك الرأي العام العالمي التمييز بين الحقيقة والخيال والظل المتلاعب فيه وعليه لشعب السودان المغلوب على أمره.

خلاصة: أريد أن أنبه الآن المعركة الحقيقية ليست بين الجيش والدعم السريع، ولا بين اي قوتين عسكريتين تحت أي مسمى كان، بل أوكد أن الحرب الحقيقية بين الأحزاب السياسية والقوى الثورية والمدنية وبين الشعب أيهم أفضل للمواطن، ويجب أن تنتهي فزاعة الحرب العسكرية في العقل الجمعي السوداني ولنذهب جميعاً إلى الانتخابات والبناء والتنمية المستدامة والعيش الكريم.

https://anbaaexpress.ma/0xjm9

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى