في خضم الجدل الرائج هذه الأيام حول عمل تلفزيوني تاريخي، المرتقب عرضه في شهر رمضان المبارك، على قناة MBC السعودية، يتناول سيرة مؤسس الدولة الأموية العظيمة،”معاوية بن أبي سفيان”، والذي أضحى محل جدل بين مختلف المدارس الإسلامية، حتى بين السنية – السنية نفسها، بسبب الأحداث المعروفة التي جرت في عهده، منذ بداية مقتل الخليفة الراشد “عثمان بن عفان” رضي الله عنه، والخلاف السياسي الذي حصل بين “علي بن أبي طالب” ومعاوية رضي الله عنهما.
صراحة لاأريد الدخول في تفاصيل هذه الأحداث بسبب حساسيتها وتشابكاتها، وكذلك كثرة الروايات المتناقضة حولها، وتعدد مصادر التاريخ الإسلامي التي كثر كتابها، وتشعبت غاياتهم وأهواؤهم وأفكارهم وانتماءاتهم، حيث ساد التعميم والرؤية النمطية.
إضافة إلى موضوع” تيار السبئية” الذي أعتبره من منظوري الشخصي لب مشكل هذا الخلاف، وجرى التعتيم عليه لأسباب سياسية محضة، وإستغل المستشرقون الغربيون هذه النقطة ولعبوا عليها فهي أصل الداء.
وكنت كتبت مقالا حول هذا الموضوع في جريدة “القدس العربي اللندنية” عام 2009 وشددت في مقالي، على أنه كمسلمين وعرب يجب علينا أن ننظر إلى هذه الأحداث التاريخية الجسيمة و الحاسمة والمفصلية بعين الاتعاظ والحكمة أكثر منها محاسبة وإنتقاد أي طرف من أطراف النزاع الذي جرى بين الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، ولا نقول إلا كما قال السلف الصالح “تلك امة قد خلت لها ماكسبت ولكم ماكسبتم ولاتسئلون عما كانوا يعملون.
لو شاهدنا اليوم أخبار الحرب في أوكرانيا على محطة CNN أو Fox News ومحطة سبوتنيك الروسية أو قناة روسيا اليوم، لرأينا وسمعنا روايتين متناقضتين لما يجري على أض المعركة، مع أن كلا الروايتين ستكون موثقة بمذيع ومصور في الميدان على الارض، هناك مع الكاميرات والبث المباشر عبر الاقمار الصناعية.
هذا تناقض بالصوت والصوره يجري توثيقه اليوم فهل يعقل أن نصدق بعد ذلك دقة ما جرى توثيقه من أحداث قبل 1400 عام وله أيضا روايات متناقضة مختلفة؟! والتي لايمكن لنا في حال من الأحوال أن نلم ونحيط بهذا الموضوع من جميع جوانبه ووجوهه، ..والذي كان له الأثر الأكبر في إنقسام الأمة إلى ملل ونحل ومذاهب كان أساسه في البدء سياسي وإجتماعي أكثر مما كانت أسبابه عقائدية أو إيمانية.
على العموم لاأريد الحكم على هذا المسلسل إلى حين عرضه، وكذلك لايمكن لي، نكران أن معاوية بن أبي سفيان أسس دولة عظيمة، ولايمكن مسحها بجرة قلم، فلا يجحدها إلا جاحد أو حاسد أو جاهل، فلكل شخصية إيجابياتها وسلبياتها، والمعصومية محصورة فقط بالأنبياء.
وكما نعلم فإن تاريخ بني أمية، جرى تدوينه في عهد العباسيين، وتعلمون جيدا المقتلة العظيمة التي جرت في الأمويين من قبل العباسيين والتحريف والتشويه الذي طالهم.
وكانت الحملة العباسية جزء من حملة إعلانية، أتت أكلها فعلا ضد بني أمية، حتى نسبوا كل قبيح وباطل إلى تاريخهم، هجوما وتشويها طال الأشخاص والأعمال، وطال حتى كبار الصحابة.
فالبحث في قصة الأمويين الذين حرقت رفاتهم ونثرت في مقابر دمشق تشبه قصّة البحث في التاريخ نفسه، صعبة ومعقدة ومغرية إلى أقصى الحدود.
فإذا أردنا الحديث عن الأمويين في دمشق، لابد لنا كذلك من الاعتراف بالظلم المروّع الذي حلّ بهم، كذلك عندما عاش العالم الإسلامي لفترة من الزمن تياراً دموياً، إعتبر أن الدعائم الأساسية لدولة بني العباس يجب أن تُروَى بدماء بني أمية.
قصارى القول، على المسلمين الآن سنة وشيعة، العمل لما هو آت ولا توجد حلول للماضي، تأجيج الخطاب الديني وإستحضار صفحات ومشاهد خلافيّة من التاريخ هي دائماً كانت أجندات ممأسسة ومسيّسة ليس المقصود منها إظهار أي جانب إيجابي، بقدر تأجيج صراعات طائفية ومعارك جانبية وتجييش للعوام.
أحسنت التشخيص والرأي أن هناك مؤسسات مؤجورة وتعمل بأجندات مشبوهة لتأجيج الصراع الديني بين المسلمين