بدر شاشا
في إطار حرصه الدائم على الحفاظ على الهوية الثقافية والوطنية للمغرب، تناول الملك محمد السادس في عدة مناسبات مسألة اللغة العربية، مشيرًا إلى أهميتها في الحياة اليومية والشأن العام للمجتمع المغربي.
من أبرز هذه الخطابات كان الخطاب الملكي بتاريخ 13 أكتوبر 2011، الذي ألقاه بمناسبة إطلاق البرنامج الوطني لتطوير استعمال اللغة العربية، حيث وضع الملك محمد السادس اللغة العربية في قلب النقاش حول تحديث الدولة وإصلاح الإدارة، مؤكداً ضرورة تفعيلها وتعزيز مكانتها داخل المؤسسات الوطنية والإدارية.
في هذا الخطاب التاريخي، أكد الملك محمد السادس على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للدولة المغربية، ولا يمكن تجاهل هذا الواقع في التعاملات الإدارية. وقد شدد على أن اللغة العربية ليست مجرد أداة للتواصل بل هي جزء لا يتجزأ من الهوية الثقافية للشعب المغربي.
فاللغة العربية تمثل جزءًا أساسيًا من تاريخ المغرب ومن ماضيه وحاضره، وهي تمثل رمزًا للتراث الثقافي والحضاري للمغرب الذي يحتاج إلى الحفاظ عليه وتعزيزه في وجه التحديات التي تطرحها العولمة واللغات الأجنبية.
من خلال خطابه، دعا الملك إلى ضرورة استخدام اللغة العربية في جميع الوثائق والمراسلات الرسمية بما في ذلك المعاملات الإدارية والتشريعية.
وأوضح أن اللغة العربية يجب أن تظل هي اللغة الأساسية في تعاملات المؤسسات الحكومية والمصالح العمومية. لم يكن الملك يقصد أن اللغة العربية يجب أن تكون هي اللغة الوحيدة في كل حالة، بل شدد على أنه ينبغي أن تكون هي اللغة الرسمية في جميع الحالات، مع السماح باستخدام لغات أخرى مثل الفرنسية في حالات محدودة تتطلب ذلك من أجل التيسير والتواصل الفعّال.
لكن، في الوقت نفسه، أكد الملك على ضرورة أن يكون التعليم والتدريب على استعمال اللغة العربية جزءًا أساسيًا من العملية التعليمية في المدارس والمؤسسات التعليمية.
وأوضح أن دور الدولة في تعزيز اللغة العربية ليس مجرد واجب قانوني، بل هو واجب ثقافي وحضاري يساهم في نقل التراث الثقافي من جيل إلى جيل، مما يعزز من تماسك المجتمع المغربي وتوحيد صفوفه حول لغة مشتركة تتيح للجميع المشاركة في الحياة العامة دون أي عوائق لغوية.
لم يكن خطاب الملك محمد السادس مجرد تأكيد على ضرورة استخدام اللغة العربية في الشأن الإداري فقط، بل كان دعوة إلى تحديث وتطوير اللغة العربية نفسها. فقد أكد على أهمية تطوير المصطلحات الإدارية والتقنية باللغة العربية لتواكب التطورات المعرفية والعلمية في شتى المجالات، مشيرًا إلى ضرورة توفير البرامج التعليمية والتدريبية التي تساهم في تحسين مستوى استعمال اللغة العربية في مختلف المجالات. كما دعى إلى إنشاء مراكز متخصصة لتطوير اللغة العربية وتعليمها للموظفين العموميين لكي يتمكنوا من استخدامها بكفاءة في حياتهم المهنية اليومية.
وفي هذا الإطار، أشار الملك محمد السادس إلى ضرورة إشراك جميع الفاعلين في هذا المجال، بدءًا من المؤسسات التعليمية وصولاً إلى الهيئات الحكومية. كما شدد على أهمية تعاون جميع الأطراف، سواء كانت مؤسسات أكاديمية أو إعلامية أو ثقافية، من أجل وضع استراتيجيات فعالة لضمان تعميم استعمال اللغة العربية في المؤسسات الإدارية.
كما تجدر الإشارة إلى أن خطاب الملك محمد السادس يبرز تناوله للقضية من زاوية العدالة الاجتماعية حيث أكد على أن تعزيز اللغة العربيةفي مختلف مؤسسات الدولة يعزز من العدالة اللغوية بين جميع فئات المجتمع، ويمنح الجميع فرصًا متساوية للمشاركة في العمليات الإدارية والقرارات الحكومية، مما يعكس روح الديمقراطية والمساواة.
إن تفعيل اللغة العربية في التعاملات الإدارية بحسب خطاب الملك محمد السادس، ليس فقط مطلبًا ثقافيًا، بل هو ضرورة وطنية من أجل الحفاظ على هوية المغرب وتقاليده في عالم يتجه بسرعة نحو العولمة. إن اللغة العربية، برأي الملك، هي أداة قوية لتوثيق روابط المجتمع المغربي بأرضه وتراثه، وهي الوسيلة الأجدر لحماية الثقافة المغربية من التأثيرات الخارجية التي قد تساهم في تهميشها أو تغيير معالمها.